السعودية تسرع جهود مقاومة التشدد بتغيير مناهجها الدراسية

الرياض - الجهود السعودية في مواجهة التطرف والإرهاب تتعدّى الجوانب الأمنية بكل ما يرصد لها من مقدرات بشرية ومادية، إلى تتبع جذور الظاهرة التي قد يكمن بعضها في مناهج تعليمية قديمة وغير مدروسة تستوجب التطهير والتطوير.
وضعت وزارة التربية والتعليم السعودية استراتيجية جديدة لمكافحة التطرف وتعزيز ما بات يعرف في المملكة بـ“الأمن الفكري” خاصة في مناهج التعليم الديني.
وقالت مصادر لصحيفة “العرب” إنّ ملامح تلك الاستراتيجية ستكون واضحة خلال العام الدراسي القادم في مناهج المرحلة الثانوية التي يشكل طلبتها أكثر من 25 بالمئة من مجموع طلبة التعليم العام في المملكة والذين يتجاوز عددهم الـ5 مليون طالب وطالبة.
ويأتي ذلك ضمن خطط للتطوير وضعتها الوزارة على المدى البعيد مستعينة بآراء مختصين تربويين وباحثين شرعيين.
ومن بين أهداف المناهج المعدّلة -إضافة إلى الأهداف العلمية- السعي إلى تعزيز الأمن الفكري عبر استثناء كل ما يوحي بالحث أو التشجيع على التشدّد وإقحام مبادئ تصبّ في اتجاه التسامح والوسطية مثل التعايش بين المذاهب، وتعزيز روح المواطنة، وأهمية حفظ الأمن والاستقرار.
ومن التوصيات التي ستحملها الصيغة الجديدة للمناهج، نشر مبادئ الدين الإسلامي الحقيقية، عبر الشبكات الإلكترونية، ومكافحة الصور غير الحقيقية المتناقلة عبر تلك الوسائط عن الإسلام، وسبل صيانة المجتمعات من الأفكار المتطرفة. وتعليقا على عملية تعديل المناهج قال الكاتب والخبير التربوي السعودي علي المزيد في حديث لـ“العرب” إنّ: “المناهج لطالما كانت شماعة تقليدية لتعليق ارتماء بعض السعوديين في أحضان البيئات المتطرفة”، معتبرا أن المناهج الدينية في السعودية، تعاني من تعدد الآراء وجمود الأفكار فيها، منتقدا بعض الأسماء التي حضرت في عقود ماضية لتأليف المناهج، ومعربا عن أمله أن يجد صناع المناهج الجديدة مجالا لشرح أفكار دينية كانت وماتزال مثار جدل على غرار موضوع الولاء والبراء، مثلا.
ولفت المزيد إلى أنّ مؤلفي المناهج سابقا ليسوا وحدهم المسؤولين عما يتسرب إليها من خلط محمّلا المعلمين مسؤولية المساهمة في “تغييب الصورة الحقيقية للإسلام الذي ينبذ العنف وفق القرآن والسنة النبوية، وكذلك الأنشطة الخارجة عن المقررات الرسمية التي تعتمد عليها الجماعات المتطرفة ورموزها في بثّ أفكارها”.
|
وحملت ورقة الصيغة الجديدة للمناهج الدينية، إقامة دورات تدريبية دورية لمعلمي تلك المناهج في كافة المراحل الدراسية، وتأصيل مبدأ الحوار، واللجوء إلى المصادر الشرعية والمؤسسات الرسمية، والمساهمـة في تعزيز الخطاب الديني الوسطي النابذ للتشدد والعنف.
وغير بعيد عن جهد تجفيف المنابع الفكرية للتطرّف، خصص مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني في السعودية، جلساته ومحاوره للعام المقبل لملفات الأمن والإرهاب والتطرف والطائفية، وتحقيق الوحدة الوطنية تحت مظلة الحوار في عدد من مناطق المملكة.
ويهدف المركز في جلساته إلى تشخيص واقع التطرف وأثره على الوحدة الوطنية، وسبل التصدي ومواجهة ما يترتب عن ذلك من أخطار.
وسيشمل البرنامج تنظيم عشرات اللقاءات ينشطها ويشارك فيها نخبة من العلماء والدعاة والمفكرين والمثقفين الذين يمثلون جميع الأطياف الفكرية في السعودية بهدف الخروج بآراء واقتراحات عملية تعرض أمام اللجان المختصة لمعالجة ظاهرة الغلوّ والتطرف، وسيرفع المركز كافة تلك الاقتراحات إلى العاهل السعودي الملك عبدالله.
وتأتي تلك الخطط السعودية، في فترة بدا فيها أن المملكة تواجه موجة إرهاب جديدة لجماعات متشددة وجدت بعض المؤيدين لها داخل البلاد تمكنت من اصطياد قسم منهم عبر نشاطها الملحوظ على شبكات التواصل الجماعي.
ويتجاور جهد محاربة التطرف على الصعيد الفكري في السعودية مع جهد أمني مكثّف ترصد له مقدّرات بشرية ومادية ضخمة.