بناء العراق القوي آخر أوراق المالكي الانتخابية للعودة إلى السلطة

دعوات المالكي لقوة العراق استراتيجية انتخابية لاستمالة الناخبين، لكنها تثير مخاوف من خطاب التهديد رغم نفيه، في محاولة لموازنة رسائل القوة والطمأنة.
الأحد 2025/06/29
نصريحات وطنية في الظاهر انتخابية في الجوهر

بغداد - أثارت تصريحات رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، مساء السبت، شدد فيها على ضرورة أن يرتقي العراق إلى مستوى قوة الدول المجاورة، جدلا واسعا وتساؤلات حول توقيتها والدوافع الكامنة وراءها والأولويات التي يسعى لتحقيقها.

ففي خضم حملته الانتخابية الحاسمة، يرى مراقبون أن هذه التصريحات، رغم تأكيد المالكي أنها ليست لـ"خوض الحروب كما جرى في عهد نظام البعث"، قد تكون محاولة تكتيكية لاستعادة شعبيته وتثبيت مكانته في المشهد السياسي العراقي المعقد.

وتأتي تصريحات المالكي، المتزعم لائتلاف دولة القانون، في فترة حرجة للغاية، حيث تُعد هذه الحملة الانتخابية بمثابة الفرصة الأخيرة له للعودة بقوة إلى صدارة المشهد السياسي.

ويواجه المالكي منافسين أقوياء من داخل عائلته السياسية الشيعية، في مقدمتهم رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، الذي أعلن ترشحه في أبريل الماضي، مستندا إلى رصيد يوصف بالمقبول إجمالا، بعد فترة رئاسة للحكومة لم تخلُ من تحقيق بعض النجاحات في مجال التنمية والاقتصاد وترسيخ الأمن والاستقرار، مما يضع المالكي في موقف يحتاج فيه إلى خطابات قوية ومؤثرة لتمييز نفسه وجذب الناخبين.

وترمي دعوات المالكي لقوة العراق كجزء من استراتيجية انتخابية إلى استمالة الناخبين الذين يتوقون إلى دولة قوية ومستقرة بعد سنوات من الصراعات والتدخلات الخارجية، ومع ذلك، فإن تركيزه على "قوة الدول المجاورة" يثير مخاوف من عودة خطاب التهديد أو التنافس الإقليمي، وهو ما حاول المالكي نفسه نفيه عبر الإشارة إلى تجربة نظام البعث، لكن هذا التناقض يعكس محاولة لموازنة الرسائل الانتخابية بين إظهار القوة وطمأنة الشارع العراقي المتعب من الحروب.

وفي كلمته بمناسبة حلول شهر محرم، أكد المالكي أن "الإصلاح ليس مجرد شعار يستخدم لأغراض سياسية أو حزبية، إنما يجب أن يكون في إطار رؤية استراتيجية تعالج نقاط الضعف والخلل في مؤسسات الدولة المختلفة لتحقيق العدالة الاجتماعية ورفع المستوى المعاشي للمواطنين وتوفير الخدمات وتشغيل العاطلين عن العمل، وجميعها حقوق مشروعة للشعب وليس منة من أحد أو وسيلة للكسب السياسي".

وأضاف المالكي أن الأهم من ذلك هو "إجراء مراجعة سريعة تشمل جميع المؤسسات والأجهزة الأمنية والعسكرية، لتكون في المستوى الذي يضمن الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني ويحمي سيادة البلاد من الأخطار الخارجية".

ورغم أن خطاب الإصلاح وتوفير الخدمات هو جزء أساسي من أي حملة انتخابية، إلا أن تكرار المالكي لهذه الشعارات يثير تساؤلات حول سجل حكومته السابقة في تحقيق هذه الأهداف.

فخلال فترة رئاسته للحكومة (2006-2014)، واجه المالكي انتقادات واسعة بخصوص الفساد، وتدهور الخدمات، وتنامي الانقسامات الطائفية التي بلغت ذروتها بسقوط الموصل بيد تنظيم داعش.

وهذه الحقائق تلقي بظلالها على مصداقية دعواته للإصلاح، وتجعلها تبدو كـ"شعار سياسي" يسعى من خلاله لاستقطاب الأصوات في الوقت الراهن.

