لغة الضاد تعيش في أسوأ حال بين وسائل الإعلام الاجتماعي

يرثي الخبراء والباحثون وضع اللغة العربية بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، ويخشون من مصير مجهول للغة في عصر العولمة والانفتاح الثقافي وسيطرة اللغات الأجنبية على وسائل الإعلام.
الجمعة 2015/07/24
وسائل التواصل الاجتماعي فرضت لغة مكتوبة جديدة غصت بالتعابير المستحدثة

قلبت وسائل الاتصال الحديثة والمواقع الإلكترونية موازين استخدام اللغة العربية، وانقسمت إلى لغات متعددة، وتفننت وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية في ابتداع مصطلحات جديدة وكلمات دخيلة، فاقمت الهوة بين الجيل الجديد من مستخدمي التقنيات الحديثة والإعلام الجديد ولغة الضاد، وسط قلق الخبراء والمهتمين.

وفرضت مراسلات البريد الإلكتروني ووسائل التواصل الإجتماعي والمدونات والمواقع الإلكترونية، لغة مكتوبة جديدة غصت بالتعابير المستحدثة، وطالت استخداماتها الرسوم والصور والرموز والإشارات، في مراسلات البريد الإلكتروني ورسائل التواصل الإجتماعي، كطريقة للتعبير عن المشاعر والعواطف بدلا من الكلمات العربية.

هذا بالإضافة إلى ظاهرة ضعف الأداء اللغوي وشيوع الأخطاء اللغوية والنحوية والإملائية واللجوء إلى العامية وعدم سلامة النطق وازدواجية اللغة في وسائل الإعلام والتي تعد من أكثر الأخطاء شيوعا، وقد أصبحت مشكلة حقيقية تواجه اللغة العربية في عصر العولمة والانفتاح الثقافي وسيطرة اللغات الأجنبية على وسائل الإعلام.

ويتساءل الكثير من الباحثين والمهتمين بمصير اللغة العربية، ويقولون إن السؤال الأخطر، هل هي في حالة انقراض؟ فاللغة العربية لم تعد كما كانت قبل مئة عام بل تغيرت كثيرا، ولتطور وسائل الاتصال الحديثة التأثير الأكبر على هذه التغييرات.

ويعتبر الخبراء أن اللغة العربية أصبحت لغتين، لغة اقتصاد يومي "لغة سوق" أو ما يعبر عنه باللهجة المحلية، والتي تختلف من بلد عربي إلى آخر. ولغة محصورة في البحث الأكاديمي اللغوي، واختصت بها المعاهد والجامعات، التي تهتم بالعربية وآدابها وعلومها. وهي بدورها لم تعد كما كانت في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، إذ أثرت لغة الصحافة المكتوبة والإعلام المسموع والمرئي تأثيرا بالغا عليها، فطغت على اللغة العربية الفصحى وحلت محلها.

وتناول الباحث السعودي عبدالعزيز بن عثمان التويجري هذه الإشكالية في كتابه “مستقبل اللغة العربية” وبثلاث لغات، العربية والفرنسية والإنكليزية.
العلاقة بين اللغة والإعلام لا تسير دائما في خطوط متوازية، فالطرفان لا يتبادلان التأثير نظرا إلى انعدام التكافؤ بينهما

واعتبر التويجري اللغة كائنا حيا يعتريه ما يعتري أي كائن من عوارض المرض، والشيخوخة والموت، وكذلك هي خاضعة لتقلبات الزمن نتيجة للتطورات والمتغيرات والمستجدات التي تطرأ.

ووجد أكثر من سبب إلى ضمور اللغة العربية الفصحى، وسيادة العامي والغريب، والمفردات الأجنبية الدخيلة، ووقوع الدارسين والمتعلمين في الأخطاء اللغوية الشنيعة.

