المعارضة المصرية تستثمر في أزمة الإيجار القديم لاستمالة الشارع

صوبت قوى المعارضة المصرية بوصلتها نحو قضايا اجتماعية لها تأثير مباشر على حياة المواطنين وتمس شرائح واسعة من المجتمع، وذلك بعد انشغالها لسنوات طويلة بقضايا تعنى بالحريات العامة، ولم تحقق من خلالها مكاسب ملموسة، وخسرت جراءها قاعدة شعبية كان يمكن أن تشكل لها خزانا قويا خلال الاستحقاقات المهمة.
القاهرة- دخلت أحزاب من المعارضة المصرية على خط الأزمة المرتبطة بمشروع قانون الإيجار القديم، وسط شكوك في أن التحرك تكتيكي وظرفي بغاية استمالة الشارع، قبيل الانتخابات التشريعية.
وقدمت الحكومة المشروع المثير للجدل إلى مجلس النواب، ويهدف المشروع إلى التخلي عن الإيجار القديم للوحدات السكنية تدريجيا، وتحرير القيمة الإيجارية خلال فترة انتقالية، تنفيذا لحكم صادر عن المحكمة الدستورية العليا في البلاد.
وشعرت قوى معارضة في مصر أن استمرارها في الانزواء عن ممارسة أدوار سياسية يُبقيها على الهامش، بعكس التصعيد ضد الحكومة في ملف شعبي وحساس مرتبط بالملايين من الأسر مثل الإيجار القديم، بما قد يعيدها إلى الواجهة عبر الاشتباك مع شارع لم يعد يكترث بالخطاب الشعبوي للمعارضة.
ويرتبط دخول عدد من أحزاب المعارضة المصرية على خط أزمة مشروع قانون الإيجار القديم بوجود تحفظات من نقابات مهنية وفئات شعبية على المشروع، لاسيما البسطاء ومتوسطي الدخل وهما قاعدة جماهيرية كبيرة تعيش في وحدات سكنية مؤجرة منذ سنوات بقيمة مالية زهيدة، وترغب المعارضة في استمالتهم إليها.
ونظمت أحزاب تنتمي إلى الحركة المدنية الديمقراطية، مؤخرا مؤتمرا، استضافت فيه متضررين من مشروع قانون الإيجار القديم، وتركت لهم مساحة توجيه انتقادات حادة للحكومة، ولوّحت بالتصعيد والاحتجاج بالتظاهر أمام مجلس النواب لإجباره على الاستماع لوجهة نظر المستأجرين، لأن النص القانوني بالصيغة المطروحة يشكل تهديدا بالنسبة إليهم.
وحاول حزب الكرامة تأجيج المستأجرين الحاضرين في المؤتمر بالإعلان عن قيام قوات أمنية باستهداف شخصيات رافضة لمشروع القانون، بينهم قيادي في رابطة المستأجرين، تم حبسه كنوع من الترهيب الموجه إلى قوى حزبية وفئات شعبية تريد التظاهر، في محاولة من بعض أحزاب المعارضة لتجميع أكبر قدر ممكن من المتضررين من مشروع القانون تحت مظلتها.
جاء ذلك عقب موافقة لجنة الإسكان في مجلس النواب على الصيغة الجديدة لمشروع القانون الذي تقدمت به الحكومة، على أن تتم مناقشة المشروع في جلسة برلمانية عامة نهاية الشهر الجاري، وسط توجه واضح من جانب الحكومة والبرلمان لتمرير القانون دون استماع لأيّ طرف معارض، تنفيذا لحكم المحكمة الدستورية.
وجزء من مشكلة المعارضة أنها لا تستوعب أن الحكومة تتحرك في ملف أزمة الإيجار القديم وهي مدفوعة بإلزام القضاء الدستوري لها بإنجاز مشروع القانون قبل نهاية دور الانعقاد الحالي للبرلمان، وإلا ستكون السلطة التنفيذية خالفت الدستور بما يضعها في مأزق كبير، كما أن الحكم الدستوري ألزم الحكومة بعدم ثبات القيمة الإيجارية وتحريك قيمتها بشكل سنوي.
وفي مؤتمر أحزاب المعارضة الأخير، قال رئيس حزب الكرامة سيد الطوخي إن مشروع القانون يمثل استهدافا مباشرا من جانب الحكومة للطبقة المتوسطة التي تعاني بالفعل من ضغوط اقتصادية غير مسبوقة، مضيفًا “بهذا القانون تتحول الطبقة المتوسطة إلى فقيرة بعدما سُلبت مكتسباتها في الوظائف والدخل والصحة والتعليم، واليوم تُهدد في حقها الأساسي في السكن.”
واتهم رئيس حزب الكرامة الحكومة بأنها تُعد تشريعات يتم تفصيلها على مقاس ما ترغب السلطة في تطبيقه، زاعما أنها تهدف إلى ضرب المجتمع المصري من الداخل، ودعا إلى تنظيم وسائل سلمية للاحتجاج مثل رفع الرايات السوداء على المنازل أو تنظيم اعتصامات أمام البيوت وبثها على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل لفت الانتباه الشعبي إلى معاناة فئة المستأجرين.
وترى دوائر سياسية أن ما تفعله بعض الأحزاب المعارضة من تأليب شريحة من المواطنين على الحكومة في توقيت سياسي دقيق على وقع التقلبات الإقليمية، سيضعها في مواجهة محتدمة، وقد لا تتردد الحكومة في اتخاذ إجراءات صارمة ضدها، باعتبار أن الظروف الراهنة تفرض على الجميع تكريس الاستقرار وليس تحقيق منافع مادية.
