اجتماع في بروكسل لتنسيق مبادرات السلام في السودان

تجري محاولات لتبني رؤية شاملة للتسوية في السودان تستند على دراسة المبادرات التي طرحتها قوى دولية وإقليمية ومحلية، والخروج منها بخلاصة تكون الأساس لإحلال السلام.
الخرطوم- سعى اجتماع المجموعة الاستشارية المعنية بتنسيق مبادرات السلام في السودان، الخميس، إلى وضع رؤية أكثر شمولية لمبادرات تعددت مشاربها منذ انطلاق الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، مع تقديم خطة جديدة من جانب تسيقية “صمود” التي يرأسها رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك لجمع القوى المدنية حول نقاط مشتركة تصبح أساسا لفترة ما بعد الحرب.
وشارك في الاجتماع، الذي عقد في العاصمة البلجيكية بروكسل، ممثلين عن منظمات إقليمية ودولية ودول فاعلة في ملف الصراع، بحضور الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، ومنظمة إيغاد، والاتحاد الأوروبي، وجامعة الدول العربية، إضافة إلى السعودية والولايات المتحدة، في إطار مساعٍ مشتركة لإحياء المسار السياسي.
وجاء الاجتماع بعد سلسلة لقاءات سابقة، وقبل يوم واحد من جلسة يعقدها مجلس الأمن حول السودان، اليوم الجمعة، سيقدّم فيها مبعوث الأمم المتحدة الخاص رمطان لعمامرة إحاطة رسمية عن الجهود المبذولة لإطلاق عملية سلام ذات مصداقية.
ويحتاج التنسيق بين المبادرات المتعددة إلى جهد دولي يضاهي جهود التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب، مع وجود أكثر من 13 مبادرة قدمتها قوى إقليمية ومنظمات دولية وقوى سياسية، ما قاد إلى فوضى في المبادرات يجري توظيفها للتأكيد على تضارب المصالح بين القوى المعنية بالصراع في السودان.
ويشير التحرك الحالي إلى رغبة في إيجاد نقاط مشتركة بين المبادرات للتوصل إلى اتفاق يؤدي إلى وقف إطلاق النار، بعد أن حققت قوات الدعم السريع توازنا يجعلها تدخل المباحثات وهي تقف على نقاط قوة متسقة مع الجيش الذي حقق نجاحا باستعادة الخرطوم وتحرير ولايات وسط السودان وتمركزه في الفاشر عاصمة إقليم دارفور.
ويسهّل توازن القوى من مهمة إقناع الطرفين المتحاربين بالاتجاه نحو المفاوضات بعد إنهاك عسكري تعرضا له على مدار أكثر من عامين من الحرب، شريطة أن يكون ذلك مرتبطا بوجود تفاهمات دولية لوقفها وغلق مسارات الإمداد الخارجية.
ودعا القيادي في “صمود” ياسر عرمان خلال ندوة عقدت في جنوب أفريقيا، ضمن جهود توحيد المبادرات، إلى عقد جلسة مشتركة بين مجلس السلم والأمن الأفريقي ومجلس الأمن الدولي لتنسيق الجهود وكسر الجمود في الملف السوداني، محذرًا من تحوّل البلاد إلى ساحة صراع عبر وكلاء محليين.
وتكمن الصعوبة في عملية توحيد المبادرات في أنها خرجت من أطراف ليست لها أهداف موحدة في السودان، وثمة قناعة لدى السودانيين بأن تقديم مبادرة دولية متفق عليها من القوى المؤثرة يفضي إلى تقويض المبادرات الجانبية، فحين يجري الحديث عن تقديم “صمود” مبادرة للحل فلن تحظى بموافقة قوى محسوبة على الجيش.
وأبرز المبادرات: منبر جدة، والاتحاد الأفريقي، ودول الجوار، واجتماع المنامة، وجنيف، وإيغاد، واللجنة الأفريقية رفيعة المستوى، وجامعة الدول العربية، ومؤتمر باريس، ومنظمة “بروميديشن” الفرنسية، والقاهرة، ومبادرة المبعوث الشخصي للأمم المتحدة.
