"ضوء الشمس" ينبثق من أعمال تجريدية وتكعيبية لهنادي يوسفان

دمشق - منذ سقوط نظام الحكم السابق لسوريا، والفنانون التشكيليون يحاولون تنظيم معارض لأعمالهم التي يرون أنها قادرة على بث الأمل في نفوس الجماهير، أمل بأن الحياة يمكن أن تصبح أفضل وأن المستقبل قد يكون قادرا على تطبيب جراح الماضي.
وتتحدث لوحات معرض “ضوء الشمس” الذي أقامه اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين للفنانة هنادي يوسفان بلسان الألم على ما حاق بسوريا خلال حرب السنوات الماضية، مع تسليط الضوء على جرائم النظام السياسي البائد، مع شعاع أمل بغد مشرق ينفض عن الشام غبار التعب.
ويشكل المعرض الذي استضافته صالة الشعب في دمشق مدخلا للفنانة هنادي لمعاودة نشاطها الفني في سوريا، حيث كانت تتنقل خلال الـ14عاما الماضية ما بينها وبين لبنان.
هنادي هي فنانة تشكيلية سورية تتميّز بأسلوبها التعبيري التجريدي الذي يجمع بين الأحاسيس الإنسانية والرموز البصرية المستمدة من البيئة السورية، حيث تسعى في لوحاتها إلى التعبير عن مفاهيم الحنين للوطن والارتباط العاطفي بالمكان والهوية.
وفي تصريح لوكالة الأنباء السورية، أوضحت يوسفان أنها اعتمدت في لوحاتها على الفن التجريدي والتكعيبي مع اللجوء إلى أسلوب خاص بها في تقطيع اللوحات وفق خطٍ حديث، مشيرةً إلى أن لوحاتها بالمعرض تقدم رسائل ترتكز على الرموز كلوحتي “معلولا” و”خريف”، ولوحة المعرض “إشراقة الشمس”.
يوسفان التي اقتنت وزارة الثقافة لوحات لها خلال معرض للشباب عام 2012، اعتمدت في البداية على الألوان الترابية المعبّرة عن الشوق لبلدها، ثم أصبحت تستخدم الألوان السوداء الحزينة التي امتزج فيها وجع الوطن مع الحزن على رحيل والدتها، وهو ما جعلها تتوقف عن العمل لغاية عام 2018، لتقيم أول معرض خاص لها في بيروت بعد عامين.
ولفتت الفنانة السورية التي تخرجت في معهد الفنون الجميلة بحماة، ونالت دبلوم التربية الفنية بحمص ودرست التصوير الزيتي، إلى أنها رفعت بفنها دائما هويتها السوريّة بكل فخرٍ، وأعربت عن طموحها في المستقبل في رسم إعادة الإعمار وبناء الوطن بالحب والسلام، عبر إسقاط اللون على الحالة.
من جهته قال رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين الدكتور محمد صبحي السيد يحيى “إن المعرض يعكس الوضع الراهن في سوريا التي أشرقت بضوء الشمس بعد التحرير، فكل بقعة في البلد أضاءت بنور هذه المرحلة، وبالمقابل أسبغت لوحتها الأساسية ‘إشراقة الشمس‘ وهجها على باقي اللوحات،” معتبرا أن “تجربة هنادي تعكس حالة فنانة مقبلة على الحياة الثقافية في بلدها،” لافتا إلى أنها “ستتنقل بلوحاتها في كل ربوع سوريا كي تنشر ضوءها فيها.”
أما رئيسة فرع دمشق لاتحاد الفنانين التشكيليين مهى محفوظ فوجدت أن اللوحات تحمل مشاعر المعاناة والألم والخوف، وأوجاع الوطن المنهك، فأرسلت من خلالها الفنانة رسالةً للعالم تروي ما مر بسوريا عبر 14 عاما، مبينةً أن وتيرة الحركة الفنية التشكيلية في ازدياد بهذه المرحلة، خاصةً لناحية كثافة المعارض والندوات التخصصية، ما يعد مؤشراً إيجابياً على عودة الفن الحقيقي إلى سوريا، مع الأمل بغزارة الإنتاج مستقبلاً.
فيما وصفت مديرة مكتب المرأة والطفولة في سوريا في البرلمان الدولي لعلماء التنمية البشرية هنادي البخاري لوحات المعرض بالغامضة والجميلة في آن، لأنها تجذب الزوار لفك أسرارها، وخاصةً المتخصصين.
من جانبه، اعتبر الشيخ موسى جميل وهو أحد زوار المعرض أن اللوحات قيّمة، حيث تسافر بك لتجول في تاريخ سوريا، إضافةً إلى أنها تحمل التفاؤل بمستقبل أفضل للبلد.
يذكر أن الفنانة بعد أن حصلت على دبلوم في التربية الفنية من مدينة حمص تابعت دراستها المتخصصة في التصوير الزيتي لمدة ثلاث سنوات، ما أسهم في صقل مهاراتها وتعميق رؤيتها التشكيلية.
وبدأت هنادي يوسفان رحلتها في المشاركة بالمعارض منذ عام 2004، حيث عرضت أعمالها في عدد من الفعاليات الفنية المحلية. ومن أبرز هذه المشاركات: معرض الربيع الذي نظمته نقابة الفنون الجميلة بحماة عام 2004، ومعرض جماعي في فندق سفير – حمص عام 2005، ومشاركتها في مؤتمر المرأة العالمي الذي أُقيم في مدينة حلب في العام نفسه. كما شاركت في ورشة عمل لتصميم أغلفة قصص أطفال عام 2006، ما يشير إلى اهتمامها بالجوانب التربوية والفنية معًا. وفي عام 2011، قامت وزارة الثقافة السورية باقتناء واحدة من لوحاتها، وهو ما يعكس التقدير الرسمي لفنها.
ولم تنفصل الفنانة الشابة عن السمة الأبرز التي طبعت الحراك السوري خلال العشريتين الماضيتين حيث كانت أعمال أغلب التشكيليين السوريين مرآة عاكسة لوجدان السوريين، وصراعهم مع الألم، والفقد، والأمل، والهوية.
منذ اندلاع الحرب في سوريا عام 2011، لم يكن الفن التشكيلي مجرد وسيلة تعبير جمالية، بل أصبح وسيلة للبقاء، وللتعبير عن الوجع الإنساني، وتحولت اللوحة الفنية إلى مساحة للنجاة، ونافذة للصراخ، حيث عبّر الفنانون عن دمار البيوت، وغياب الأحباب، والخوف من المستقبل، والحنين إلى الماضي، عبر ألوان قاسية أو مشاهد رمزية.
وتطورت اللغة التشكيلية السورية بشكل لافت، حيث اتجه العديد من الفنانين نحو التعبيرية الجديدة، حيث الجسد الممزّق والخطوط العنيفة تُعبّر عن الداخل الموجوع، في حين لجأ فنانون آخرون إلى السريالية الرمزية.