من يجفف دموع مريام
أستيقظ مع خيوط الشمس فلا تزعجني عادة الزيارات الصباحية، ولكن هذا اليوم كان مختلفاً، فالطرقات العنيفة على بابي لم تتوقف، فقط ما توقف عن التفكير هو عقلي، فتحت بسرعة وإنزعاج فإذا بجارتي وصديقتي الجميلة مريام ترتجف من برودة الطقس وألم الضرب المبرح، ترتدي قميص النوم وشعرها متطاير في فوضى عجيبة، ودموعها الساخنة تفضح حالة من العنف والقسوة مارسها ضدها زوجها “الثمل”.
كفكفت دموعها، قالت بصوت متهدج: كرهت الحياة مع هذا الشخص، لم أعد أحتمل رائحة جسده وهو يقترب مني، أشعر بالغثيان، أحس رائحة كل النساء اللائي عرفهن تفوح من تحت جلده، تؤلمني كلماته أكثر من ضربه الموجع آلاف المرات، حتى لحظات الحب التي كنت أختلسها من مرارة الأيام أصبحت تمثل لي عبئاً نفسياً رهيباً، ما إن أشم رائحته حتى أشعر أنني أمام “جسد متحلل في قبر مظلم” لا أستنشق رائحة عطره الفرنسي باهظ الثمن كما الآخرون. فقد زكمت أنفي تصرفاته الكريهة، وإدمانه على الخمور ومغامراته النسائية.
أعدتها إلى ذكريات خطوبتها بجون والكلمات الرقيقة التي كتبناها جميعاً بسجل التهاني وصور الحب والغرام التي جمعتهما معاً، فزادت من دموعها حين قالت: تحديت الجميع للموافقة على زيجة غير متكافئة اجتماعياً ومادياً، وتذكرين إضرابي عن الطعام وخضوعي لعلاج إجباري، وتغذيتي بالمحاليل حتى أجبرت أسرتي على قبوله، واليوم يعذبني بحبي له.
قلت: أين المودة والرباط المقدس والميثاق الغليظ. قلتي لي يوماً الزواج في المسيحية هو أحد الأسرار السبعة، وهو عهد وليس عقدا، وما جمعه الله لا يفرقه إنسان، وجون إنسان طيب، خلوق وأب مثالي ودون أن أسترسل قاطعتني: وكان زوجاً حنوناً، ولكن تملكته غلظة القلب وتحول من مجرد ناقد لبعض تصرفات عفوية إلى شخص لا تعرف الكلمات الحنونة ولا الصوت الهادئ طريقاً إلى حنجرته. دائم الإهانة لنا و….و……….
تحدثت مريام أكثر من ساعتين قبل أن يغالبها النعاس من كثرة الإرهاق.
ليست مريام هي الصديقة المسيحية الوحيدة لي (أكره جداً قول مسيحية ومسلمة أو تصنيف صديقاتي تصنيفاً دينياً أعده عنصرياً)، فصديقاتي المسيحيات يقلن على سبيل الدعابة: نحن لا نخشى من أزواجنا طلاقاً أو زواجاً آخر، “نظراً إلى تحريم الطلاق والتعدد بالديانة المسيحية” وللحق هن سعيدات إلى درجة تفوق الخيال ومن أزواجهن من يطلق عليه زوج مثالي بامتياز، وزوجة محبة عاشقة حتى في عيد زواجها السابع عشر.
ولكن مريام الزوجة الشابة الجميلة التي ضاقت ذرعاً بحياتها، وكثرة مشاكلها وإصابة ابنتها الكبرى بأزمة نفسية حادة نتيجة اعتيادها الدائم على مشاهدة شجار أبويها، طافت بكل من يمكنه حل مشكلتها دون جدوى، طرقت باب الكنيسة في عدة محاولات يائسة فاشلة، ولم يعد لديها أمل إلا في حل قضائي مدني ينهي معاناتها.
ومن أجل ذلك، هل تملك الكنائس المصرية الرافضة لمشروع قانون الزواج المدني حلا لمريام، فالحكومة تصر على وضع القانون على مائدة البرلمان الجديد لحسم الجدل بين الكنائس، لعلها ترفع الألم عن زيجات تعيسة وحياة بائسة لا نرى فيها إلا أزواجا استغلوا الرباط المقدس في إتعاس زوجاتهم بدل إسعادهن.