وقال الأمين العام للحزب الوطني الاتحادي في السودان محمد الهادي محمود إن توحيد المبادرات والتنسيق بينها مهمة صعبة، لأن التوجهات مختلفة، والارتباطات الفكرية متباينة، وهناك فجوات كبيرة بين “صمود” و”تأسيس” و”التغيير الجذري” رغم أنها في معسكر مقابل للجيش، بخلاف القوى السياسية المحسوبة على أطراف عدة في السودان، والتعويل يظل على إمكانية وجود رغبة دولية في تهدئة الصراعات الإقليمية بما يُرغم المتحاربين على وقف القتال والاتجاه نحو تأسيس مرحلة جديدة.
وأضاف محمود في تصريح لـ”العرب” أن اجتماعات بروكسل تبرهن على أن المجتمع الدولي لديه رغبة في توحيد رؤى المكون المدني للضغط على طرفي الصراع لوقف الحرب، وهذا التوافق يساعد في التعامل مع القوى المدنية مجتمعة دون تشتت بين تيارات لديها رؤى متقاربة، وتقتصر المحاولات على تجميع القوى التي تؤمن بالديمقراطية والتغيير في كتلة لوقف الحرب والتوافق على عملية سياسية إنسانية.
ومنذ انعقاد مؤتمر جنيف العام الماضي، تيقن المجتمع الدولي من صعوبة الوصول إلى حل سياسي، ما أدى إلى توجيه دعوات إلى شخصيات سودانية بصورة منفردة للاستماع إلى وجهة نظرها في الحل دون أن يكون ذلك مرتبطا بالتوجهات السياسية للأحزاب التي ينتمون إليها، ومع توالي الجلسات ظهر ما يشبه الرؤية المتكاملة للحل، الأمر الذي يجري التفاهم حوله في بروكسل.
التنسيق بين المبادرات المتعددة يحتاج إلى جهد دولي يضاهي جهود التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب، مع وجود أكثر من 13 مبادرة قدمتها قوى إقليمية ومنظمات دولية وقوى سياسية
ووجّه تحالف قوى الثورة “صمود” خطابا إلى المجموعة الاستشارية لتعزيز السلام في السودان، طرح فيه رؤية شاملة لإنهاء الحرب، تبدأ بإيقاف الكارثة الإنسانية، واقترح عقد اجتماع عاجل بين الأمم المتحدة ومجلس السلم والأمن الأفريقي لإقرار هدنة إنسانية وتعيين منسّق إقليمي لقيادة جهود الاستجابة وتسهيل إيصال المساعدات.
ودعا “صمود” إلى تكوين مجموعة عمل دولية لحماية المدنيين، وتجديد تفويض لجنة تقصي الحقائق لمحاسبة المسؤولين عن الجرائم الجارية، في المسار السياسي، لافتا إلى أن تعدد منابر التفاوض أدى إلى تفكيك الضغط الدولي، ومكّن الأطراف المتحاربة من التملص من أيّ التزام جاد، وتوحيد الجهود الدولية ليس ترفا تنظيميا، بل شرط أساسي لإنقاذ ما تبقى من السودان، وقطع الطريق على التدخلات الخارجية السلبية.
وأكد محمد الهادي محمود، وهو أيضا قيادي في “صمود”، وجود تحركات واضحة تقوم بها الولايات المتحدة بالتعاون مع مصر والسعودية والإمارات بحثا عن حل سياسي، وهي خطوة جيدة، لكن من المهم وجود قواعد يتم التفاهم عليها بين القوى المدنية والأطراف العسكرية المتحاربة.
وأوضح في حديثه لـ”العرب” أن الحرب الراهنة لها جذور عميقة، بين الجهات المحتكرة للسلاح، وخلفها قوى سياسية، إذ تقف الحركة الإسلامية وراء سلاح الجيش، وتقف مجموعات مدنية مع الدعم السريع، وثمة محاولات لخلق طريق وسط تسلكه الكتلة التي تؤمن بالتحول المدني الديمقراطي للجلوس إلى طاولة مفاوضات مشتركة.
وشهدت الأشهر الماضية الكثير من المحاولات لجمع قوى سياسية حول مبادئ حل أساسية للصراع، وبذلت مجموعة من المحالين على التقاعد من العسكريين جهودا فاعلة، والتقوا بالعديد من القوى السياسية، لكن عند لحظة يتوقف كل شيء بلا سبب مقنع، وفي مرات كثيرة غيّرت الأحزاب والتيارات السياسية مواقفها، بما أصاب المبادرة بالجمود، وكان يمكنها أن تصبح نقطة مشتركة يلتف حولها الجميع.