حسونة المصباحي يوقف رحلته في "يوم موت سالمة"

كتاب ومثقفون من تونس والمغرب يستعيدون هجرات "طائر الزهرة البريّة".
الأحد 2025/06/29
صديق المغرب الثقافي الجريء

ودع التونسيون منذ أيام قليلة الكاتب التونسي حسونة المصباحي، الذي أثار رحيله الكتّاب العرب وخاصة المغاربة لما له من كتابات عن المغرب وصداقات فيها. الكاتب المثير دائما باندفاعيته وآرائه ومواقفه، ترك خلفه إرثا أدبيا هاما، لكنه أيضا ترك انطباعات كثيرة في كل من تقاطع معه. "العرب" ترصد بعض هذه الانطباعات عن كتاب وأكاديميين من تونس والمغرب.

رحيل حسونة المصباحي أصيل القيروان، لا بد وأن يترك حزنا في النفس، كاتب متعدد وعاشق للمغرب ومشهده الثقافي، حتى أن هناك من يظنه كاتبا مغربيا، وقد حدث أن التقيته ذات سفرية في شارع بورقيبة بتونس، ولا شيء سوى محبة المغرب تملأه بمجموعه، واعترافا من المغرب الثقافي بهذه المحبة هاهنا شهادات في حق هذه “الزهرة البرية في الأدب والحياة” على رأي حسن طارق.

خارج السرب

يقول الكاتب والناقد المغربي نجيب العوفي “صُورة الراحل حسونة المصباحي، بسُمْرته التي تختزن شمس تونس ونظرته الألمعية – اللوذعية، كافية للدلالة على شخصية ومزاج الرجل. إنها أول علامة سيميائية كاشفة لمعدن الكاتب النفيس ومؤشرة على أسلوبه الطلْق الحار والجريء في الكتابة كما في الحياة سيان. فهو يحيا في الكتابة وبالكتابة كما يحيا في الحياة، بذات السجية والهوية والوتيرة، كما لو أنه ‘زوربا‘ عربي خرج علينا من ريف تونس وإحدى قراها الهامشية.”

وبين أن تونس على الدوام رحم ولود للمفاجآت الجميلة في الأدب والفكر والسياسة، مضيفا “أعتز شخصيا بصداقات ولقاءات رائعة يانعة ربطتني بجِلة من أدبائها وأسمائها اللامعة، الطاهر الهمامي وعبدالسلام المسدي ومنصف الوهايبي وفاطمة بن محمود إلى أحبة آخرين.. لم ألتق بحسونة المصباحي إلا في خُلس نادرة، لبعده عن الديار، فهو طائر الأدب التونسي كما سارت بوصفه الركبان. ولكنني التقيته وصافيتُه وخبرتُه وسبرته عبر أعماله الأدبية، القصصية والروائية بخاصة، التي فتحت لي ‘علبته السرية‘ وكشفت لي شخصيته وعالمه وهمومه. وخير جليس في الزمان كتاب، كما قال المتنبي. وبالتالي فخير مُخبر عن الكاتب كتابه.”

ويتابع العوفي “حسونة المصباحي في تصوري، عاش حياته بالطول والعرض طائرا في غير سربه، طائرا خارج السرب، مغامرا ومهاجرا في جُغرافيات العالم، لا يرسو على ساحل إلا ليرحل عنه صوْب آخر، في رحلة تيه أوديسية ووجودية بهيجة، لملم بعض شتاتها ومحطاتها كتابه الجميل ‘كتاب التيه‘، كما جسدها في الكثير من أعماله الروائية كرواية ‘على أرصفة الشتات‘. وقد أثمر هذا التيه أعمالا أدبية ثرية بهية في المكتبة العربية. وهي الامتداد المفتوح لاسم حسونة المصباحي.”

