الأحياء الشعبية المصرية تتجمل في رمضان

تتنوّع أساليب وطرق الاحتفاء بشهر رمضان من عادات وطقوس ومظاهر متعدّدة.. يظل لها رونقها الخاص في الأحياء الشعبية والقديمة، التي تتزيّن بالفوانيس والمصابيح والزينات المعلّقة، لتغدو في أبهى صورها في شهر الصيام، حيث تخلو الشوارع من المارة عند الإفطار، وتمتلئ المساجد ما بين إقامة الصلاة وقراءة القرآن وتلاوة الأذكار، ليخرج بعدها عشرات الآلاف من المصريين، شيبا وشبابا وأطفالا، للتجوال في الحواري احتفاء بأجواء الشهر الفضيل.
الثلاثاء 2015/06/30
الفوانيس والمصابيح الملونة وسائر أدوات الزينة أضحت حكرا على الأحياء الشعبية

تبدأ مظاهر رمضان والاحتفاء به، في الأحياء الشعبية للعاصمة المصرية، قبيل حلول الشهر الكريم، حتى أن العامة يطلقون على الأيام الأخيرة من شهر شعبان “روائح رمضان”.. ويبدأ الأطفال والشباب في تلك الأحياء بتجميع النقود من الأهالي لشراء أدوات الزينة وخاصة الفوانيس وتعليقها في الحواري والشوارع وأمام المنازل وأعلى شرفاتها وقبالة المحلات، لتتزيّن الأحياء بأوراق ملوّنة تتخذ أشكالا متنوّعة من مثلثات ودوائر تتخلّلها فوانيس إضاءة ملونة، ويتوسّطها نموذج مجسّد لمسجد صغير أو فانوس كبير، في أجواء من البهجة يشترك فيها الأهالي مع أبنائهم، في حين يتنافس الأطفال فيما بينهم من أجل تجميل الشوارع وتزيينها.

وبمجرد الإعلان عن حلول شهر الصيام، تتزيّن شوارع الأحياء الشعبية وشرفات البيوت وواجهات المحلات بالأضواء المتعدّدة الألوان وقطع القماش المزركشة، وتعلّق أفرع فوانيس الإضاءة باللونين الأخضر والأبيض على مآذن المساجد، لتظل القاهرة وأحياؤها العريقة صامدة في الاحتفاظ بتراثها وخاصة طقوس الاحتفاء برمضان، غير مبالية بتغيّر الأجيال مع تطور التكنولوجيا، وكأن مظاهرها متوارثة عبر الجينات.

وتغدو الأحياء الشعبية المعروفة، كحي الحسين والسيدة زينب ومصر القديمة، واجهة البلاد في رمضان، من آذان المغرب إلى موعد السحور، في أجواء تمتلئ بعبق التراث وإقبال منقطع النظير على إقامة الشعائر الدينية في مسجد الحسين..

ويرتبط شهر رمضان بذكريات خاصة لدى القاهرة، كونه شهد مولد قاهرة المعز لدين الله الفاطمي منذ أكثر من ألف عام وتحديدا في عام 358 للهجرة، وظل الخلفاء المتتالون يأمرون بالإكثار من المصابيح في رمضان لإنارة الطرق وأنس المصلين وبهجتهم.

ولم تختلف مظاهر الاحتفال برمضان في القاهرة بين العصور المختلفة، حيث كانت مراسم الاحتفال في العصر الأموي، تبدأ مع رؤية الهلال من “دكة القضاة” التي كانت توضع فوق سفح جبل المقطم، ثم يطوف القضاة ومعهم التجار ورجالات الدولة على الأحياء والشوارع لإعلامهم بقدوم رمضان وتهنئتهم، وتضاء المنازل بالفوانيس ابتهاجا بالشهر الكريم.

الأحياء الشعبية أضحت مقصدا لسكان الأحياء العصرية، خلال رمضان، للاستمتاع بأجواء وطقوس يفتقدونها في المناطق الراقية

وكان جامع عمرو بن العاص مكان تجمّع سكان مدينة الفسطاط، واستمرت هذه المظاهر حتى العصر العباسي، الذي شهد ظهور أول مسحراتي، في عام 238 للهجرية الموافق لـ853 للميلاد، خلال عهد الخليفة المنتصر بالله، وكان “عتبة بن إسحاق” والي مصر في تلك الفترة، يطوف شوارع القاهرة ليلا في رمضان لإيقاظ المسلمين ودعوتهم إلى تناول طعام السحور، وتواصلت الاحتفالات إلى العصر الطولوني.

ويعدّ العصر الفاطمي من أشهر العصور التي أدخلت مظاهر توارثها سكان القاهرة، ومنها الفانوس وموائد الرحمن، حيث أمر الخليفة العزيز بالله بإقامة أول مائدة مفتوحة في شهر رمضان يفطر عليها أهل جامع عمرو بن العاص، والتي تعتبر أول مائدة رحمن عرفتها القاهرة.

ويشير عبدالمعطي السيد، الأستاذ بجامعة الأزهر، إلى أن الأحياء الشعبية في القاهرة وضواحيها، ما زالت تحتفظ بالكثير من التراث والعادات والطقوس التي اندثرت في الأحياء والمدن الأخرى تحت ضغوط الحداثة ومتغيّرات العصر الحديث، لتحمل الأحياء القديمة تلك الروح الرمضانية من زينات واحتفالات وتعليق للفوانيس والمصابيح الملونة.

وأضاف أن تلك المظاهر تستبطن أيضا تمتين العلاقات الاجتماعية من ود وتراحم بين الجيران، لافتا إلى أن الاحتفالات بشهر رمضان في تلك الأحياء لم تختلف كثيرا عن العصور القديمة، حيث تعلّق الزينات والفوانيس، ويخرج المسحراتي لينادي في الناس لتناول السحور، وهو ما جعل الأحياء الشعبية وما تحمله من روح رمضانية مقصدا للزائرين خلال شهر رمضان، ليتمتّعوا بهذا الجو من التراث والطقوس التي يفتقدون إليها في أحيائهم ومناطقهم “الراقية”.

20