العجز في مواجهة المتشددين يختبر سلطة الشرع

 التحدي الأكبر اليوم أمام الشرع لا يقتصر على احتواء الغضب الشعبي بل يكمن في ترجمة الوعود إلى إجراءات صارمة.
الأربعاء 2025/06/25
أولوية التحدي الأمني

دمشق- يجد الرئيس السوري أحمد الشرع نفسه أمام امتحان حقيقي لسلطته ولقدرة الدولة على فرض هيبتها بعد الهجوم الدامي الذي استهدف كنيسة في دمشق الأحد، خاصة بعد تصريحات غاضبة من بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازجي طالب خلالها الحكومة بتحمل المسؤولية.

ولم يكن تصريح البطريرك مجرد تعبير عن الألم أو الحزن بل رسالة سياسية تؤكد أن الكنيسة باتت ترى أن صمتها لم يعد مقبولا أمام تكرار الاعتداءات وأن على الدولة الانتقال من الحديث عن حماية الأقليات إلى التطبيق.

ويعكس موقف البطريرك شعورا متزايدا لدى المكونات الدينية وخاصة المسيحيين بأن الدولة الجديدة لم تتمكن حتى الآن من الإمساك بزمام الأمن وكبح جماح المتشددين الذين يستغلّون الفراغات الأمنية والفوضى لفرض موقفهم الدموي والانتقامي وهو ما يضع الشرع أمام تحدي أن يكون رئيسا لكل السوريين وليس رئيسا لطائفة معينة فقط.

لم يكن قلق الكنيسة بمعزل عن مشاعر التوجس التي تخيّم على الأقليات الدينية في سوريا، ما عزز الشعور بأن السلطة الجديدة لم تقدم ضمانات حقيقية لحماية هذه المكونات

ولم يكن قلق الكنيسة الأرثوذكسية بمعزل عن مشاعر التوجس التي تخيّم على الأقليات الدينية الأخرى في سوريا، فالعلويون والدروز بدورهم قد وجدوا أنفسهم هدفا لهجمات متفرقة خلال الأشهر الماضية ما عزز الشعور بأن السلطة الجديدة لم تتمكّن بعد من فرض قبضتها الأمنية أو تقديم ضمانات حقيقية لحماية هذه المكونات.

ويقول مراقبون إن التحدي الأكبر اليوم أمام الشرع لا يقتصر على احتواء الغضب الشعبي أو طمأنة الكنيسة برسائل مجاملة، بل يكمن في ترجمة الوعود إلى إجراءات صارمة تعيد الاعتبار للدولة وهيبتها لافتين إلى أنه كلما تأخر الفعل ازدادت شرعية حكمه هشاشة أمام اختبار التعامل مع المتشددين وارتفع منسوب المخاوف من انزلاق البلاد نحو المزيد من الفوضى.

ويرى المراقبون أن ما يزيد الأمور تعقيدا هو أن الشرع منذ تسلّمه السلطة بدا منشغلا أكثر بترسيخ صورته على الساحة الدولية، عبر محاولات نسج تحالفات جديدة وتقديم نفسه كوجه إصلاحي قادر على إعادة سوريا إلى المجتمع الدولي، وهو ما كان على حساب الملفات الداخلية الملحة وفي مقدمتها ملف الأمن والتصدي للتشدد.

وقال بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، وهو أكبر رجل دين مسيحي في سوريا الثلاثاء خلال تشييع ضحايا التفجير الدامي الذي استهدف كنيسة في دمشق إن حكومة الشرع تتحمل مسؤولية عدم حماية الأقليات وإن تعازي الرئيس ليست كافية.

وقُتل ما لا يقل عن 25 مصلّيا يوم الأحد عندما فجر انتحاري نفسه داخل كنيسة مار إلياس في حي الدويلعة بالعاصمة دمشق، وهو أول هجوم من نوعه منذ سيطرة حكومة الشرع التي يقودها إسلاميون على السلطة في ديسمبر 2024 بعد الإطاحة بحكم عائلة الأسد.

oo

وحمّلت الحكومة السورية تنظيم الدولة الإسلامية مسؤولية هذا الهجوم الذي زاد من الشكوك بين الأقليات حول ما إذا كان بوسعهم الاعتماد على ضمانات الحكومة بالحماية.

وخلال مراسم الجنازة، قال يازجي “وبكل محبة، وبكل احترام وتقدير سيادة الرئيس، تكلمتم البارحة هاتفيا… لتنقلوا لنا عزاءكم. لا يكفينا هذا،” وسط تصفيق من الحضور.

وأضاف أن المسيحيين ممتنون لاتصال الرئيس الهاتفي لكن الجريمة التي وقعت أكبر من ذلك.

ما يزيد الأمور تعقيدا هو أن الشرع منذ تسلّمه السلطة بدا منشغلا أكثر بترسيخ صورته على الساحة الدولية

كان المسيحيون يشكلون نحو 10 في المئة من سكان سوريا الذين كان يبلغ عددهم 22 مليون نسمة قبل الحرب، لكن أعدادهم تقلصت بشكل كبير خلال الصراع الذي استمر 14 عاما، وذلك لأسباب أهمها الهجرة. ويقدر عدد المسيحيين الذين يعيشون الآن في سوريا ببضع مئات الآلاف فقط.

وقال يازجي إن الحكومة يجب أن تعطي الأولوية لحماية الجميع.

وفي إشارة إلى الهجوم على الكنيسة أضاف “ما يهمني، وسأقوله، هو أن الحكومة تتحمل كامل المسؤولية”.

وشارك المئات في المراسم الجنائزية التي أقيمت داخل كنيسة الصليب المقدس القريبة قبل دفن تسعة من القتلى الذين سقطوا في الهجوم. ووضعت الجثامين في توابيت بيضاء بسيطة مزينة بالورود البيضاء.

وحضرت وزيرة الشؤون الاجتماعية هند قبوات، وهي المسيحية الوحيدة والمرأة الوحيدة في الحكومة السورية الجديدة. وقال الشرع الاثنين إن الهجوم “أصاب جميع الشعب السوري” دون أن يستخدم كلمة “مسيحيين” أو “كنيسة”.

وقالت الحكومة إن قوات الأمن داهمت مخابئ لتنظيم الدولة الإسلامية في دمشق وريفها وقتلت اثنين من عناصره أحدهما قام بتسهيل دخول الانتحاري إلى كنيسة مار إلياس. ولم يصدر بيان عن تنظيم الدولة الإسلامية يعلن فيه مسؤوليته عن الهجوم.

1