“طائر هو خارج السرب” يقول الكاتب والناقد المغربي، موضحا “أعني بهذا، أنه عاش في بلده تونس وبين آله وعشيرته على قلق ومَضَض، وغادر وطنه مُكرها لا بطلا وفي نفسه شيء من الوطن. عاش في مهجره ألمانيا، طائرا في غير سربه وعشيرته، وإن وجد فيها سَكنه ومُنتجعه الأدبي والحضاري. لكن بقي فيه دائما شيء من الوطن. لقد كانت ألمانيا حديقته الخلفية البديعة التي أوى إليها، وتقبلت ‘هلوساته الترشيشية‘ وهمومه وحماقاته الطفولية المتحررة التي ظلت تلازمه وتنْزُو به في كهولته، ما يؤكد نقاء وبهاء وعفوية سريرته وطويته.”

ويشير العوفي إلى أن عظمة حسونة الإبداعية، القصصية والروائية، أنه في عُمق المركز الغربي كان يطوف برُبوع بيئته التونسية وهوامشها، ويتمسح بأركانها، ويتشمم ترابها وأناسها، وينبش في تفاصيلها وخباياها. ولا غرو، فأول رواية عربية رائدة وماهدة “زينب”، كتبها محمد حسين هيكل عن ريف مصر، وهو مُعتكف في أحد فنادق باريس. والمفارقة هنا بقيمة مُضافة ومُضاعفة أن يكتب عن بلده تونس وهو في ألمانيا. وأن يكتب عن ريف وهوامش وأطراف بلده، في الأغلب الأعم، وهو بين الأرصفة والجدران الإسمنتية في أوروبا. لعلها نوستالجية جياشة في الجوانح، ولعلها نزعة تطهيرية (catharsis) للروح ومصالحة بين الذات المهاجِرة (بكسر الجيم) والوطن المهاجَر (بفتح الجيم).

ويتابع “في مأثور الكلام، اغتربْ تقتربْ. كتب حسونة المصباحي القصة القصيرة كما كتب الرواية، وكان مُجليا ومُجددا في كليهما معا. في القصة القصيرة كانت الهوامش والأطراف المنسية والسرية الموشومة بالعمق التونسي ضالته ومادة حكيه، وكأنه يستعيد ويستلهم التعريف الشهير لمُنظر القصة القصيرة فرانك أوكونور في كتابه الرائد ‘الصوت المنفرد/ دراسات في القصة القصيرة‘ حيث يعتبرها صوت المهمشين والمقهورين والمُنفردين.”

يضيف “وأنا أتحدث لمْحا عن حسونة المصباحي القاص، أسوق هنا شهادة عميقة للكاتب الأسترالي – الجنوب أفريقي جون ماكسويل كونزي في سنة 2000 حول قصة ‘السلحفاة‘ الواردة في مجموعة الكاتب القصصية ‘حكاية جنون ابنة عمي هنية‘، حيث يقول: ‘هي واحدة من أفضل النصوص القصصية في القارة الأفريقية‘. كما أسوق عطفا شهادة راقية لخبير القصة العربية القصيرة يوسف إدريس ‘يكفي أن تقرأ قصة واحدة لحسونة المصباحي، لكي تعرف كيف يعيش الإنسان التونسي وكيف يفكر وما هي حكاياته وأساطيره الخاصة‘. والشهادتان مُستقتان من بعض المواقع الإلكترونية.”

ولعل الرواية، في رأي العوفي، هي المجال الأرحب والأخصب الذي استوعب هموم وأشواق وأفكار وأسئلة حسونة المصباحي الساخنة – الجريئة، وهي الجنس الأدبي العابر للأجناس، الذي مارس فيه بحرية واعية شغبه الإبداعي. لذلك فنصوصه الروائية بقدر ما هي محافل سردية طافحة بزخم الحياة والواقع، هي في الآن ذاته محافل ثقافية طافحة بأصداء ورجع الفكر والأدب والفن.

ويختم “أزعم ختاما، أن حسونة المصباحي الذي جاءنا بين مفترق قرنين، الألفية الثانية وطلائع الألفية الثالثة وصعود العولمة، كان محطة أدبية ضرورية لنلتقط عندها الأنفاس ونستقبل بعض الهواء الأدبي العليل، بعد أن امتلأ فضاء العولمة بكثير من الغبار الأدبي.”

