حكايات عن الشر والنشور والهوية تحصد الجوائز البريطانية عام 2014

الأحد 2014/12/21
كتاب بريطانيون فازوا بالجوائز 2014

تثري الجوائز الأدبية المشهد الثقافي البريطاني وتقدم للمبدعين فرصة للتفرغ من دون الاضطرار إلى الجري وراء لقمة العيش في كفاح يومي لا ينتهي. يدعمها مجهولون لا رغبة لهم في الكشف عن أسمائهم أو منظمات حكومية يتكفل بمصاريفها دافعو الضرائب أو مؤسسات رأسمالية كبرى تستخدم التتويج الأدبي في الدعاية لمنتجاتها.

غالباً ما يتم الإعلان عن الجوائز الأدبية كإحدى فعاليات المهرجانات الثقافية المقامة في كل أرجاء بريطانيا. ومن بين أشهر هذه الجوائز جوائز “جيمز تيت بلاك” التي تأسست عام 1919 والمقدَّمة خلال مهرجان أدنبرة الدولي للكتاب، وهي أقدم جوائز أدبية في بريطانيا على الإطلاق.


الوثني والمقدس


نالت رواية “الحصاد” للمذيع والصحفي السابق جيم كريس الجائزة في فئة الأدب، وهي قصة عن مجتمع يعاني الخوف والاضطهاد ويكابد أبشع صنوف الشر حين تُنهب أراضي أفراده، وتترامى الاتهامات بممارسة السحر والعرافة بلا كابح في وجوه الجميع.

تتأمل الرواية بلغة أقرب إلى الشعر طبيعة الإرث الثقافي لمجتمع متذبذب لا ينجو العالم من حوله من التغير إلى الأسوأ. تنجح الرواية في طرق أبواب المقدَّس وكذا أبواب الوثني المجدِّف، فترتحل بسلاسة بين مشاهد حسية مادية وحاجات ميتافيزيقية تبث الارتباك في الشخصيات وتحثهم على الفرار من عالمهم.

وفي فئة السيرة فازت الناقدة هيرماياني لي الحاصلة على لقب “السيدة ضابطة الإمبراطورية البريطانية” على الجائزة عن كتابها “بينولوبي فيتزجيرالد: حياة”، وتسلّط فيه الضوء على مسيرة واحدة من أبرز الروائيات في جيلها. تعني لي عناية خاصة بالكتابات النسوية، ويصحبنا كتابها في رحلة تصف كيفية تبلور أعمال فيتزجيرالد وخروجها إلى النور، وكذلك صراعاتها مع المجتمع الذكوري والذائقة الأدبية.

جينيفر نانسوبوجا ماكومبي: فلنروي هذه القصة كما يجب


جوائز القهوة


ترعى الشركات الرأسمالية الكبرى عدداً من الجوائز الأدبية في بريطانيا، منها جوائز كوستا للكتاب -جائزة ويتبريد سابقاً- أو “جائزة القهوة” مثلما يطلق عليها نقاد الأدب بلهجة تنبئ عن سخرية، سخرية لا محل لها في الحقيقة، فالجائزة إلى جانب الدعم المالي المتاح لها -ودونه ستتقوض وتنهار- تتمتع بمكانة أدبية مرموقة وتحظى بدعم جماهيري واسع.

حصلت الروائية كيت أتكينسون على الجائزة عن رواية “حياة بعد حياة” الفائزة أيضاً بإحدى الجوائز القومية للكتاب والمرشحة لجائزة المرأة في الأدب. إنها حكاية عن البعث الأبدي، بطلتها تموت قبل أن تستنشق أول أنفاس الحياة غير أنها تفوز بعدة فرص للعيش من جديد.

تطرح الرواية بصراحة لا تدانيها صراحة سؤالاً وجودياً أزلياً، ماذا لو نلنا فرصة ثانية للعيش؟ للاختيار؟ لتغيير آرائنا ومفردات معيشتنا؟ هل نرغب حتى في هذا التحول؟ ماذا لو لدينا عدد لا نهائي من الفرص والخيارات وأضمر وجودنا احتمالات أبدية للبقاء؟ لا تجزم الرواية بأيّ إجابات قاطعة، وبدلاً من التحدث بلسان القارئ تسنح الفرصة للشخصيات حتى تتجنب مصيرها المحتوم في تفاديها للأقدار.