ويوحي التحرك المفاجئ من قوى معارضة لاستمالة البسطاء ومتوسطي الدخل بأنها محاولة لتصويب علاقتها مع الشارع الذي ملّ من الخطاب السياسي للحركة المدنية على مدار سنوات مضت، ولم يكن يتماشى مع البيئة الثقافية أو يتناغم مع تطلعات المصريين، فهي تركز على الحقوق السياسية، فيما ينشد الشارع الحقوق الاجتماعية البسيطة من مأكل ومشرب وتعليم وصحة.
وتحاول الحكومة من خلال مشروع قانون الإيجار القديم الموازنة بين أصحاب الوحدات والمستأجرين وحكم المحكمة الدستورية، لكن المعارضة تقف مع فصيل واحد دون أن تتعرض لحقوق المُلاك الذين يأجّرون وحداتهم بمبالغ مالية زهيدة، ما يثير الشكوك حول توجهاتها التي توصف بـ”غير العادلة” لمجرد استقطاب شريحة المستأجرين بخطاب يدغدغ المشاعر.
وسوّقت المعارضة إلى أن مشروع القانون يمهد لطرد المستأجرين بعد انتهاء الفترة الانتقالية المقدرة بسبع سنوات، فإن الحكومة وضعت في القانون نصا صريحا يُعطي الحق لكل مستأجر أن يحصل على وحدة سكنية إيجارا أو تمليكا من الوحدات المتاحة لدى الدولة، على أن تكون الأسبقية في التخصيص للفئات الأولى بالرعاية، وهم البسطاء الذين تستقطبهم المعارضة.
ضرورة استمرار المعارضة في مناكفة الحكومة عبر قضايا جماهيرية، لأنها البديل الآمن الذي يجب أن تتاح له فرصة التواجد سياسيا بما لا يترك مساحة فراغ توظفها جماعة الإخوان
وقال المحلل السياسي جمال أسعد إن إقدام بعض أحزاب المعارضة على التفاعل مع ملف الإيجار القديم جزء من الحضور في المشهد، وليس مطلوبا منها الانكفاء على نفسها وتجاهل مشكلة مجتمعية تهم شريحة معتبرة من المصريين، وما تفعله قوى المعارضة جزء من حقها ولا يجب ربط تحركاتها بالأجواء المحيطة.
وأوضح أسعد في تصريح لـ”العرب” وجود مخاوف من بعض التشريعات ومطلوب من المعارضة التفاعل، ويكون النقاش الخاص بالقوانين المجتمعية الملتهبة بعيدا عن الخلافات المرتبطة بالمواقف السياسية الأخرى، باعتبار أن القضية تمسّ الأمن المجتمعي وتتجاوز خلافات المعارضة والحكومة، لأن صوت أيّ شريحة متضررة من توجه بعينه يجب أن يصل إلى صانع القرار.
ولم تحقق بعض أحزاب المعارضة المردود السياسي المنتظر الذي يسمح لها بالتمركز في وضعية قوية يمكن من خلالها تحقيق نتائج مرضية لها في الانتخابات التشريعية المقررة في أغسطس المقبل، لذا قررت مناكفة الحكومة في ملف حساس ويشغل شريحة تقدر بأكثر من ثلاثة ملايين أسرة مستأجرة، ما قد يفيدها في الاستحقاق الانتخابي.
وانشغلت المعارضة المصرية طوال سنوات مضت بقضايا الحريات العامة وفتح المجال السياسي، ولم تركز بالشكل المطلوب على قضايا اجتماعية تهم المواطنين، وجاءت تحركاتها تجاه بعض الملفات الجماهيرية متأخرة بعد أن ظهرت في نظر الأغلبية المجتمعية بأنها تخلت عن أوجاع الناس وتحاول اليوم العودة إليهم وهي بلا تأثير أو أوراق ضغط على الحكومة.
وتضم الحركة في عضويتها أحزاب: الدستور، التحالف الشعبي الاشتراكي، العيش والحرية، الكرامة، الشيوعي المصري، المحافظين، العربي الديمقراطي الناصري، الوفاق القومي، الاشتراكي المصري، والإصلاح والتنمية، لكنها تُعاني من حالة انقسام غير مسبوقة وصراعات داخلية وغياب في التوافق حول الرؤى والأهداف، ما جعلها تبدو أمام النظام بلا أنياب حقيقية.
وأمام تلك الوضعية، لم تستطع المعارضة أن تكتسب أرضا سياسية تبني عليها لتحقيق أهدافها وتصبح رقما في الشارع والبرلمان، وباتت تحاول بشتى السُبل أن تعود إلى الأضواء مرة أخرى بالتركيز على قضايا اجتماعية ساخنة، لكن تلك التحركات في نظر البعض مزايدة مرفوضة وتأتي في توقيت تواجه فيه الدولة تحديات جسيمة.
ويرى متابعون ضرورة استمرار المعارضة في مناكفة الحكومة عبر قضايا جماهيرية، لأنها البديل الآمن الذي يجب أن تتاح له فرصة التواجد سياسيا بما لا يترك مساحة فراغ توظفها جماعة الإخوان، ما يستدعي التجاوب مع المعارضة الوطنية في حدود تتناسب مع الأوضاع الاجتماعية.