تقول القاصة والروائية التونسية نورة عبيد “فقدت الساحة الأدبية والثقافية التونسية الكاتب حسونة المصباحي وقد أعشى ليل 04 – 06 – 2025 بعد صراع مع المرض. ولم يكن حسونة المصباحي غير حسونة المصباح الصبوح. إذ قرر حين حصحص فساد البدن إيقاد الذهن والروح وإيقاظ ‘يوم ماتت سالمة‘ رواية اليوم كتبت في الثلاثة الأشهر الأخيرة من حياته. ونشرت قبل فيض الروح بأسبوع.”

وتضيف “إنه هو فقط لا شبيه له. سمّى الأشياء بمسمياتها حيث أقام. وسبح بين الأجناس الأدبية قادرا على التمرد إذ اقتدر على الخلق والابتكار، ممتلكا صوابه وهو يسخر من عقدة ‘الحبكة‘ التي تخبط فيها الآخرون. عاش خارج القطيع وانتصر للريف التونسي هاربا من العاصمة وأمراض مثقفيها. لم يكن من الآخرين إذ كتب الآخرون، كان هو بكل كونه واستحالته.”

يقول الشاعر والإعلامي التونسي نورالدين بالطيب “هكذا ودعنا حسونة المصباحي في هدوء وسلام بعد أن ‘ملأ الدنيا وشغل الناس‘، إذ اختار من البداية خيارا صعبا في مجتمع عربي لا يؤمن بالكاتب ولا يحترم الخارجين عن السرب، فقد عاش وحيدا متفرغا للكتابة التي لم يتزوج غيرها كما فعل صديقه الكاتب المغربي محمد شكري، وبوفاته تخسر الثقافة العربية كاتبا كان عالي الصوت، فجرأة حسونة وصراحته ومواقفه الخارجة عن المعتاد أحيانا ونقده الدائم للمؤسسة الثقافية الرسمية وخاصة للمؤسسة الأكاديمية جلبت له الكثير من العداء والإقصاء الذي عانى منه في بلده.”

ويضيف “كان حسونة المصباحي شخصية طريفة عاش الحياة بامتلاء كبير وأقبل على ملذاتها قبل أن يخفت صوته بسبب المرض ويختفي نهائيا مساء الأربعاء وسيدفن في البيت الذي بناه حسب وصيته وسيتحول البيت إلى مكتبة مفتوحة لأطفال وشباب القرية الصغيرة في أرياف القيروان. وداعا حسونة لا صخب بعد اليوم.”

الكاتب التونسي محمد بوحوش يذكر أن حسونة المصباحي أديب عاش حرا، واختار حرفة الأدب، فكتب في شتى الأجناس، وشاع اسمه وطنيا وعربيا ودوليا. ويشير إلى أنه لم تكن تربطه به صلة شخصية، إذ قابله ثلاث مرات عرضا وتبادلا التحية، لكنه قرأ له الكثير من أعماله، وأعجبه سرده السلس الممتع والممتنع الذي ينم عن أديب موسوعي ذي ثقافة واسعة. ولم يكن الفقيد يكتب ليسرد قصة أو حكاية، بل كان يعرض خلفية ثقافية مشبعة.

ويضيف “حسونة المصباحي من الأدباء الذين أخلصوا لأدبهم فجعل منه رسالة وقوة تعبير عن الذات في تباريحها وأحوالها. اختار العزلة والنأي بنفسه عن المشهد الثقافي الموبوء غالبا أكان على الصعيد الوطني أم العربي. رجل ذو مواقف صارمة، تتسم شخصيته بالوضوح وعدم المهادنة، ولئن كان شخصا مزاجيا أحيانا وعنيفا في مواقفه تجاه الشأن الأدبي والثقافي والسياسي والاجتماعي. رحيله خسارة كبرى، غير أن عزاءه الوحيد وعزاؤنا جميعا أنه ترك جواهر أدبية، وأنه عاش حياته بملء الفم ومثلما أراد، وغادرها وقد أنجز ما تمنى: روايته الأخيرة ‘يوم موت سالمة’ ووصيته بدفنه قرب منزله ليظل الحارس الأمين لمكتبته وكتبه.”

