الأحزاب الإسلامية تناور استعدادا لمعركة البرلمان في مصر

القاهرة – تواجه أحزاب تيار الإسلام السياسي التي تخطط لخوض غمار الانتخابات البرلمانية في مصر، تحديات جسام تبدأ من السعي إلى إعادة كسب ثقة المصريين الذين انتخبوها من قبل ولم تف بوعودها معهم، ولا تنتهي عند تزايد الصراعات والانشقاقات داخلها.
مصادر مطلعة، كشفت لـ “العرب” عن وجود اتصالات مكثفة بحثا عن صيغة تحالف في الانتخابات البرلمانية المقبلة، تحقق لهذا التيار آلية للقفز على خلافاتها السياسية، وأزماتها المجتمعية، بعد فشل تجربة الإخوان في النزول بالخسائر إلى حدودها الدنيا.
المصادر كشفت أيضا عن وجود اتصالات تشمل حزب الحرية والعدالة (المنحل)، وهو الذراع السياسية للجماعة، وحزب النور الذراع السياسية لجزء معتبر من التيار السلفي، وهما حزبان حلا في المركزين الأول والثاني في الانتخابات البرلمانية السابقة، قبل أن يشهد جدار العلاقة بينهما تصدعا كبيرا، بانحياز حزب النور لثورة 30 يونيو، وإزاحة حكم الإخوان.
يذكر أن مصر بها نحو 16 حزبا محسوبة على تيار الإسلام السياسي، من إجمالي 86 حزبا، متنوعة الأيديولوجيا والتوجهات، بين اليمين واليسار والوسط، ويمين الوسط، والناصريين، والليبراليين.
16حزبا محسوبا على تيار الإسلام السياسي في مصر من إجمالي 86 حزبا متنوع الأيديولوجيا والتوجهات
تحديات وعقبات
في السياق ذاته، تجرى مفاوضات بين أربعة أحزاب كانت مؤيدة بقوة لجماعة الإخوان، وانسحب بعضها مؤخرا من التحالف المسمى بتحالف “دعم الشرعية”، وهي أحزاب: الوسط الذي أسسه أبو العلا ماضي القيادي الإخواني الذى تظاهر أنه انشق عن الإخوان، ثم انحاز إلى خطابهم كاملا، والحزب الإسلامي الذراع السياسية لتيار الجهاد، الذي بدأ عملية مراجعات سياسية، وحزب الوطن الذي أسسته قيادات سلفية منشقة عن حزب النور، وحزب البناء والتنمية الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، الذي يقدم رجلا ويؤخر الثانية باتجاه الإخوان.
مراقبون أكدوا لـ”العرب” أن الحوارات والمفاوضات تصطدم بمعارضة من قطاع مهم من القيادات، يستند بعضها إلى عدم جواز التحالف مع حزب النور بذريعة أنه خان تيار الإسلام السياسي، عقب إعلان دعمه لثورة يونيو، أو ما يصفونه بـ”الانقلاب”، وخشية أن تمثل المشاركة في الانتخابات البرلمانية اعترافاً رسمياً بشرعية خارطة المستقبل السياسية والنظام الحالي.
داعمو فكرة المشاركة، من المرجح أن يقفزوا على التحديات التي من ضمنها عقبات قانونية قوية، بطرح فكرة خوض بعض تلك الأحزاب الانتخابات بشكل غير معلن، وطرح مرشحين من الجيل الثالث من غير الوجوه البارزة المحسوبة على التيار الإسلامي صراحة، وذهب البعض إلى أن يكون حزب النور الذي يواجه تمردا من قواعده على قياداته وعاء لبعض مرشحي الأحزاب الأخرى، في محاولة لترميم قوته التصويتية ودفع الغاضبين للالتزام الحزبي، بينما يقوم حزبا الوسط، ومصر القوية، الذي أسسه عبدالمنعم أبو الفتوح عضو مكتب الإرشاد الذي أعلن انشقاقه عن الجماعة، لكنه انحاز إليها تماما بعد إزاحة حكمها، بتوفير الغطاء السياسي اللازم.
وقد أكد مراقبون أن حزب “أبو الفتوح” سوف يكون الوعاء الرئيسي لمرشحي الجيل الثالث من تنظيم الإخوان المحظور، بما يحقق تواجدا لتيار الإسلام السياسي تحت قبة البرلمان، يمكنه من استخدام أوراق ضغط في أي حوارات أو مبادر سياسية، تسمح بالخروج بأقل خسائر في المرحلة الراهنة..
قانون مباشرة الحقوق السياسية في مصر، خصص ثلث المقاعد للقوائم، وقسّم مصر إلى أربعة دوائر انتخابية، واشترط أن تتضمن كل قائمة كوتة للفئات لما يسمى بالفئات المهمشة (المرأة ، والأقباط، وذوو الاحتياجات الخاصة، والشباب)، بينما الثلثان ستكون المنافسة عليهما بصورة فردية.
