تركيا ترسخ نفوذها في المياه الليبية بتجميع المعلومات الجيولوجية عن النفط

رسالة تركية إلى اليونان في ظل التوتر بين أثينا وطرابلس.
الخميس 2025/06/26
في يد تركيا ما هو أخطر

إسطنبول- وقّعت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا الأربعاء مذكرة تفاهم مع شركة النفط التركية لإجراء دراسات جيولوجية في أربع مناطق بحرية ضمن المياه الليبية.

وبينما يقدم الاتفاق في العلن كترتيب تقني بحت، إلا أن توقيته ومضمونه يضعانه مباشرة في قلب التنافس الإقليمي المتصاعد بين تركيا واليونان، حيث تتحرك أنقرة بخطى ثابتة لتعزيز حضورها البحري في حين يشتد التوتر بين طرابلس وأثينا بسبب طرح الأخيرة مناقصات للتنقيب عن الغاز في مناطق بحرية قرب جزيرة كريت وهي مناطق تعتبرها ليبيا تابعة لها.

وينص الاتفاق الذي وُقّع في إسطنبول بحضور رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا مسعود سليمان ومدير مؤسسة البترول التركية أحمد تورك أوغلو، على تنفيذ مسح سيزمي ثنائي الأبعاد بطول 10 آلاف كيلومتر يمتد عبر أربع مناطق بحرية يعتقد أنها تقع في مناطق حساسة من الجرف القاري الليبي.

ويمنح الاتفاق الذي لم يعلن عن تفاصيله الدقيقة للرأي العام، الشركة التركية صلاحية جمع وتحليل البيانات الجيولوجية في واحدة من أكثر المناطق جدلا في شرق المتوسط، وسط غياب أيّ ضمانات واضحة بشأن ملكية البيانات أو حدود استخداماتها المستقبلية، الأمر الذي يطرح التساؤلات حول مدى استقلالية القرار الليبي .

من خلال تحكمها في دورة إنتاج البيانات من المسح إلى التحليل، تضع تركيا نفسها في موقع من يعرف ما لا تعرفه ليبيا عن بحرها

ويرى محللون أنه رغم أن الاتفاق الحالي لا يمنح تركيا امتيازات تنقيب أو استخراج، إلا أنه يضع في يدها ما هو أخطر، أي البيانات، لافتين إلى أن المعرفة الجيولوجية ليست مجرّد أرقام وتقارير بل أساس كل تخطيط مستقبلي لاستثمار الثروات البحرية، ومن خلال تلك المعلومات تستطيع تركيا لاحقا التأثير في القرارات الاستثمارية الليبية.

وبحسب هؤلاء فإن تركيا ومن خلال تحكمها في دورة إنتاج البيانات من المسح إلى التحليل، تضع نفسها في موقع من يعرف ما لا تعرفه ليبيا عن بحرها، غير مستبعدين أن تشهد ليبيا الفترة المقبلة نقاشات داخلية حول ما إذا كان هذا الاتفاق يشكل مساسا بالسيادة أم خطوة مهمة في ظل التحركات اليونانية.

أما القلق الأكبر في هذا الاتفاق فينبع من غياب الشفافية، حيث لا تفاصيل واضحة عن مواقع المناطق الأربع ولا عن الجهة الليبية التي ستشرف على سير العمل وتحليل البيانات.

وقالت المؤسسة الوطنية للنفط الليبية الأربعاء إنها وقعت مذكرة تفاهم مع مؤسسة البترول التركية لإجراء دراسة جيولوجية وجيوفيزيائية لأربع مناطق بحرية.

وأضافت الشركة الليبية في بيان أنه “تمت مناقشة إجراء مسح سيزمي ثنائي الأبعاد (10 آلاف كيلومتر طولي) ومعالجة البيانات الناتجة عن هذه المسوحات في مدة لا تتجاوز تسعة أشهر كحد أقصى.”

وذكرت المؤسسة الوطنية للنفط أن مراسم التوقيع جرت في إسطنبول بحضور رئيس مجلس إدارتها المهندس مسعود سليمان ومدير عام الشركة التركية أحمد تورك أوغلو. ولم تقدم المزيد من التفاصيل.

ويأتي التفاهم الليبي – التركي في وقت تتصاعد فيه حدة التوتر بين ليبيا واليونان حيث أعلنت الحكومة اليونانية قبل أيام عن طرح مناقصتين للتنقيب عن الغاز في مناطق بحرية قرب جزيرة كريت وهي مناطق تعتبرها ليبيا جزءا من مياهها الإقليمية بموجب اتفاق ترسيم الحدود البحرية الذي وقعته مع تركيا سنة 2019 والذي لا يعرف إذا كانت السلطات في شرق ليبيا قد غيّرت موقفها تجاهه بعد التقارب مع أنقرة.

وجاء الرد الليبي الرسمي على الخطوة اليونانية سريعا حيث اعتبرت طرابلس أن أثينا تنتهك السيادة الليبية عبر خطوات أحادية الجانب، لكن طرابلس رغم الاحتجاج، لا تملك أدوات ردع واضحة ما يعزز فرضية أن التعاون مع تركيا ليس فقط خيارا استثماريا بل ضرورة جيوسياسية لتحصين الثروات الليبية في وجه محاولات أثينا السيطرة عليها.

وتبعث تركيا برسائل سياسية إلى اليونان مفادها أن أنقرة موجودة شريكا علميا واقتصاديا وسياسيا ولن تسمح بعزلها من المشهد البحري الإقليمي خصوصا في ليبيا التي تمثل أحد آخر نقاط النفوذ التركي المفتوح عبر المتوسط.

 وكانت وزارة الخارجية بحكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية قد اعترضت على موافقة اليونان طرح عطاءات دولية للتنقيب عن الغاز في مناطق بحرية جنوب جزيرة كريت، مؤكدة أن بعض هذه المناطق يقع “في نطاق المناطق البحرية المتنازع عليها.”

ولاحقا استدعت الوزارة سفير اليونان في طرابلس نيكولاس غاربليس وسلمته مذكرة احتجاج على الخطوات اليونانية، لكن اللافت هو موقف السلطات شرق ليبيا حيث استدعت وزارة الخارجية التابعة لحكومة أسامة حماد بدورها القنصل اليوناني في بنغازي أغابيوس كالوغنوميس وسلّمته مذكرة احتجاج وهو ما يوحي أن الموقف الليبي هذه المرة موحد في مواجهة الأطماع اليونانية .

1