الزهرة البرية

يقول الأكاديمي التونسي عبدالمجيد بن البحري “لم أعرف حسونة الصباحي معرفة شخصية مباشرة ولم ألتقِ به في أيّ محفل من محافل الأدب أو الفضاءات الثقافية، ما عدا مرة يتيمة في إحدى دورات معرض تونس الدولي للكتاب بعد أحداث 2011 بسنوات قليلة. كان يضع نظارة سوداء كبيرة على عينيه ويسير بخطى سريعة بين أروقة الكتب وكأنه هارب من شخص ما يطارده.”

ويضيف “غير أني وإنْ لم أكن على معرفة ذاتية بشخص الرجل وطبعه ومزاجه فإنني مطلعٌ اطلاعًا واسعًا، أو هكذا أزعم، على عوالمه الروائية ومناخاته السردية ومغامراته القصصية. وقد أتاح لي هذا الاطلاع تكوينَ صورةٍ شخصية (أو ‘بورتريه‘) عن الفقيد تُستصفى مادتُها الأساسية من كتاباته العديدة والمتنوعة في مجال الإبداع الأقصوصي والروائي التخييليين، وفي أشكال الكتابة الذاتية المرجعية أو أجناس ‘الأدب الحميم‘، كاليوميات والرسائل والرحلات والسيرة الروائية والتراجم أو السير (الغيرية) وأدب البورتريه وغيرها… فضلا عن مقالاته الصحفية وحواراته وشهاداته وترجماته العديدة.”

ويشير البحري إلى أنه وقد ارتسمت في أعمال المصباحي صورة ذاتٍ منافحةٍ عن الحرية والتنوير والعقلانية، مناهضةٍ للأصولية والتعصب و”الإسلام السياسي” بتلويناته المختلفة، ميّالةٍ إلى العزلة والانطواء على النفس واكتناه أغوارها الخبيئة، نزاعةٍ إلى السفر والارتحال في مشارق الأرض ومغاربها، منقطعةٍ عن أوهام المثقفين الزائفين ونفاقهم ونرجستيهم المرضية وسطحيتهم وتبجحهم… ذاتٍ مغتربةٍ مسكونةٍ بشغف القراءة والكتابة لا ترى خلاصها إلا في الكتابة وبالكتابة، فهي الملاذُ من غربة الروح والفكر، وهي الملجأُ لأوجاع النفس وجراحاتها، وهي البديلُ عن “القفص العائلي” والمهربُ من “القطيع المطيع”.

ويضيف “لقد تعلم المصباحي منذ بداية نشأته أن يعيش ‘منفصلا عن القطيع وأن يكون متوحدا بذاته‘. وهذا ما عبر عنه فقيد الأدب التونسي والعربي في إحدى يومياته قائلا: ‘سأواصل الكتابة لأني بدونها لن أتحمل العيش على سطح الأرض. وليس مهمّا أن ينصفني التاريخ أو لا ينصفني، فقد أنصفت نفسي بنفسي ولا فضل لأحد علي‘، (يوميات الحمامات، ص: 73). ولذلك لم يترك حسونة المصباحي قلمه إلى آخر أيامه فغادرنا إلى عالم أفضل وأرحب تاركا لقرائه آخر رواية صدرت له قبل وفاته بأيام معدودات وهي ‘يوم موت سالمة‘.”

ينطلق الأكاديمي التونسي شفيع بالزين من قولة لمحمود درويش “كل الذين ماتوا نجوا من الحياة بأعجوبة،” ويرى أن هذا القول قد يصدق على الكثير من الكتاب الذين عاشوا الحياة بشكل درامي، وحسونة المصباحي واحد منهم طبعا، غير أن المدهش فيه أنه لم ينج من الحياة بالموت وإنما عاش مبدعا ومات مبدعا، أو بعبارة أدق عاش الحياة والموت بشكل إبداعي، وإذا كان محمد لطفي اليوسفي يقول عن الشابي إنه كان يقيم في الأرض على نحو شعري، فإن حسونة المصباحي غادرها أيضا على نحو شعري.