وتناول البحث "لغة الإعلام وآثارها في تحقيق التنمية اللغوية"، أكد فيه أن العلاقة بين اللغة والإعلام وخصوصا وسائل الاتصال الحديثة، لا تسير دائما في خطوط متوازية، فالطرفان لا يتبادلان التأثير، نظرا إلى انعدام التكافؤ بينهما، لأن الإعلام هو الطرف الأقوى، ولذلك يكون تأثيره في اللغة بالغا للدرجة التي تضعف الخصائص المميزة للغة، وتلحق بها أضرارا تصل أحيانا إلى تشوّهات تفسد جمالها". واستنتج في هذا الجانب أن اللغة صارت تابعا للإعلام المرئي ووسائل التواصل الحديثة.

وأشار المؤلف إلى تحذيرات الغيورين على لغة الضاد في القرن الماضي عند ظهور الصحافة في البلاد العربية في القرن التاسع عشر لأول مرة، وتنبيههم إلى انحدارها إلى مستويات متدنية. وتعالت صيحات الأدباء والكتاب بضرورة الحرص على صحة اللغة العربية وسلامتها.

وظهرت عدة كتب تعنى بما اصطلح عليه لغة الجرائد، لتصحح الخطأ وتقوّم المعوج من أساليب الكتابة، وتردّ الاعتبار للغة العربية. وتم تكليف أدباء كبار ولغويين لتحرير المقالات وتصحيح المعروض على النشر، وكان عليهم ابتكار لغة وسيطة، سميت ب”اللغة السيّارة” نسبة للصحف السيّارة التي ظهرت وقتها.

لكن الظروف الاقتصادية والسياسية والثقافية التي مرت بالبلاد العربية أدت إلى ضعف اللغة العربية، وهيمنة اللهجات العامية، وأصبحت اللغة العربية عند الكثيرين من الناس هي لغة الإعلام، والصحافة اليومية.

واليوم وفي ظل الثورة التكنولوجيا الهائلة، صارت الكتابة اليومية في وسائل التواصل الاجتماعي، وما يشاع في المواقع الشخصية والمدونات على شبكة الإنترنت، والتواصل الاجتماعي هي اللغة العربية السائدة.

ضعف الأداء اللغوي واللجوء إلى العامية وعدم سلامة النطق وازدواجية اللغة في الإعلام تعد من أكثر الأخطاء شيوعا

جدير بالإشارة أن مجمع اللغة العربية في القاهرة أوصى في وقت سابق “بتصويب الكثير من سلبيات الأداء في وسائل الإعلام العربية وأبرزها زيادة استخدام العاميات واللهجات”.

وقال الدكتور حسن الشافعي رئيس المجمع إن بعض القنوات “تلجأ إلى استخدام العامية في نشرات الأخبار”، مضيفا أن “هذا لم يكن أمرا مألوفا في السابق”. وأكد الشافعي أن هناك أيضا من الصحف العربية من ينشر إعلانات مكتوبة باللهجة العامية أو بلغات أجنبية أو بخليط من كل هذا.

وأحصى المجمع، مؤخرا، مخالفات للصحف في هذا المضمار، ليجد أن ما يقرب من 90 في المئة من إعلانات الصحف احتوت على هذه المخالفة، بحسب الشافعي، الذي حذر من مغبة هذه الظاهرة ودعا المؤسسات الصحفية والإعلامية إلى الكف عنها لئلا يضطر المجمع لاتخاذ التدابير المخولة له قانونا.

ويشكو أعضاء المجمع وخبراؤه من تدهور استخدام اللغة العربية في مواقع التواصل الاجتماعي. وفي اجتماع سابق أوصى المجمع بتشجيع “الشباب على استخدام الأحرف العربية في الرسائل والتغريدات والالتزام بأسلوب لا يجافي اللغة ولا يهبط بها إلى السوقية”.

وأشار الدكتور محمد حماسة نائب رئيس المجمع إلى أن “اللغة العربية تجابه حربا في أماكن كثيرة، والأدهى أنها تعاني من عدم التوقير داخل البلاد التي تنتسب للغة العربية”.

ونبَّه حماسة إلى أن الخطر الداهم على اللغة يتمثل في انتشار التعامل باللغات الأخرى في الكثير من المؤسسات، خاصة التعليمية والمصرفية. موضّحا أن النهوض باللغة لن يتأتى إلا من خلال التركيز على التعليم".

18