وفي فئة الشعر نال مايكل سيمونز روبرتس جائزة كوستا ثانية عن ديوانه الكلاسيكي السادس “بائع الأصباغ”. يتضمن الديوان الطموح الفائز بجائزة فوروارد مئة وخمسين قصيدة تُشبه في بنيتها القصائد الغنائية وإن زادت عنها سطراً، إذ بنى روبرتس كل قصيدة من خمسة عشر سطراً.

استلهم الشاعر عنوان الكتاب من تجّار العصور الوسطى الذين باعوا الأصباغ والكيميائيات والمساحيق والملح، ويحتفي فيه بصور بلاغية مشرقة تداعب الحواس وتمتزج بسفر المزامير والنكات الرديئة والشخصيات الكارتونية وكذا ملاحظات هامشية عن الحياة على الجانب الآخر من الفناء.

ثمة شاعرة تناطح موهبتها واحتفاء النقاد بها روبرتس، وهي الشاعر الأيرلندية شينيد موريسي الفائز ديوانها “اختلاف المنظر” بالإجماع هذا العام بجائزة تي أس إليوت المقدَّمة من جمعية كِتاب الشِعر البريطانية، وهي المرة الرابعة التي تترشح فيها موريسي لهذه الجائزة العريقة.

أعلن الشاعر البريطاني إيان دوهيج رئيس لجنة حكام الجائزة أن الديوان يتحلى “بالطموح على المستوى السياسي والتاريخي وكذا الشخصي”. وكما يوحي عنوان الديوان، تتخذ قصائده ملامح شتى، تلقي الضوء على زوايا متباينة، ومتناقضة، من النفس البشرية.

البروفيسورة هيرماياني لي: السيدة ضابطة الإمبراطورية

لا تدخر القصائد طاقة ولا تكتم سراً وهي تتدبر ملامح الهوية التائهة وعقبات الجنسانية وطريق الأمومة والحب الشائك. ومنذ اللحظة الأولى تلقي لنا الشاعرة بأدلة على مقاصدها الفنية، وفي الوقت ذاته تتوازى بين ثنايا القصيدة المفارقات في صورة عبارات مقلقة متناقضة ظاهرياً أو مناقضة للعقل، ومع ذلك تجدها مقصودة تضمر مغزى ما.


جوائز الويسكي


ومن القهوة إلى الويسكي ماركة بيليز، الشركة الراعية لجائزة المرأة في الأدب، نجد الاتحاد كاملاً بين الأدب وأيّ شركة -أيّ شركة- قد ترعاه! كانت الجائزة نفسها ترعاها شركة أورانج للاتصالات منذ عام 1996 إلى عام 2012.

لحسن الحظ أن لجنة الحكام لا تزال تضم أدباء ونقاد! وقد أحسنوا هذا العام اختيار رواية الأيرلندية إيمير ماكبرايد “الفتاة شيءٌ نصف متكوِّن” لتفوز بمبلغ قدره 30 ألف جنيه إسترليني إضافة إلى تمثال برونزي صغير أسموه “بيسي”.

الرواية نسوية من الطراز الأول، وهي الغزوة الأولى لماكبرايد في عالم الأدب. تزخر بالكوميديا وتسخر سخرية مريرة من المرأة والرجل، و”اتحادهما “المشؤوم”. ترسم تفاصيل عزلة البطلة وحياتها الجنسية، وتحكي بنبرة قد تبدو للقارئ لا واعية علاقة امرأة شابة بأخيها وما طغى على هذه العلاقة من توتر بسبب ورم في الدماغ أصيب به الأخ في طفولته مجرداً حياته من المغزى أو الهدف.


جائزة الكومنولث


لم تغفل المؤسسات الثقافية البريطانية تأسيس جائزة ذات اعتبار للقصة القصيرة، فمن بين كل الجوائز المحتفية بالأدب، تقف جائزة الكومنولث شهادة على أن القصة ليست خطوة في سبيل الرواية أو رواية قصيرة، وإنما فن أدبي مستقل بذاته.

كانت مؤسسة الكومنولث قد أعلنت عن فوز قصة الأوغندية المُدرسة بجامعة لانكستر جينيفر نانسوبوجا ماكومبي “فلنحك هذه القصة كما يجب” في مدينة كامبالا بأوغندا كجزء من مجموعة من المبادرات بالتعاون مع شركاء المؤسسة الأفارقة في تنزانيا وملاوي وأوغندا ورواندا وكينيا.