ويضيف “إن العديد من المبدعين الكبار- وحسونة المصباحي واحد منهم – حتى وإن عاشوا بشكل عادي فإنهم يموتون بشكل جمالي ويجعلون موتهم آخر قصيدة أو رواية يكتبونها، أو يحدسون موتهم قبل أن يباغتهم فيكتبونه إبداعيا ويتغلبون عليه بالفن فيخلدون، ألم يقل درويش هزمتك يا موت الفنون جميعها؟ ألم يرث أو ينع كبار الشعراء أنفسهم كما فعل مالك بن الريب والمتنبي ودرويش ومحجوب العياري والصغير أولاد أحمد وغيرهم؟ لقد فعلها أيضا حسونة المصباحي بطريقته الخاصة كعادته، حين مات بعد أن نشر روايته الأخيرة ‘يوم موت سالمة‘ وهو في الواقع يكتب موته أو يهزمه وقد قال عنها: هذه الرواية متعددة الأصوات أنهيتها في ظرف ثلاثة أشهر فقط رغم المعاناة مع المرض.” ويتابع بالزين “كان يستعجل الكتابة لأنه يعرف أن الموت كان يستعجله.

يقول فتحي الخراط عن موته ‘أمكن له أن يجعل الموت يتلكأ قليلا في مداهمته في الأسابيع الأخيرة حتى يكمل روايته الختامية ‘يوم موت سالمة‘، ويقول كمال العيادي الكينغ “حلمه القديم قد تحقق أخيرًا والمتمثل في صدور رواية ‘يوم موت سالمة‘ التي يعتبرها روايته الأخيرة (…) سيموت حسونة المصباحي بالتأكيد مثلنا جميعا ولكن سيكون العلامة الوحيدة الباقية من بين كل القبور،” ويقول عنه حسن بن عثمان “كانت الكتابة الأدبية رهان حياته إلى آخر رمق،” ويقول صالح السباعي ‘لقد هزمكم حيا وميتا… قد مات منتصرا… مات واقفا مثل نخل الجريد.”

وفي رأي الأكاديمي التونسي قد تؤخذ هذه الشواهد على محمل الصور الرثائية المجازية التي تقال في كل مبدع مَرثي، ولكن حسونة المصباحي في الواقع هو هذا فعلا، ومن لا يصدق فليقرأ ما قاله عنه الناشر الحبيب الزغبي “كان حسونة يعلم أنه سيموت قريبا وكان يتحاور مع الموت على فترات النهار والليل ويجهز نفسه للرحيل. آخر مرة هاتفني فيها ليعلمني أنه بصدد الانتهاء من روايته الأخيرة، نعم هكذا قال لي: ‘يوم موت سالمة‘ ستكون روايتي الأخيرة لأنني سأموت بعد إتمامها، لذا أرجو منك أن تراجعها أنت ولا أحد غيرك، كما أرجو أن تنشرها قبل موتي لأنني قلت فيها كل شيء‘.”

ويتابع بالزين “وماذا يفعل بالحياة وينتظر منها من قال في رواية كل شيء؟ ومع ذلك فمن لا يصدق ما قاله الناشر فليقرأ ما قاله الكاتب نفسه في روايته الأخيرة: ‘نعم… لا بد أن يعود… والعودة ستوفرُ له فرصةَ التدرب على الموت الذي بات وشيكا. وكما عبّر عن ذلك الإيطالي بلوتارخ: وحده الإنسان الحر تكون له القدرة على مواجهة الموت، الذي ينتظرنا في كل مكان. والتدرب على الموت يُحررنا من العبودية، ومن كل تبعية ومن كل شكل من أشكال القهر. وإذن سيعود.” هكذا قال حسونة المصباحي عن الموت في رواية “يوم موت سالمة” قبل موته. ولم ندرك إلا الآن أن حياة حسونة المصباحي كانت شكلا من أشكال التدرب على الموت، ولذلك عاش حرا ومات حرا.

8