ولم يقتصر خطاب المالكي على الدعوة للقوة الداخلية، بل امتد ليشمل تحذيرات من الصراعات الإقليمية مشيرا إلى أن "حروب الكيان (إسرائيل) التي بدأت تتدحرج من قطاع غزة إلى لبنان ثم سوريا وصولا إلى إيران، لن يكون العراق في مأمن منها، كما جاء في الخطاب الذي ألقاه ممثل المرجعية الدينية العليا الشيخ عبدالمهدي الكربلائي الخميس الماضي".

وشدد رئيس ائتلاف دولة القانون على ضرورة أن يكون العراق دولة قوية، ويمتلك كل وسائل الدفاع عن سيادته وشعبه ومقدساته.

وخلص المالكي إلى القول "العالم من حولنا يمتلك كل أسباب القوة، ويجب أن يكون العراق بمستواه، ليس من أجل الحرب، كما في عهد النظام البعثي، إنما من أجل حماية سيادتنا وحقوقنا والمصالح العليا للشعب العراقي".

وتُعد محاولة المالكي لربط دعواته لبناء "عراق قوي" بالصراعات الإقليمية، وخاصة الحرب بين إسرائيل وإيران، استثمارا ذكيًا للمخاوف الأمنية لدى الشارع العراقي.

وهذه الاستراتيجية تهدف إلى تذكير الناخبين بأهمية القيادة القوية في أوقات الأزمات، والإيحاء بأن خبرته السابقة في الحكم تجعله الأجدر بقيادة العراق في مواجهة هذه التحديات.

ومع ذلك، فإن الإشارة إلى "حروب الكيان" وتأثر العراق بها، يُنظر إليها أيضًا كجزء من خطاب يميل إلى إذكاء المشاعر المناهضة لإسرائيل، وهو ما قد يخدم أجندته السياسية في أوساط معينة من الناخبين الشيعة، خاصة مع تزامنها مع خطاب المرجعية الدينية.

وتأتي هذه التصريحات، التي تبدو في ظاهرها تعبيرا خالصا عن الغيرة الوطنية والسعي لتعزيز مكانة العراق وحمايته من المخاطر المحدقة، لتكشف عن أبعاد تكتيكية عميقة حين ينظر إليها في سياقها الزمني الدقيق.

ففي غمرة حملة انتخابية حامية الوطيس، يجد نوري المالكي نفسه في سباق محموم على السلطة، مما يدفع إلى فهم تصريحاته كـمناورة سياسية محسوبة، إذ أن توظيف خطاب القوة والسيادة في هذه اللحظة الحرجة لا يهدف فقط إلى استمالة الشارع العراقي المتطلع إلى الاستقرار والمنعة، بل يسعى كذلك إلى تعزيز موقف المالكي الانتخابي، وإبرازه كقائد قادر على حماية البلاد في ظل التحديات الإقليمية المعقدة.

ويُلقي هذا التداخل بين الخطاب الوطني والأجندة الانتخابية بظلال من التساؤل حول الدوافع الحقيقية وراء هذه التصريحات، مما يجعلها محل تحليل دقيق لتحديد ما إذا كانت انعكاسا لرؤية استراتيجية طويلة الأمد، أو مجرد وسيلة لكسب المزيد من الأصوات في سباق انتخابي حاسم.

ومن المقرر أن تجرى الانتخابات التشريعية بالعراق في 11 نوفمبر المقبل، وتُتوقع تحالفات جديدة في ظل غياب التيار الوطني الشيعي بزعامة مقتدى الصدر، ما يفسح المجال أمام قوى أخرى لملء الفراغ.

وتشير التوقعات إلى أن غالبية أصوات جمهور الصدريين ستتجه نحو تحالف السوداني أو قوى ناشئة، وهو ما سيحرم ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي من تحقيق مكاسب كبيرة في عدد المقاعد البرلمانية، وقد يهدد حتى احتفاظه بحجمه الحالي في البرلمان المقبل.

وقالت المتحدثة باسم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات جمانة الغلاي السبت في تصريح لوكالة الأنباء العراقية الرسمية، أن "عدد التحالفات والأحزاب والقوائم المنفردة التي قدمت أسماء مرشحيها للمشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة بلغ 160 كعدد إجمالي ".

وأضافت، أن "المفوضية ماضية بتدقيق بيانات وأوليات ومستمسكات المرشحين وتحتاج إلى مدة شهر لإكمال هذه العملية".

ويشار إلى أن العملية الانتخابية في العراق تجري وفق القانون الانتخابي النافذ، وهو قانون انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات والأقضية رقم 12 لسنة 2018 المعدل، والنظام الانتخابي المعتمد بموجب القانون المذكور ويتم بنظام التمثيل النسبي، بحسب مختصين.