كرمة بنت عباس تنسج "خيوط الأمل" من رماد الحرب

عمّان - يفتح معرض “خيوط الأمل” للتشكيلية الأردنية كرمة بنت عباس نافذة تسرد حكايات من رماد الحرب، وتحوك ببطء ملامح التعافي في نسيج متقن الصنع؛ لا تنفصل الفرشاة عن الذاكرة، ولا يفقد خيط اللون صلته بالألم، بل يسير بثبات نحو النور.
ويتميز المعرض المقام في غاليري “وصل” بالمتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة، بأعمال صُنعت من خامة اللباد، حاكت فوقها الفنانة أشكالًا من التطريز، كوسيلة تقليدية تحمل في عمقها دلالات ثقافية وحضارية، وترمز إلى الهوية والانتماء للأرض.
وفي هذا السياق، تحولت أسطح اللوحات إلى مساحات بديلة للبوح، تُحاك عليها حكايات النساء والأمهات واللاجئات والناجيات من ويلات الحرب، حيث يتقاطع الوجع الشخصي مع الذاكرة الجمعية.
وتقول الفنانة حول معرضها “خيوط الأمل تروي حكاية تجمع بين الألم والتعافي.. في نسيج مطرّز ومصنوع باللباد، تتقاطع آلام الحرب مع رموز النور والحياة، ركام أسود يجاور سماء مشرقة، وفراشات وطائرات ورقية، وأماكن مقدسة. كل عمل فني يحتضن الحزن، ويفسح المجال لأمل لا يزال ينبض ويعلو.”
واستخدمت كرمة في تنفيذ لوحاتها طيفًا من الألوان التي ترمز إلى المشاعر؛ فالأحمر يعبّر عن الغضب، والأزرق يمثل الحنين، بينما يتجلى الأصفر كبصيص من الأمل الذي تتقد جذوته رغم المصاعب. أما الغُرَز، فهي تشبه الندوب؛ بعضها عميق، وبعضها بالكاد يُرى، لكنها ترمز في مجملها إلى أن حربًا حدثت وسقط فيها ضحايا لكن هناك من نجا وتعافى وواصل الدرب.
وتوظف الفنانة رموزا بصرية تعبّر عن الصراع الداخلي والتجدّد الروحي. فقد استخدمت عناصر مثل الفراشات وطائرات الورق والأماكن المقدسة لتجسيد لحظات النور والانبعاث بعد المعاناة، بينما عكست الألوان الرمادية والرماد الأسود آثار الدمار والحزن. في المقابل، تقابل هذه الرموز بألوان نابضة كالأصفر رمزًا للأمل، والأزرق تعبيرًا عن الحنين، ما يخلق توازنًا بصريًا وشعوريًا بين اليأس والرجاء. كما جاءت الخيوط والتطريزات كتشبيه بصري للجراح المفتوحة التي تُضمَّد تدريجيًا، لتروي حكاية شخصية وإنسانية عن الألم، والتقبّل، ثم النهوض من جديد.
من جانبه قال الدكتور خالد خريس، مدير عام المتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة، “في هذا المعرض نجد الجرأة في الطرح، وفي استخدام مواد غير مألوفة، استطاعت الفنانة تطويعها شكلًا ومضمونًا، ما يعطيها صفة التميز والتفرد في هذا المجال.”
وبيّن أن ما يميز المعرض أنه لا يكتفي بتوثيق الألم، بل يرسم كذلك ملامح التعافي، إذ حرصت الفنانة على تطعيم أسطح لوحاتها برموز تحمل معنى الحياة، من مثل الشجرة التي تنبت من أرض محترقة، والفراشة التي تخرج من شرنقة خيوط داكنة، والعيون التي تتطلع إلى الأفق، وكأن كل عمل فني يؤكد أن الألم لا يعني الانكسار، بل يعني التجربة التي تعلّم القوة.
ويمثل المعرض شهادة حية على قدرة الإنسان، لاسيما المرأة، على تجاوز الجراح، وتحويل الرماد إلى جمال، وهو مساحة تُثبت أن الإبداع يمكن أن يكون طريقًا للتعافي، وأن الفن بما فيه من خيوط وألوان قادر على إعادة رسم ملامح الحياة خلال العاصفة حتى بعد انتهائها.
وُلدت كرمة بنت محمد عباس في أغسطس 2002 بالعاصمة عمان. تلقت تعليمها الثانوي من “كينغز أكاديمي” وتخرجت فيها عام 2020، قبل أن تخطو إلى عالم الفنون والابتكار بقبولها في معهد “برات” للتصميم في نيويورك، حيث حصلت على شهادة البكالوريوس في الفنون عام 2024.
أدركت كرمة شغفها بالفن مبكرًا، وبدأت مشاركة أعمالها في معرض “RGB SKY” في عالم الميتافيرس عبر منصة M.A.D.S Gallery، حيث عرضت رسومًا تعكس ارتباطها بخلفيتها المتنوعة (تركية وفلسطينية) وبثقافتها الإسلامية والشرق أوسطية. ثم قدّمت أول معرض شخصي لها عام 2023 في غاليري EV بمنهاتن، نيويورك، تلته مشاركات في معارض جماعية بإيطاليا وإسبانيا خلال العام ذاته.