ليبيا ترفض إملاءات أوروبا حول اتفاقها البحري مع تركيا

بنغازي/ أثينا/أنقرة – تشهد منطقة شرق البحر المتوسط تصعيدا جديدا في التوتر الدبلوماسي بين ليبيا وتركيا من جهة، والاتحاد الأوروبي واليونان من جهة أخرى، وذلك على خلفية مذكرة التفاهم البحرية الموقعة بين طرابلس وأنقرة في عام 2019، وقد تجددت التصريحات والتحركات مؤخرا، لتسلط الضوء مجددا على هذه القضية الشائكة التي تمس السيادة وحقوق التنقيب عن الموارد الطبيعية في المنطقة.
وعبرت لجنة شؤون النازحين والمهجرين بمجلس النواب الليبي عن رفضها الشديد لما ورد في استنتاجات المجلس الأوروبي بتاريخ 26 يونيو 2025 بشأن مذكرة التفاهم البحرية الموقعة بين ليبيا وتركيا.
أكدت اللجنة في بيانها أن "تقييم شرعية الاتفاقيات الدولية التي تبرمها الدولة الليبية يندرج حصريا ضمن اختصاص سلطاتها الدستورية، ولا يجوز لأي طرف خارجي أن يملي على ليبيا ما تبرمه من علاقات أو شراكات".
كما انتقدت اللجنة تصنيف ليبيا ضمن دول العبور ذات الأولوية في ملف الهجرة دون الإشارة إلى الأعباء الإنسانية والأمنية والاقتصادية التي تتحملها البلاد جراء هذا الدور، معتبرة ذلك "اختزالًا غير منصف لمعاناة الشعب الليبي".
وشددت على أن أي تعاون بين الاتحاد الأوروبي وليبيا في هذا المجال يجب أن يكون "تعاونًا متكافئًا يحترم السيادة الوطنية، ويضع في أولوياته مصلحة المواطن الليبي وليس فقط حماية الحدود الأوروبية".
وقالت لجنة شؤون النازحين والمهجرين بمجلس النواب إن "ازدواجية المعايير الأوروبية" التي تجيز التعاون الأمني والتمويلي "حين يخدم مصالح أوروبا وتشكك في سيادة ليبيا حين تمارس حقها في رسم سياساتها الدولية تقوض فرص بناء شراكة حقيقية وعادلة بين ليبيا والاتحاد الأوروبي".
وأكدت في ختام بيانها أن "استقرار ليبيا وحماية حقها في استغلال موقعها الجغرافي وثرواتها لن يكون محل مساومة سياسية"، مشددة على أن ذلك "من صميم واجبنا الوطني في الدفاع عن سيادة البلاد وكرامة مواطنيها".
وكان المجلس الأوروبي قد اعتبر في بيانه الصادر نهاية الأسبوع الماضي أن مذكرة التفاهم بين ليبيا وتركيا "تنتهك الحقوق السيادية للدول الثالثة، ولا تتوافق مع قانون البحار، ولا يمكن أن تكون لها عواقب قانونية على الدول الثالثة".
على الجانب الآخر، ردت تركيا بقوة على التصريحات الأوروبية، وقال الناطق باسم وزارة الخارجية التركية، أونجو كِجلي، إن "الاستنتاجات التي اعتمدها المجلس الأوروبي في 28 يونيو 2025 تُظهر إصرار اليونان والقبارصة اليونانيين على فرض مطالبهم المتطرفة على الاتحاد الأوروبي، التي تتعارض مع القانون الدولي ومبدأ الإنصاف".
واعتبرت تركيا أن هذه التصريحات "لا تخدم السلام والاستقرار الإقليميين"، داعية الاتحاد إلى إلزام أعضائه بالقانون الدولي.
وترافقت هذه التطورات مع إعلان اليونان السبت نشر ثلاث سفن حربية في شرق البحر المتوسط، في منطقة تقع بين السواحل الليبية والتركية، وذلك في خطوة قالت إنها تهدف إلى الحد من تدفق المهاجرين غير الشرعيين القادمين من ليبيا.
وقال رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، السبت على هامش قمة الاتحاد الأوروبي، إن الهدف من إرسال السفن هو إجبار قوارب تهريب البشر على التراجع قبالة السواحل الليبية، حسب ما نقلته قناة "زمان" التركية.