كيت أتكينسون تفوز بإحدى الجوائز القومية للكتاب عن روايتها "حياة بعد حياة"

تلتزم مؤسسة كُتّاب الكومنولث بتقوية الروابط الثقافية والحوار الفكري بين منظمات المجتمع المدني في المنطقة، وتحتفل الجائزة بأقلام كُتّاب موهوبين تلهم قصصهم مجتمعاتهم المحلية، وتتيح الفرصة لكُتّاب من دول تتأخر فيها صناعة النشر أو تنعدم.

بإمكان الكُتّاب المشاركة في الجائزة بأعمال مكتوبة بلغات غير الإنكليزية، ولكن مترجمة إليها. وتتعاون مؤسسة كُتّاب الكومنولث مع مجلة جرانتا البريطانية في نشر القصة الفائزة بين صفحاتها.

وفي أول رد فعل من ماكومبي على فوزها بالجائزة أعلنت “أنه حلم يتحقق. لم تعد أوغندا صحراء أدبية”. وتشير القاصة هنا إلى تصريح الشاعر الأوغندي تابان لو ليونج في ستينات القرن العشرين بأن شرق أفريقيا مثله كمثل الصحراء على المستوى الأدبي.

وأردفت القاصة، “لقد افترض أن الأدب لا بد أن يكون مكتوباً بالإنكليزية، وأن الأدب ما هو إلا الرواية، بينما نعِمت أوغندا بمشهد مسرحي مزدهر باللغات المحلية، وهو ما جعل البلد تواصل إبداعها بعد نفي العديد من الكُتاب.” ثم نوهت بكاتبات أوغنديات يكتبن بالإنكليزية مثل دورين بينجانا وجاكي باتاندا.

تروي قصة ماكومبي البديعة في جرأتها حكاية امرأة أوغندية تعيش في مدينة مانشستر البريطانية، تجد زوجها “ميتاً في الحمام مخلوع البنطال. بلغ خمسة وأربعين عاماً، وكان لا بد أن يرتدي بنطاله قبل أن ينهار. إنه خزي أيّ خزي لأنه عيد الفصح. مَن يموت عارياً في عيد الفصح؟” تسافر إلى أوغندا لتواري جسده التراب، فتقع على شبكة عنكبوتية من الأكاذيب والأوهام.

كانت رئيسة لجنة التحكيم والناقدة الزيمبابوية إيلا واكاتاما ألفري قد جاهرت بأن قصة ماكومبي “ببطلتها المفجوعة، وبمجموعة من النساء قويات البنية يقاطعن جنازة ويوقعن بها الفوضى، وبأسلوبها السردي المتكل على إرث قومي عريق في الحكي الدرامي، تزيد استيعابنا لاحتمالات قد يتخذها شكل القصة القصيرة”.

الشاعرة الأيرلندية شينيد موريسي: اختلاف المنظر


جائزة البوكر


وعودةً إلى الصعيد الروائي نال الأسترالي ريتشارد فلاناغان جائزة البوكر عن روايته “الطريق الضيق إلى أقصى الشمال”، ومع التكريم حصل على 50 ألف جنيه إسترليني متفوقاً على البريطاني هاوارد جاكبسون والأسكتلندية ألي سميث والبريطاني الهندي المولد نيل موكيرجي والكاتبين الأميركيين كارين جوي فاولار وجوشوا فيريس.

استغرق فلاناغان اثنتي عشرة سنة حتى خلَّد ذكرى أبيه في هذه الرواية التي وصفها الحكّام بأنها “تركلك بقوة هائلة في معدتك”. تتحلى الرواية بملامح الأعمال التقليدية الكبرى: 200 ألف سجين أو عامل سخرة يقضون نحبهم، رقمٌ يقول المؤلف بنبرة منكسرة إنه “يُمثِّل جثثاً تفُوق عدد كلمات روايتي”.

تنفض وقائعها على مدار نصف قرن وكأنها فيلم سينمائي؛ وشأن ملاحم الهزيمة والنجاة لا تنحصر في بقعة واحدة، وإنما تطير بين جزيرة تسمانيا، مسقط رأس المؤلف، واليابان وسكة حديد بورما-تايلاند.

استوحاها المؤلف من حدث عالمي وشخصي في الوقت نفسه: سجناء أستراليون في معسكر أرغمهم اليابانيون على تشييد “سكة حديد الموت” في بورما إبان الحرب العالمية الثانية، وقد أشاد رئيس اللجنة “بإنسانيتها الذكية، ليست عن الحرب العالمية الثانية وحدها، إنها عن أي حرب”.

14