محاكمة صنصال تضع الأزمة الجزائرية - الفرنسية أمام اختبار جديد

أجّل القضاء الجزائري النطق بالحكم في قضية الكاتب الفرنسي – الجزائري بوعلام صنصال إلى الأول من يوليو المقبل، وهو ما يؤكد حسب المراقبين على دخول الأزمة الدبلوماسية والسياسية بين البلدين منعطفا جديدا من التوتر.
الجزائر - قرر القضاء الجزائري تأجيل النطق بالحكم في قضية الكاتب الفرنسي – الجزائري بوعلام صنصال إلى الفاتح من يوليو القادم، لتدخل بذلك الأزمة الجزائرية – الفرنسية حالة متجددة من الترقب والانتظار، قياسا بما باتت تشكله من ثقل في خلافات البلدين المشتعلة منذ نحو عام، وتتباين معها التكهنات بسبب التجاذب القائم بينهما في ما يعرف بمن يتنازل أخيرا.
وأجلت محكمة الاستئناف في العاصمة الجزائرية النطق بالحكم في قضية الكاتب، وسط تكهنات متضاربة حول محتوى الحكم، الذي سيلقي بظلاله على الأزمة القائمة بين الجزائر وفرنسا منذ نحو عام.
ومنذ توقيف الرجل في منتصف شهر نوفمبر الماضي في مطار الجزائر، تحولت القضية إلى ضلع من أضلاع الخلافات السياسية المتفاقمة بين البلدين، حيث يجري توظيف الملف من طرف باريس للضغط على الجزائر، بينما تستعمله الأخيرة ككفة لتحقيق التوازن في لعبة القبضة الحديدية.
الكاتب الفرنسي - الجزائري بوعلام صنصال يواجه تهما ثقيلة، منها ما هو مدرج في خانة البند 87 مكرر من قانون العقوبات
ورفعت نخب سياسية وثقافية فرنسية وحتى دولية، وعلى رأسها الرئيس إيمانويل ماكرون، أصواتها أكثر من مرة من أجل إصدار عفو رئاسي عن بوعلام صنصال، وتمكينه من العودة إلى بيته وعائلته في باريس، بدعوى التقدم في السن وتدهور الوضع الصحي، لكن أذرع سياسية وإعلامية في الجزائر ظلت متمسكة بضرورة احترام استقلالية القضاء الجزائري، كما تسوق السلطات الفرنسية لاستقلالية قضائها.
وكانت محكمة ابتدائية قد حكمت في نهاية شهر مارس الماضي بخمس سنوات سجنا نافذا على الكاتب المذكور، وهو الحكم الذي وصف بـ”اللين” مقارنة مع التهم الخطيرة التي وجهت له، واعتبر مؤشرا على قرب انفراج القضية، لاسيما وأنها تزامنت مع صعود خطاب تهدئة من طرف حكومتي البلدين، لكن الكاتب والنيابة العامة طعنا في الحكم، ليعود الجدل مجددا حول مآلات الملف في ظل القطيعة غير المعلنة بين الطرفين.
وتطابقت مطالب النيابة العامة بين المحكمة الابتدائية ومحكمة الاستئناف، حول تطبيق عقوبة عشر سنوات سجنا نافذا، وغرامة مالية تفوق السبعة آلاف دولار، وشددت على توجيه تهمة “المساس بسلامة وحدة الوطن”.
وكانت المحاكمة مقررة في 20 مايو الماضي، لكنها أرجئت إلى 24 يونيو الجاري، بناء على طلب المتهم “للسماح له باختيار محامين للدفاع عنه،” لكن خلال الجلسة التي استمرت نحو 20 دقيقة، تقدّم صنصال دون محام.
وذكرت تقارير جزائرية أن “الكاتب بوعلام صنصال (80 عاما)، والمصاب بسرطان البروستات، بدا بصحة جيدة وأجاب عن أسئلة القاضية دون صعوبة، حيث رد على سؤال يتعلق بخلفية ومحتوى تصريح أدلى به لوسيلة إعلامية فرنسية، تبنى فيه طرحا مغربيا بأن قسما من أراضي المملكة اقتطع في ظل الاستعمار الفرنسي وضمّ للجزائر.”
وهو ما رد عليه بالقول “إنها كتابة أدبية والدستور الجزائري يضمن حرية التعبير والفكر.. هذا غير معقول، الدستور ينص على حرية التعبير ثم نقوم بمحاكمة من أجل كتابة أدبية. إلى أين نتجه هكذا؟”
وعن سؤال حول تصريحه بشأن الحدود، قال صنصال “أنا لا أمارس السياسة. أنا أيضا أعبر عن رأيي حول التاريخ، فرنسا هي التي أنشأت الحدود (للجزائر التي استعمرت منذ عام 1830)، ولكن لحسن الحظ بعد الاستقلال (في عام 1962)، أعلن الاتحاد الأفريقي أن تلك الحدود التي ورثناها من الاستعمار هي غير قابلة للتغيير.”
ويواجه بوعلام صنصال تهما ثقيلة، منها ما هو مدرج في خانة ما يعرف بالبند 87 مكرر من قانون العقوبات، الذي وسع الأحكام وشددها تجاه الأفعال المتصلة بالإرهاب، ويأتي على رأسها “المساس بوحدة الوطن، وإهانة هيئة نظامية، والقيام بممارسات من شأنها الإضرار بالاقتصاد الوطني، وحيازة فيديوهات ومنشورات تهدد الأمن والاستقرار الوطني.”
نخب سياسية وثقافية فرنسية وحتى دولية، وعلى رأسها الرئيس إيمانويل ماكرون، ترفع أصواتها أكثر من مرة من أجل إصدار عفو رئاسي عن بوعلام صنصال
وتتحرك الكثير من الفواعل السياسية والأكاديمية، في سبيل الضغط على السلطة الجزائرية من أجل إطلاق سراح صنصال، لكن الجانب الجزائري لا يزال متمسكا بخضوع الكاتب للإجراءات القضائية المعمول بها، ولو أن المسألة تشكل أحد المفاتيح التي يمكن أن تشرع الأبواب الموصدة بين البلدين.
وأكدت ابنتا الكاتب في تصريح صحفي شعورهما بـ”عجز تام” في المساعي التي تبذل للإفراج عن والدهما، وعبرت نوال وصبيحة من إقامتهما في جمهورية التشيك عن أسفهما “لسجن أشخاص لأنهم عبروا عن آرائهم بحرّية ووالدنا هو للأسف من هؤلاء.”
وانضم الكاتب الجزائري ياسمينة خضرا إلى مجموعة الأسماء الأدبية المتعاطفة مع بوعلام صنصال، حيث صرح لوسائل إعلام محلية بأنه ناشد الرئيس تبون ضرورة إطلاق سراح صنصال والسماح له باستعادة حريته في أسرع وقت ممكن.
واستُقبل الكاتب ياسمينة خضرا من طرف الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، في دلالة على انفتاح السلطة على الإنتاج الأدبي والفكري، والرد المبطن على اتهامات لها بالانغلاق وقمع الحريات.