انخفاض أسعار النفط يوفر عناصر مثالية لنظريات المؤامرة
رغم وضوح العوامل التي أدت لتراجع أسعار النفط، وعدم وجود أي خيار أمام كبار منتجي أوبك، سوى الإبقاء على سقف الإنتاج، إلا أن التوقيت الذي حدث فيه التراجع، وفر عناصر مثالية لنظريات المؤامرة.
لا يختلف إثنان من المحللين على أن التراجع حدث بسبب وفرة العرض وتراجع نمو الطلب العالمي، وأن أوبك إذا خفضت إنتاجها فسوف تخسر جانبا من حصتها في السوق دون أن تتمكن من رفع الأسعار، لأن منتجين آخرين سيملأون مكانها في السوق.
لكن توقيت الانحدار الكبير في الأسعار، جاء في ذروة المواجهة بين القوى الغربية وروسيا وإيران بشأن ملفات مستعصية، هي الأزمة الأوكرانية والمف النووي الإيراني، إضافة إلى مواقف الطرفين من القضية السورية والتدخل في العراق.
وكان من أبرز عناوين انهيار أسعار النفط، هو الضربة القاسية، التي وجهها لروسيا وإيران ليفرض واقعا جديدا في المواجهة، مما أدى حتما لإشعال نظريات المؤامرة.
وقد صب السيناتور الأميركي جون ماكين يوم الأحد، الكثير من الزيت على نار نظريات المؤامرة، حين قال إن السعودية مسؤولة عن انهيار الاقتصاد الروسي أكثر من مسؤولية سياسات الرئيس الأميركي باراك أوباما.
وأمعن المرشح السابق للرئاسة الأميركية، في إثارة منظري المؤامرة حين قال إن “علينا أن نشكر السعودية التي سمحت لسعر برميل النفط بالهبوط لدرجة تؤثّر بصورة كبيرة على اقتصاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين”.
حجم الآثار الكارثية التي أحدثها انخفاض أسعار النفط في الاقتصاد الروسي لا يمكن حصرها فقط في الأرقام المخيفة التي نتجت عنه، إلا إذا توغلنا في تبعات ذلك على تفاصيل الحياة الاقتصادية وحياة سكان روسيا.
ولنتأمل حجم الزلزال الذي عمق جراح الروبل الروسي، ودفع خسائره لتصل منذ بدية العام الحالي إلى أكثر من نصف قيمته مقابل الدولار ومعظم العملات العالمية.
وقد أنفق البنك المركزي الروسي أكثر من 80 مليار دولار في الدفاع عن الروبل دون أن يتمكن من إيقاف سقوطه الحر. واتسع هروب رؤوس الأموال من البلاد ليصل إلى أكثر من 140 مليار دولار منذ بداية العام، إضافة إلى أرقام أخرى مخيفة مثل رفع الفائدة إلى 17 بالمئة وارتفاع التضخم إلى مستويات فلكية.
لا يمكن لرصيد بوتين من المكابرة أن يكون بلا حدود أمام الثمن الباهظ الذي تدفعه جميع قطاعات الاقتصاد الروسي، في ظل استحالة تراجع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن المواجهة، وفي ظل الوزن غير المتكافئ لجانبي المواجهة.
فالاقتصاد الروسي قبل جراحه الأخيرة لا يعادل سوى 5 بالمئة من حجم الاقتصاد الأوروبي والأميركي، بل إنه لا يعادل قشة أمام وزن الاستقرار الاقتصادي والقدرة على التحكم بالنظام المالي العالمي من قبل الطرف الآخر.
ولا تختلف الصورة القاتمة على الجانب الإيراني، الذي يعاني أصلا من العقوبات الغربية التي عزلت نظامه المالي عن بقية العالم، وجاء تراجع أسعار النفط ليقصم ظهر عوائده الشحيحة من صادرات النفط، التي لا تسمح العقوبات لها بأن تبتعد كثيرا عن مليون برميل يوميا.
الاقتصاد الإيراني في قاع أعمق من القاع الروسي، حتى قبل انخفاض أسعار النفط، وعملتها فقدت نحو سبعين في المئة من قيمتها على مدى العامين الماضيين.
لذلك لا يمكننا أن نلوم منظري المؤامرة بعد أن وجه انخفاض أسعار النفط ضربة أقسى من جميع العقوبات الغربية على موسكو وطهران. ومن المرجح أن تكون الضربة القاضية، التي ستجبر الطرفين عاجلا أم آجلا على التراجع عن العناد في تلك الملفات المستعصية.
لكن لا يمكن الاتفاق مع مآرب ماكين في القول بأن السعودية هي التي وجهت الضربة إلى روسيا وإيران، لأن الرياض لم يكن أمامها أي خيار سوى إبقاء سقف الإنتاج، بل إن أي خفض ما كان ليمنع انحدار الأسعار والضربة القاسية على الاقتصادين الروسي والإيراني.