وفي حديثه عند دخوله قمة الاتحاد الأوروبي، أعلن ميتسوتاكيس أن السفن الحربية اليونانية سترسل إلى المنطقة بهدف إجبار قوارب تهريب البشر على العودة قبالة سواحل ليبيا.
وركزت المعارضة اليونانية على أن هذه الخطوة لا علاقة لها بالهجرة، وانتقد النائب عن حزب الديمقراطية الجديدة، المفوض الأوروبي السابق للهجرة، ديميتريس أفراموبولوس، خطة الحكومة اليونانية لإرسال سفن حربية قبالة سواحل ليبيا.
وفي حديثه لتلفزيون "أكشن 24" مساء الخميس، أقر أفراموبولوس بوجود زيادة في وصول المهاجرين إلى جنوب اليونان، لكنه أكد أن السفن العسكرية "لن توقف التدفقات".
وأضاف "هذه السفن صغيرة للغاية. السفن الحربية لا تستطيع منع قوارب المهاجرين".
وتعتبر مذكرة التفاهم الموقعة عام 2019، والتي نصت على تحديد الحدود البحرية بين السواحل الليبية والتركية، نقطة خلاف رئيسية، حيث تجاهلت مطالب اليونان وقبرص ببعض المناطق.
من جانبها، تؤكد تركيا أن الوثيقة، التي أقرها برلمانها في 5 ديسمبر 2019، تهدف إلى حماية حقوق تركيا وليبيا الناشئة عن القانون الدولي، وتعتبرها ردًا قويًا على المبادرات السياسية والاقتصادية التي تسعى إلى عزلها وحصارها في شرق البحر المتوسط.
وتجادل تركيا بأن المذكرة أوضحت الحدود الغربية لولايتها البحرية في شرق البحر المتوسط، وأنها لن تسمح بأي أمر واقع في المنطقة.
وبموجب المذكرة، أنشأت تركيا خطاً بطول 18.6 ميل بحري جنوب غربي حدود جرفها القاري، الذي أخطرت به الأمم المتحدة أيضاً في شرق البحر المتوسط.
وحددت مذكرة التفاهم الموقعة عام 2019 المناطق الاقتصادية الخالصة لتركيا وليبيا في شرق البحر المتوسط، وأثارت اعتراضات من دول في المنطقة، ولا سيما اليونان.
في 3 أكتوبر 2022، وسع الجانبان نطاق المذكرة الأولى بمذكرة تفاهم جديدة تمنح تركيا حقوق التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في المياه الإقليمية وداخل أراضي ليبيا، وهو ما نددت به اليونان واعتبرته باطلا ورفض مجلس النواب في شرق ليبيا الاعتراف بهما أو المصادقة عليهما حتى الآن.
وأفادت تقارير إعلامية خلال الأيام الأخيرة، بأن مجلس النواب الليبي قرر تشكيل لجنة فنية لإعادة النظر في مذكرة التفاهم الموقعة عام 2019، وأن ذلك جاء بعد تحسن العلاقات مؤخراً بين أنقرة وشرق ليبيا وزيارات أبناء قائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر لتركيا ولقائهم مع عدد من مسؤوليها، فضلاً عن انتهاء الخلافات بين مصر وتركيا التي شكلت عقبة أمام النظر في المذكرة أو المصادقة عليها.
وفي تأكيد على هذا التوجه، أفاد مصدر من مجلس النواب الليبي لقناة "روسيا اليوم" السبت أن المجلس يسير نحو المصادقة على الاتفاقية البحرية الموقعة بين ليبيا وتركيا.
أشار المصدر إلى أن رئاسة المجلس أبدت موافقتها على تمرير الاتفاقية والتصويت عليها خلال جلسة رسمية مرتقبة هذا الأسبوع.
كما أوضح المصدر أن هناك توافقا واسعًا داخل مجلس النواب بشأن أهمية الاتفاقية التي من شأنها تعزيز التعاون البحري وحماية الحقوق السيادية لليبيا في مناطقها الاقتصادية الخالصة، وأن النقاشات الجارية داخل اللجان البرلمانية تسير في اتجاه دعم الاتفاقية بالإجماع دون أي معارضة تذكر.