ضريبة البوح

الاثنين 2014/12/15

خديجة إمرأة ستينية وسمتها الحياة بخبرات كل من سبقوها، دخلت معارك نسائية بعدد شعرها الأبيض، خبرت الحياة إلى أن امتلكت قدرة على فهم الأمور ونثر التجارب على كل الأحداث، فأصبحت أيقونة النصيحة لفتيات يبدأن حياة زوجية جديدة. على عكس النساء، تصغي باهتمام فلا تخطئ نصائحها، ولا تضل الطريق لعلاج نهائي لمشكلة أرقت صاحبتهـا كثيـرا.

ما بين “وقت آذان العصر” و”ساعة الغروب” يتحول منزلها البسيط لمكان تجتمع فيه النساء، تعلو فيه أصوات الضحكات وصوت ارتطام فناجين القهوة بالطاولة، اتكأت برأسها على مخدع الأريكة واستعادت ذكريات أربعين عاما من الزواج، وبإصبع السبابة أشارت لزوجة شابة، قائلة هذا خطؤك وحدك تحملين وزر البوح وإثم الفضفضة لمثل هذة الحية الرقطاء، اتخذتيها صديقة مقربة وهي تنخر في أعمدة عرشك (بيتك).

بيدك يا صغيرتي، فتحتي بابا للتمني والاشتهاء لإمرأة جائعة ناهمة، قصصتي عليها تفاصيل حياتك الزوجية ومشاكلك، بعثرتي أسرار زوجك على مسامع الغرباء، رسمت خارطة طريق لمن تريد الفوز بقلب متعب، أرهقته مشاغل الحياة. من كلماتك عرفت كل طباع زوجك، ماذا يحب، ماذا يكره، رضاه، غضبه، نومه، صحوه، انفعالاته، همساته، كل شيء، وقبلها أهم شيء، عرفتك أنت يا ابنتي، أعطيت اللص مفتاح البيت، وشردت بعيدا وتركت مملكتك بغير حارس.

المرأة التي عرفت أسرارك في لحظات بوحك، تقربت للزوج الظمآن للحب بعدما تحولت دفة مشاعرك لصغير أشبع أمومتك وسحب بساط الشوق من رجل لا يقل احتياجا عنه، دخلت لقلبه بسهولة وهي تحمل خريطة اقتحام واضحة المعالم رسمتها صراحتك. لماذا تلومينها؟، ثم تعودين لاتهام زوجك، وتخرجين نفسك من دائرة الاتهام بدموع الضحية التي خانتها الصديقة وتنكر لعطائها الزوج، دون أن تطالك اللائمة. وحدك المسؤولة، لم تحسني اختيار الصديقة ولم تنتقي من تلقي لها بأسرارك.

وبوجع السنين وخبرة الحياة قالت المرأة حين تتحدث يطمع الآخرون، الرجل يطمع في حنان إمرأة مسكينة تركها زوجها فيتقرب كالذئب، ليسد فراغ الهجر والإهمال. والمرأة تطمع في الفوز بقلب، أي قلب، حتى تستعيد مجد أنوثة لم يترك الزمن منها إلا كلمة باهتة. احفظي لسانك، اتركي أسرارك في جوفك ولا تبعثريها على قارعة الطريق.

حتى لا تضطرين لسداد فاتورة بوحك وفضفضتك بكل ما لديك من حياة، وتدفعين ضريبة باهظة، ثم تشهرين إفلاس قلبك.

على الرغم من حكمة وخبرة خديجة، إلا أن نفوسنا المجهدة، وقلوبنا المتعبة في حاجة دائمة للبوح والفضفضة وتطهيرها مما يثقلها من هموم، وأنا شخصياً أقدس الصداقة وأعتبرها “فلتر” النفوس وأثق بأن أرضا ليس فيها أصدقاء هي أشر الأماكن، فالأصدقاء في الرخاء زينة وفي البلاء ذخيرة لا يمكن الاستغناء عنهم طالما أننا أحسنا الاختيار.

والسر يكمن في الاختيار، فإن أحسنا ارتحنا والعكس صحيح، لأن رحلة الحياة طويلة وأعباء السفر دائما كثيرة، فإن لم نجد من نقتسم معه عناء الرحلة فعلينا بالبحث الدائم عن أصدقاء مخلصين.

21