كمال الهلباوي عضو مكتب الإرشاد المنشق عن جماعة الإخوان وعضو الهيئة الاستشارية لحزب مصر القوية، قال لـ”العرب”: “إن الحزب سيخوض الانتخابات، والتحالفات فرصتها قائمة، غير أن فرصها ضعيفة، لأن التحالفات السياسية في مصر بشكل عام متخلفة، وبينها تحالفات الأحزاب الإسلامية”، موضحاً أن التخلف نابع من كونها تحالفات تقوم على العصبية، والقبلية، وحسابات المال، لافتاً إلى أن فرص تيار الإسلام السياسي في الانتخابات المقبلة “ضعيفة”، وجميع تلك الأحزاب حديث النشأة ويفتقد للخبرة، إلى جانب التغيرات في الخارطة السياسية بعد ثورة 30 يونيو، وهذا لا ينفي وجود كوادر تمتلك الكفاءة في تلك الأحزاب، غير أن حظوظها في الانتخابات المقبلة أضعف بكثير من ذي قبل.
أحزاب مصر القوية والوسط والعمل ستوفر ستارا سياسيا لقيادات الصف الثالث من الإخوان
تغيرات البيئة السياسية
يسري حماد نائب رئس حزب الوطن، أكد لـ”العرب” عدم المشاركة في الانتخابات، بسبب ما وصفه بالبيئة السياسية التي تقتل الحريات، ولكون المشاركة اعترافا بشرعية الحكومة الحالية غير المنتخبة، كما أن “المشاركة سوف تجعل البعض يدّعون أننا أبرمنا صفقة مع السلطة، خرجنا بمقتضاها من تحالف دعم الشرعية”، لكنه استدرك قائلا: “رفضي المشاركة في الانتخابات يمثلني شخصيا، وليس بالضرورة يمثل حزبي، فالهيئة العليا للوطن ما زالت تدرس الموقف والقرار النهائي متروك لها ومفتوح على كل الخيارات”.
ثروت الخرباوي، القيادي الإخواني المنشق عن الجماعة قبل سنوات، أوضح لـ”العرب” أن جماعة الإخوان “ستخوض الانتخابات البرلمانية بشكل سري عن طريق قيادات الصف الثالث من الوجوه غير المحسوبة صراحة على الجماعة، ومن خلال حزبي الوسط ومصر القوية بشكل خاص”.
وعن لإمكانية حدوث انشقاقات في قواعد الإخوان والأحزاب الداعمة للمقاطعة، قال الخرباوي: “الانشقاقات غير واردة، ومثل تلك الأحزاب تلعب على عقول أتباعها باسم الدين، فكما يقولون لهم قاطعنا من أجل الله، يقولون أيضا عدنا من أجل الله، وهم يستندون في ذلك إلى مقولة منسوبة لسيدنا عمر بن الخطاب، عندما فر من مكان به طاعون فقالوا له أتفرّ من قدر الله فقال بل أفر إلى قدر الله، فتلك التنظيمات قادرة على السيطرة على عقول أتباعها وتوجيهها إلى حيث تشاء”.
استبعد الخرباوي، حدوث تحالف بين الأحزاب الداعمة لجماعة الإخوان وحزب النور، بل ستكون المنافسة بينهم على أصوات تيار الإسلام السياسي المتناقض في الرؤية حول 30 يونيو، وجميعهم سيحصلون على مقاعد برلمانية، لكن بنسب أقل بكثير من الانتخابات السابقة.
محمد أبو سمرة أمين عام الحزب الإسلامي قال لـ”العرب”: “نحن الذراع السياسية لتنظيم الجهاد، وبالتالي نحن الأكثر تشددا ضد “الانقلاب”، ولن نخوض الانتخابات لمنح النظام الحالي شرعية الاعتراف به، ففي عهد الإخوان كنا نعارضهم عند الاختلاف معهم على قرارات، لكن الآن ندعمهم لاستعادة الشرعية، لذلك نرفض أي مشاركة بصورة مباشرة أو غير مباشرة في الانتخابات”. وأضاف أبو سمرة: “ليس صحيحا إمكانية تحالفنا مع حزب النور، والقول بقوته غير صحيح، لأن أتباعه لفظوه وأصبحت القيادات غير مسيطرة على القواعد، والجميع يعلم أن قواعد حزب النور كانت تشارك معنا في اعتصام رابعة العدوية، وشاركوا في المظاهرات التي نظمها “تحالف دعم الشرعية”، الذي انسحبنا منه بشكل تكتيكي فقط، لكن على الأرض نحن موجودون في المظاهرات“.
المؤشرات العامة تقول باعتزام أحزاب تيار الإسلام السياسي خوض الانتخابات المقبلة، بعد تلاشي أي أمل لديها في عودة الرئيس المعزول محمد مرسي، والبحث عن موطئ قدم في الحياة السياسية، وسوف تتبع استراتيجية النفاذ إلى البرلمان عبر الأبواب الخلفية، مع إطالة أمد المناورة لفترة، ومحاولة إقناع القواعد بحيثيات تغيير الموقف، وترميم تصدعات الجبهة الداخلية، لتلافي أي صدام مع الشباب أو انشقاقات محتملة، ناجمة عن صدمة التغيير من النقيض إلى النقيض، لكن فرص النجاح في النهاية بحسب المراقبين لن تتخطى الـ7 بالمئة من مقاعد البرلمان، على أقصى تقدير.