حين تكتب جريدة الأخبار سيناريو أحلام بشار
كتبت جريدة الأخبار اللبنانية مؤخرا خبرا مطولاً مفاده أن الرئيس الأميركي بـاراك أوباما فاجأ زواره من بطاركة مسيحيي الشرق بقوله إن بشار الأسد حمى المسيحيين في الشرق. تروي الجريدة المُمَانعة أن الزوار ارتبكوا ولم يصدقوا ما سمعوه وحرصوا على كتمانه، كما تدّعي الجريدة أن أوباما استخدم عبارة “الحكومة السورية” بدلا من كلمة النظام التي يستخدمها عادة لوصف العصابة التي تحكم سوريا.
كلام أوباما الذي يكاد يكون نسخاً أمينا لكلام جهابذة قوى الثامن من آذار، شجّع أحد الموجودين على مخاطبته بالقول “إذن، عليك أن تتوقف عن الحديث عن معارضة سورية معتدلة”.
زيارة وفد البطاركة إلى واشنطن حفلت بحوادث كثيرة كان أبرزها طرد السيناتور الأميركي تيد كروز من عشاء أقيم على هامش مؤتمر الدفاع عن مسيحيي المشرق، لأنه تحدث عن فضائل إسرائيل داعيا المسيحيين إلى التحالف معها، ولأنه تهجّم على حزب الله، كما انسحب المطارنة من جلسة عمل بسبب التهجم على الأسد.
كل ذلك وفقا لصحيفة الأخبار التي ذكرت كذلك أن البطريرك لحّام رفض المشاركة في جلسة خاصة بأوضاع المسيحيين، لأنه كان يفترض أن يلقي فيها عضو الكونغرس الأميركي، كريس سميث، كلمة عرف البطريرك أنها وثيقة تعود إلى العام الماضي، وهي تتضمن إدانة للرئيس بشار الأسد ودعوة لمحاكمته أمام محكمة دولية، الأمر الذي رأى فيه لحام “خروجا عن موضوع المؤتمر، واستغلالا للمناسبة من أجل إطلاق مواقف معادية للأنظمة والشعوب”.
مصادر في السفارة الأميركية ببيروت نفتْ لجريدة الجمهورية “أن يكون الرئيس الأميركي باراك أوباما قد قال أمام وفد بطاركة مسيحيي الشرق خلال لقائه بهم، إن الرئيس السوري بشار الأسد يحمي المسيحيين في سوريا”. مصادر السفارة أكّدت أن أوباما قال: “إن وحشية نظام الأسد قد تسببت بمعاناة فادحة في صفوف الشعب السوري بما في ذلك المسيحيون”.
كما أكدت “أن الأسد فقد كل شرعية لقيادة سوريا، ولهذا السبب تدعم الولايات المتحدة المعارضة السورية المعتدلة كثقل وازن في مواجهة كل من الأسد والدولة الإسلامية”.
تريدُ جريدة الأخبار أن تمنح الأسد بعض الأرواح الإضافية، وتستعمل من أجل ذلك العنوان المسيحي، محاولة اللعب على حساسية حماية الأقليات عند الإدارة الأميركية. كما أنها تدرجُ المسيحيين في عداد المدافعين عن نظام بشار. تاليا يبدو موقفهم منسجما مع الإدارة الأميركية. تريد الجريدة المُمَانعة القول إن المسيحيين مع بشار وكذلك الشيعة، وأن الإرهاب سني، بل هو السنة بحصر التعريف، فدعونا إذن نتعاون على ضربه.
لم تنتبه الجريدة إلى أن الأقليات ليست كلها مضطهدة ومظلومة، بل إن هناك في المنطقة أقليات قاتلة ومجرمة يمثلها نظام الأسد بالتعريف الطائفي العلوي له. لم تنتبه إلى تصريحات رئيس الأركان الأميركي مارتن ديمبسي الذي قال “إن السبيل لمواجهة داعش يبدأ بتفهم ومعالجة الاضطهاد الذي يشعر به 20 مليون سني بين بغداد ودمشق”. كما غاب عن ذاكرتها السمكية تعريف أوباما لأسباب نشأة داعش حين اعتبر أن “سياسات حكومتي بغداد ودمشق المعادية للسنة تجعلهم يتماهون مع خطاب داعش المتطرف”.
جريدة الأخبار لا يعنيها المسيحيون بل يعنيها نظام الأسد. هو الأصل الذي تخاضُ من أجله المعارك وتبذل الدماء. المسيحيون الذين تروّج الأخبار أن نظام الأسد يحميهم أصبحوا تحت وصايته على سوريا ولبنان جماعة فاقدة للثقل السياسي والديمغرافي، وهو الآن يجتهد من خلال منـاصريه الممانعين في لبنان بتمديد فترة الفراغ الرئاسي إلى ما لا نهاية في البلد العربي الوحيد الذي يحظى فيه مسيحي بمنصب رئاسة الجمهورية.
المشكلة الفعلية التي يعاني منها “الحزب الإلهي” ومن معه الآن، والتي من أجلها تجتهد وسائل إعلامه في نشر الشائعات وتزوير الحقائق، هي أن الحرب على الإرهاب تعني التحالف مع السنة ضد إرهاب بعض الأقليات المتحالفة، والتي أبرزها تحالف الأقلية الأسدية العلوية، والشيعية الحوثية اليمنية، والشيعية اللبنانية الإلهية، مع الأقلية السنية الداعشية.
هكذا لم تعد لفظة “الأقليات” عنوانا جامعا متماسكا يستحضر دلالة ثابتة، بل باتت خاضعة لفرز واضح وجلي. الأكراد والأيزيديون والمسيحيون ليسوا ضمن هذا الحلف، بل هم ضمن الحلف الأوسع الذي يضم الأكثرية الكبرى في المنطقة، والتي لم تكن داعش- كما استنتجت الإدارة الأميركية مؤخرا- إفرازا أصليا من إفرازاتها، بل نوعا من ردة فعل على قمع لا يحتمل.
الحرب على الإرهاب، التي سعت إيران بكل ما أوتيت من قوة إلى جعل الأسد شريكا فيها كي تضمن نجاته أو ربما على الأقل عودته إلى المشهد ودعمتها روسيا في ذلك، اتخذت موضوعيا طابع الحرب عليها وعلى حليفها الأسد المتهالك.
إيران تعلم ذلك وكذلك الأسد. لذا لم يجدا بدّا من اللعب على المفاتيح العاطفية بشكل يبدو بمثابة استجداء وليس فعلاً سياسيا.
ما ذكرته الجريدة الإلهية حول الشخص المجهول الـذي أمر أوبامـا بالكـفّ عن الحـديث عن معارضة سورية معتدلة، رد عليه جون كيري بلغة نادرة الوضوح قائلا: “نأسف لترك قوات المعارضة السورية تحارب تنظيم الدولة لوحدها خلال العامين الأخيرين”.
كيري يأسف لأن هذا التأخر هو ما جعل التنظيم يتحول إلى غواية جهادية عالمية بدأ خطرها يطرق أبواب بريطانيا وأوروبا وأميركا.
الحل سيكون سياسيا بالتأكيد في نهاية المطاف. هذا يعني قطعا أن لا مكان للممانعة فيه. لقد ارتضت السكن في المجزرة التي تعني قتل السياسة، وصار بعث السياسة يقتضي- ضرورة- إقصائها عن المشهد. السياسة فنّ يصنعه أصحاب الوقائع الذين يتوجه إليهم كيري بالأسف، والذين ينيط بهم العالم بأسره الآن مهمة إعادة إنتاجها.
كاتب لبناني