عندما تؤول أمور التحكيم لغير أهلها كما في برنامج "عرب آيدول"
يقول الفلاسفة اليونانيون في حقبة ما قبل الميلاد إن مهمة الفن تعمل على رقي الذوق العام لأن الفن يركز على تهذيب المشاعر والأحاسيس للإنسان. وفي هذا السياق يضيف أرسطو أن الفن يحاكي القلب وأن التعليم الذي لا يربط العقل والقلب معا لا يعتبر تعلميا إطلاقا. ومادمنا بصدد الحديث عن العقل ومشاعر القلب وأحاسيسه لذا يستوجب من المشرفين على الفن ومدارسه أن يكونوا مؤهلين وذوي باع طويل، علميا ومهنيا في رقيه ورفع شأنه وإلا أصبح الموضوع تهريجا يفتي في شأنه من هو ليس أهلا لتولي مهمة الإفتاء في الفن أصلا.
وفي عالمنا العربي مر الفن بمراحل تطويرية متعددة، في مجال الشعر، والغناء، ثم المسرح إلى أن جاء دور السينما والتلفزيون المتوج بالفضائيات العابرة للمحيطات. لقد كان هناك دور تلقيحي كبير مع ثقافات وحضارات أمم أخرى حيث أخذت برامج كثيرة من تلك الدول والتي منها على سبيل المثال لا الحصر برامج المسابقات الغنائية مثل “سوبر ستار”، “ستار أكاديمي”، “عرب آيدول” وغيرها الكثير من البرامج.
ومن المؤسف حقا أن كثيرا من تلك الفضائيات العربية استوردت تلك البرامج من الغرب واستنسختها كلية وركزت على المشاهير لتولي لجان التحكيم مثلهم بهدف استقطاب عدد كبير من المشاهدين دون مراعاة ما تحتاجه شعوبنا العربية للرقي بالذوق العام، فالإعلام ليس مجرد تجارة وعدد مشاهدة عالية وإعلانات فهو من المفترض أن يكون نوعية جيدة تفيد وتمتع الجمهور بطريقة متحضرة.
لذا يجب أن نلاحظ أن الاعتماد على المشاهير في برامج مسابقات غنائية قد يضر تلك البرامج لعدم أهليتهم للتحكيم أو لأن لهؤلاء معايير خاصة للحفاظ على نجوميتهم، فنجد مثلا نجمة لها جمهور كبير في مصر تجامل متسابقا مصريا كي لا يؤثر على سمعتها هناك، ونجد أن نجمة أخرى تريد أن يكون لها جمهور في بلد معين فإنها تقوم بالمبالغة في شكر متسابق ما.
وبذلك يصبح البرنامج كأنه تهليل وتطبيل في ملعب لكرة قدم في حي شعبي، مما يخلق شعورا بالغبن والإجحاف عند بعض المتسابقين والمشاهدين وبالتالي يفقد البرنامج رسالته.
إن حجة من يردد أن هذه البرامج لا تنجح إلا بوجود مشاهير ومهرجين يستقطبون ضحك الجمهور وبالتالي تزيد المشاهدة والربح، حجة غير منطقية بدليل نجاح تجربة برنامج “سوبر ستار” في 2003 الذي اعتمد على مهنيين بمستوى عال مثل الموسيقار اللبناني إلياس الرحباني والملحن الكويتي عبدالله القعود. لقد نجح البرنامج نجاحا باهرا لمدة خمسة أعوام على قناة المستقبل اللبنانية وقد كان وقتها المشاهد يسمع تعليقا مدروسا ولبقا يثقف المشارك والمستمع.
أما الآن فإننا نسمع النقيض في برنامج “عرب آيدول” من المغنية أحلام، فهي إما تردد بكل حدة تعليقات مثل “إنت ما سلطنطني” أو “إنت ما عجبتني” وهي تعليقات لا يمكنها أن تخدم المتسابق بأي حال من الأحوال ولا تثري الذوق العام، إن لم تحط من قدره أو تقوم بإضاعة الوقت بتحية البلاد التي جاء منها المتسابق مما يعطي الانطباع أن هناك تحيزا لجنسيات معينة. فمثلا في الحلقة السابقة قامت أحلام باحتضان المتسابقة الفلسطينية منال موسى مما لا يجعلها في موضع التحكيم في المرة القادمة، لأن العاطفة هنا حكمت من البداية وفي نفس الوقت أضفىت نوعا من التحيز لجنسية على حساب جنسية أخرى. ففي برنامج مثل هذا لا يمكن أن يكون هناك اعتبارات سياسية وشوفينية قومية في برنامج غنائي ترفيهي هدفه أن يوحد بين الشعوب بقدر إنساني مرهف.
كما أن تركيز قناة الـ “م بي سي” على ملابس وتساريحات شعر أعضاء لجنة التحكيم وخصوصا المجوهرات التي تقدر بمبالغ فلكية تحرف تركيز المشاهد عن الهدف الأساسي للفن الذي ذكره أرسطو: “أن الهدف من الفن ليس تمثيل المظهر الخارجي للأشياء ولكن أهمية الفن تكمن في الجوهر”.
فهل قناة بحجم الـ “م بي سي” بحاجة إلى مشاهير لنجاح برامجها وهي من تقول دائما: “نحن من نصنع النجوم والنجوم لا تصنعنا”؟ إذا لماذا الاعتماد على المشاهير بهذا الشكل ودفع كل هذه المبالغ الباهظة لهم في البرنامج؟ إن للنجوم معايير معينة لا توجد عند الموسيقار أو الملحن أو الموزع الذي في الغالب يعلق ويقول رأيه بكل صراحة ومهنية لأن تعليقاتهم ليس لها تبعات وحسابات مثل المشاهير. فهل هناك من يقدر هذه الأمور ويعيد توجيه البوصلة للوجهة السليمة؟
عضو هيئة التدريس/جامعة زايد/دبي