ترامب ينجح في جر الإيرانيين إلى التفاوض بعد الضربات

لاهاي (هولندا)- أبدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب قدرة كبيرة على المناورة بأن نجح في جر الإيرانيين إلى التفاوض مجددا بالرغم من مشاركة واشنطن بشكل مباشر في الحرب عن طريق توجيه ضربات لمنشآت نووية إيرانية، في وقت يقول فيه مراقبون إن ترامب لعب على الجانب النفسي للإيرانيين بحديثه عن “انتصار الجميع” في الحرب لمعرفته بأن ما يهم النظام في إيران هو الحديث عن “النصر” بقطع النظر عن الخسائر.
ويتزامن تخفيف الرئيس الأميركي من وقع الهزيمة على الإيرانيين مع تلويح الرئيس الإيراني مسعود بازشكيان بإصلاحات داخلية يعتبرها مراقبون محاولة للالتفاف على غضب الشارع الذي ازداد مع موجة القصف الإسرائيلية وعجز النظام عن حماية قادته ومنشآته النووية والصاروخية.
ومع كل تصريح، يظهر ترامب براعة في السيطرة على معنويات الإيرانيين، فهو تارة يشكرهم ويشيد ببلدهم وتارة ينتقد الإسرائيليين بحدة أو يساوي بين الطرفين في النصر أو الخروج مرهقين من المعركة، والهدف ألا يشعر الإيرانيون أنهم لوحدهم من خسروا ميدانيا كما تشير إليه التقارير العسكرية، خاصة بخسارة كبار قادتهم والمشتغلين في البرنامج النووي من علماء وخبراء.
الحديث عن الإصلاح أمر مسقط لأن النظام الذي يخرج من الحرب منهكا عادة ما يلجأ إلى القوة للتخويف حتى لا يتجرأ عليه الشارع
وأبدى ترامب سعادته بالنهاية السريعة للحرب بين إيران وإسرائيل وقال إنه يتوقع علاقة مع طهران من شأنها أن تحول بينها وبين إعادة بناء برنامجها النووي رغم عدم اليقين بشأن الأضرار التي ألحقتها الهجمات الأميركية بالمنشآت النووية الإيرانية.
وبينما يسعى الإيرانيون والإسرائيليون المنهكون والقلقون إلى استئناف حياتهم الطبيعية بعد أشد المواجهات على الإطلاق بين العدوين، ألمح الرئيس الإيراني إلى أن الحرب قد تؤدي إلى إصلاحات في الداخل.
وقال ترامب، متحدثا في لاهاي حيث يحضر قمة حلف شمال الأطلسي الأربعاء، إن قراره الانضمام إلى هجمات إسرائيل باستهداف مواقع نووية إيرانية بقنابل ضخمة خارقة للتحصينات أنهى الحرب واصفا الأمر بأنه “انتصار للجميع.”
وتجاهل تقييما مبدئيا لوكالة المخابرات التابعة لوزارة الدفاع الأميركية يفيد بأن مسار إيران نحو صنع سلاح نووي ربما يكون قد تأخر لأشهر فحسب وقال إن النتائج “غير قاطعة” وإنه يعتقد أن المواقع النووية دُمرت. وأشار “كانت (الأضرار) جسيمة جدا. كان تدميرا تاما.”
أما في إسرائيل، فقد أصدر مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تقييما صادرا عن الوكالة النووية الإسرائيلية يفيد بأن الضربات “أعاقت قدرة إيران على تطوير أسلحة نووية لسنوات عديدة.” ونشر البيت الأبيض التقييم الإسرائيلي.
وعبّر ترامب عن ثقته بأن طهران لن تحاول إعادة بناء مواقعها النووية وستنتهج بدلا من ذلك مسارا دبلوماسيا نحو تسوية الأمر. وقال “سأقول لكم، آخر ما يريدون فعله هو تخصيب أيّ شيء في الوقت الحالي. إنهم يريدون التعافي.” وأضاف أنه إذا حاولت إيران إعادة بناء برنامجها النووي “فلن نسمح بحدوث ذلك. أولا، لن نفعل ذلك عسكريا،” مضيفا “أعتقد أن الأمر سينتهي بإقامة علاقة ما مع إيران لضمان ذلك.”
