خفايا الخلاف بين ترامب وإسرائيل بعد إعلان وقف إطلاق النار مع إيران

ترامب يثبت قدرته على صياغة خيار الثالث بتنفيذ ضربات دقيقة ضد إيران مع دعوات للدبلوماسية ووقف إطلاق النار، متجنبا استرضاء وتورط أسلافه.
الخميس 2025/06/26
ترامب يغيّر القواعد

واشنطن - شهدت الأيام الأخيرة توترا غير معتاد بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والحكومة الإسرائيلية، على خلفية خلافات حادة بشأن التصعيد العسكري مع إيران وسبل التعامل مع تداعياته.

ويقول الباحث وخبير الأمن القومي الأميركي براندون وايكيرت في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست إن الحرب الشاملة مع إيران، التي سعت إليها إسرائيل منذ أشهر، تعد جهدا مكلفا للغاية بالنسبة للولايات المتحدة.

وبعد إشعال حرب شاملة ضد إيران من خلال ما أطلق عليه "عملية الأسد الصاعد"، التي استهدفت قيادات عسكرية إيرانية ومنشآت نووية، بدأ قادة إسرائيل يشعرون بالاستياء من شركائهم الأميركيين، على الرغم من أن إدارة الرئيس دونالد ترامب في واشنطن دعمت إسرائيل طوال الوقت، حتى وإن كان ذلك على حساب تعريض القوات الأميركية في المنطقة للخطر، وربما حتى تحفيز تنفيذ هجمات إرهابية مؤيدة لإيران داخل الولايات المتحدة.

وبحسب تقارير إعلامية حديثة، فقد شهدت مكالمة هاتفية بين الرئيس ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مشادة حادة، وذلك بعدما أعلن ترامب وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران مساء الإثنين.

كما اضطر مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية جون راتكليف إلى إجراء مكالمة مماثلة متوترة مع نظيره في جهاز الموساد الإسرائيلي بسبب انتهاك إسرائيل مرارا وقف إطلاق النار الذي أعلنه ترامب خلال الساعات التي تلت إعلانه.

ووفقا لرواية ترامب للأحداث الأخيرة، فإن الجيش الإسرائيلي خرق وقف إطلاق النار تقريبا بمجرد دخوله حيز التنفيذ، ما دفع إيران إلى تنفيذ موجة من الهجمات الانتقامية.

وهذا التطور دفع ترامب إلى الإدلاء بتصريح عفوي أمام الصحافيين صباح الثلاثاء، قال فيه إن فيه لا إسرائيل ولا إيران "يعرفان ما يفعلانه".

 لكن وايكيرت يقول إن الغضب الأكبر جاء من قادة إسرائيل وداعميها حول العالم، فرغم احتفال الأوساط المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة وخارجها بقرار ترامب دعم العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد إيران، وكذلك قراره استهداف منشآت إيران النووية بشكل مباشر، إلا أن هؤلاء أنفسهم انقلبوا عليه وبدأوا يشنون هجوما واسعا ضده على وسائل التواصل الاجتماعي فور إعلانه وقف إطلاق النار.

لطالما شعرت إسرائيل بتهديد إيران على مدار سنوات طويلة، ويرى قطاع عريض من القادة الإسرائيليين أن اللحظة قد حانت ليس فقط لتدمير المنشآت النووية الإيرانية وتقويض قدراتها، بل لإنهاء هذا التهديد بشكل نهائي، غير أن تحقيق هذا الهدف تحتاج إسرائيل إلى دعم عسكري أميركي، وهذا يتطلب دعما كاملًا من ترامب.

ويقول وايكيرت إنه هنا تكمن المشكلة، فالرئيس ترامب يدرك جيدا خطورة التصعيد، سواء على مصالح الولايات المتحدة أو على إرثه السياسي. ولهذا، فإن الرئيس الأميركي الـ47 يسعى لإيجاد طريق وسط، لا يقوم على استرضاء إيران، كما كان يتهم منتقدو الرئيس الأسبق باراك أوباما، ولا على التورط في حرب لتغيير الأنظمة في الشرق الأوسط، على غرار المستنقع الذي غرقت فيه إدارة الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش في العراق.