وأدت حملة إسرائيلية بدأت بهجوم مباغت على إيران في 13 يونيو إلى مقتل عدد من كبار قادتها العسكريين ومن أبرز علمائها النوويين. وردت إيران بإطلاق صواريخ اخترقت دفاعات إسرائيل بأعداد كبيرة لأول مرة.
وقالت السلطات الإيرانية إن 610 أشخاص قتلوا وجرح ما يقرب من خمسة آلاف في إيران ولم يتسن التأكد من حجم الأضرار على نحو مستقل بسبب القيود الصارمة المفروضة على وسائل الإعلام. وقُتل 28 شخصا في إسرائيل.
وأعلنت كل من إيران وإسرائيل النصر، إذ قالت إسرائيل إنها حققت أهدافها في تدمير المواقع النووية والصواريخ الإيرانية، بينما قالت طهران إنها فرضت نهاية للحرب باختراقها الدفاعات الإسرائيلية خلال ردها على الهجمات.
بينما يسعى الإيرانيون والإسرائيليون إلى استئناف حياتهم الطبيعية بعد المواجهات، ألمح الرئيس الإيراني إلى أن الحرب قد تؤدي إلى إصلاحات في الداخل
لكن إظهار إسرائيل أن بإمكانها استهداف القيادة الإيرانية العليا على ما يبدو يشكل أكبر تحد على الإطلاق لحكام إيران في مرحلة حرجة يتعين عليهم فيها إيجاد خليفة للزعيم الأعلى علي خامنئي (86 عاما) الذي يتولى السلطة منذ 36 عاما.
وقال الرئيس مسعود بزشكيان وهو معتدل نسبيا انتخب العام الماضي فيما مثل تحديا لهيمنة المحافظين على مدى سنوات إن أجواء التضامن الوطني خلال الهجمات الإسرائيلية ستحفز الإصلاح الداخلي.
وأوضح في بيان نقلته وسائل الإعلام الرسمية “هذه الحرب وما عززته من تعاطف بين الشعب والمسؤولين فرصة لتغيير نظرة الإدارة وسلوك المسؤولين بما يمكنهم من بناء الوحدة.”
لكن المراقبين يرون أن الحديث عن الإصلاح السياسي في الداخل أمر مسقط لأن النظام الذي يخرج من الحرب منهكا عادة ما يلجأ إلى القوة للتخويف حتى لا يتجرأ عليه الشارع والمعارضة من خلال المظاهرات ورفع سقف المطالب، مرجحين أن يكون هدف النظام هو ربح الوقت لاستعادة أنفاسه.
وسارعت السلطات الإيرانية إلى إظهار سيطرتها. وأعلنت السلطة القضائية الأربعاء إعدام ثلاثة رجال أدينوا بالتخابر لصالح جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) وتهريب معدات استخدمت في عملية اغتيال. وذكر موقع نور نيوز التابع للدولة أن إيران اعتقلت 700 شخص بتهمة إقامة علاقات مع إسرائيل خلال الصراع.
وأشار نتنياهو وترامب علنا خلال الحرب إلى أنها قد تنتهي بإسقاط نظام الحكم الديني الإيراني بأكمله الذي تأسس في ثورة 1979.
لكن ترامب قال بعد وقف إطلاق النار إنه لا يريد أن يرى “تغييرا في النظام” في إيران لأن ذلك سيوجد فوضى في وقت يريد فيه استقرار الوضع.
اقرأ أيضا:
- الحرب مع إسرائيل تعكس هشاشة تحالفات إيران الدولية
- نجاح ترامب الدبلوماسي لا ينهي حالة عدم اليقين في الشرق الأوسط
- هل تقبل السعودية أن تتقاسم إيران وإسرائيل نفوذ شرق أوسط جديد
- خطاب النصر الإيراني: استعداء الخليج وتجنب الاشتباك مع إسرائيل
- إيران على طريق مجهولة
- ما هو السلام الذي ينشده ترامب