وقد أثبت ترامب للتو أنه قادر على صياغة هذا الخيار الثالث، ففي هجمات نهاية الأسبوع، نفذ ترامب ضربات محددة استهدفت المنشآت النووية الإيرانية، التي لا تهدد إسرائيل وحدها بل الولايات المتحدة أيضا، لكنه في الوقت ذاته قرن هذه الهجمات بدعوات إلى دبلوماسية حقيقية، ورغبة في إلزام جميع الأطراف بوقف إطلاق النار.

ويقول وايكيرت إنه يمكن للمرء أن يلمح لمسة من فلسفة ترامب في كتابه "فن الصفقة" في هذا النهج، لكن الصفقة التي يعقدها ترامب تترك إسرائيل في وضع صعب، فبمجرد اكتمالها، سيظل القادة الإسرائيليون يواجهون إيران أكثر تطرفا من أي وقت مضى، مع قدرة نووية مستعادة أصبحت أكثر خطورة في أعقاب الحرب الأخيرة. وهذا تحديدا ما تسعى إسرائيل جاهدة لتجنبه، ولهذا تدفع بلا توقف نحو التصعيد.

لكن الدخول في حرب شاملة مع إيران يعد أمرا مكلفا للغاية للولايات المتحدة في هذا التوقيت، ولذلك، وبصفتها الشريك الأكبر في هذا التحالف، تتوجه واشنطن نحو مسار ثالث ينسجم تماما مع رؤية ترامب القائمة على الصفقات.

ويرى وايكيرت أن هذا النهج لم يرض أحدا، فالصقور يشمون رائحة دم خامنئي في الماء ويريدون من ترامب أن يذهب أبعد من ذلك، أما الحمائم، فيرون أنه قد تجاوز الحدود بالفعل، بينما الإسرائيليون لا يقبلون بأقل من إسقاط النظام الإيراني بالكامل، وفي المقابل، فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، باعتبارها ثيوقراطية إسلامية متطرفة، أقل ميلا بكثير لفكرة "التعايش السلمي" حتى مما تبدو عليه إسرائيل.

ومع وجود لاعبين بهذه العقلية، يُعدّ التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار إنجازا شبه معجزة حققها ترامب وفريقه، لكن استياء جميع هؤلاء اللاعبين من تصرفات ترامب يُشير إلى أنه قد نجح في فك الشفرة الخاصة بالتعامل مع الشرق الأوسط.

ويقول وايكيرت إنه يكفي أن نعود إلى خطاب ترامب الشهير في الرياض، ففي ذلك الوقت، أعلن ترامب القطيعة مع التيار المحافظ الجديد في واشنطن، الذي ظل يهيمن على السياسة الخارجية الأميركية لعقود، واستغل نفوذه لجر أميركا إلى مغامرات عبثية في الخارج.

وأكد ترامب حينها أن تلك الأيام قد ولّت، وبدلا من ذلك، عرض نهجا جديدا يقوم على "التجارة بدلا من الصراع"، فبينما كان مستعدًا لاستخدام القوة عندما تستدعي الحاجة، لم يكن ليسمح بتكرار أخطاء أسلافه في إغراق الجيش الأميركي بحروب إسقاط الأنظمة ونشر الديمقراطية التي لا طائل منها.

 ومن خلال مقاومته لضغوط شركائه الإسرائيليين الغاضبين ورفضه في الوقت نفسه الخضوع للطموحات النووية الإيرانية، جدد ترامب التزامه بمبادئ عدم التدخل، التي ظل يروج لها على مدى ما يقارب عقدا من الزمن. وحتى الآن على الأقل، أثبت خطأ منتقديه الذين اتهموه بالتهور والزج بأميركا في حرب جديدة في الشرق الأوسط.

ويختتم وايكيرت تقريره بأن السؤال الأكبر يبقى: هل سيتمكن ترامب من الحفاظ على دعم إسرائيل لفترة كافية للوصول إلى نهاية أكثر ديمومة لهذا الصراع، تسمح للقوات الأميركية بالانسحاب بشكل أكبر من ساحة القتال؟ ويقول: "فقط الزمن هو الكفيل بالإجابة".