أزمة بين المحامين والقضاة لا تحظى باهتمام المصريين

القاهرة - نظمت نقابة المحامين المصرية، الاثنين، احتجاجات أمام مقراتها الرئيسية والفرعية في كافة المحافظات، ضمن خطوة تصعيدية اعتراضا على فرض رسوم قضائية مستحدثة، ملوحة باعتصام وإضراب عن العمل داخل جميع المحاكم، حال عدم التراجع عن تلك الرسوم، والبحث عن أوجه أخرى لتحصيلها.
وغاب الاهتمام الشعبي عن الخطوات الاحتجاجية اللافتة، وتشكل أحد أوجه الاعتراض على ارتفاع رسوم الخدمات المقدمة للمواطنين، ضمن خطوات حكومية متتالية تسعى لخفض الدعم، مع اهتمام بالتطورات في الشرق الأوسط ومخاوف من انعكاسها على مصر، ما يجعل الاحتجاجات في سياق سجال بين المحامين والقضاة.
وأصدرت محكمة القضاء الإداري في مصر قبل أيام حكما بوقف تنفيذ قرار مجلس نقابة المحامين بعقد جمعية عمومية طارئة، كانت مقررة السبت الماضي، للتصويت على خطوات تصعيدية ضد الرسوم القضائية، واعتبرت المحكمة أن الدعوة “افتقرت للسبب القانوني”، واتهمت مجلس النقابة بـ”التهرب من اختصاصاته وورط الجمعية العمومية في صراع سياسي إداري لا يدخل ضمن نطاقها المشروع.”
وتعاملت نقابة المحامين مع تلك الخطوة باتخاذ إجراءات التفت على منع عقد الجمعية العمومية وقررت توزيع استطلاع رأي على النقابات الفرعية للتعرف على وجهة نظر أعضائها بشأن التحركات المقبلة، وعلى مدار يومين وقبل الدعوة لاحتجاجات شارك فيها مئات في مناطق متفرقة، بينها المقر الرئيسي للنقابة في وسط القاهرة.
ولم تحظ احتجاجات المحامين بدعم سياسي يشكل ضغطا على الجهات القضائية للتراجع عن قرارات زيادة الرسوم، وأن تنظيم المظاهرات غلب عليه الطابع الفئوي.
ومع أن المطالب تهم قطاعات واسعة من المصريين يلجأون إلى القضاء، لكن من الصعوبة أن تحدث تأثيرا في موقف مواطنين يرون أن هناك خطرا داهما يحيط بهم، بما انعكس على التحركات الاحتجاجية السابقة، ولم تلق احتجاجات، الاثنين، اهتماما.
وأقدمت نقابة المحامين على التصعيد من منظور مهني، وليس سياسيا، ما قوض حصولها على دعم من قوى حزبية معارضة لها مواقف مؤيدة للاحتجاج ضد الحكومة، في وقت انخفضت فيه أصوات المظاهرات ولم يعد من يدعون لها قادرون على جذب مشاركين يمثلون ضغطا حقيقيا.
وقال عضو مجلس نقابة المحامين حسام سعيد إن النقابة تدافع عن احترام القانون، وهناك مبدأ ينص على عدم فرض ضريبة أو رسوم إلا بناء على صدور قوانين يتم إقرارها من مجلس النواب، وصدور قرارات مفاجئة من محاكم الاستئناف يخالف ذلك، في حين أن الدولة من المفترض تسهل إجراءات التقاضي كحق مكفول للجميع.
وذكر سعيد في تصريح لـ”العرب” أن رسوم إجراءات التقاضي في محاكم الاستئناف ارتفعت بشكل مبالغ فيه وتهدد لجوء المواطنين إلى القضاء، في حال عدم قدرتهم المالية.
وأوضح أن النقابة سلكت جميع الطرق المشروعة لإيصال مطالبها، بدءا من التواصل مع وزير العدل ورؤساء محاكم الاستئناف وتقديم مناشدات لرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والبرلمان وكافة المختصين بالأزمة، لكن دون استجابة، وتعامل البعض مع المشكلة باعتبارها فئوية لتأثيرها على عمل المحامين أمر غير منطقي، وهناك رفض من جانب المحامين أن يتحولوا إلى وسيلة لجمع الأموال من المواطنين بلا وجه حق، وليس من المنطقي أن يرتفع سعر التقاضي من 5 آلاف جنيه إلى 20 ألف جنيه (الدولار= 50 جنيها).
وأكد أن استطلاعات الرأي التي جرى تقديمها للمحامين في النقابات الفرعية هدفها التعرف على وجهة نظرهم في الإجراءات التصعيدية المستقبلية بعد أن جرى استنفاد جميع الخطوات السلمية، بدءا من الوقفات الاحتجاجية والإضراب عن العمل والبحث عن سبل تفاوضية، وثمة خيارات أخرى، بينها تنفيذ اعتصامات داخل المحاكم والإضراب الكلي عن العمل، وسيتم الإعلان عن ماهية الخطوات المتخذة قريبا.
رسوم إجراءات التقاضي في محاكم الاستئناف ارتفعت بشكل مبالغ فيه وتهدد لجوء المواطنين إلى القضاء، في حال عدم قدرتهم المالية
وتعود الأزمة إلى مطلع مارس الماضي، حين أصدر رئيس محكمة استئناف القاهرة المستشار محمد نصر سيد، قرارا إداريا استحدث بموجبه رسوماً جديدة على “خدمات مميكنة”، واعتبر المحامون تلك القرارات تشكّل عبئا ماليا إضافيا غير دستوري وغير مستند إلى تشريع، بينما دافعت دوائر قضائية عن القرار كجزء من جهود تطوير العمل الرقمي داخل المحاكم.
واتخذت نقابة المحامين مسارا متدرجا في التصعيد، ونظمت وقفات احتجاجية أمام المحاكم لمدة نصف ساعة ثم ساعة، وبعد ذلك الامتناع عن توريد مبالغ مالية لخزائن المحاكم لمدة يوم واحد، وبعدها الامتناع من حضور جلسات محاكم الاستئناف ثم محاكم الجنايات.
ودعا مجلس نقابة المحامين منتصف مايو إلى عقد جمعية عمومية طارئة لمناقشة سبل التصعيد، واجهته بعض الهيئات القضائية برفض مباشر، قبل أن تفصل فيه محكمة القضاء الإداري بالحظر القضائي.
ولم تعد الأزمة محصورة بين النقابة والهيئات القضائية، وبدأت تظهر تداعياتها المباشرة على المتقاضين، الذين يواجهون صعوبات متزايدة في استخراج مستندات، أو إتمام إجراءاتهم القضائية.
ويرى حسام سعيد في حديثه لـ”العرب” أنه لا سبيل سوى التوجه نحو التصعيد بما يساهم في الحفاظ على انتظام عمل المحامين، مشددا على أن النقابة لن تكون خنجرا في ظهر الدولة مع اشتعال الأوضاع الإقليمية، وحال حدوث مشكلات أمنية على الحدود سوف يكون القرار مراجعة الإجراءات الحالية، مطالبا بضغوط مماثلة على محاكم الاستئناف للتراجع عن قرارها، مثلما هناك ضغوط حالية تمارس على المحامين، وأن مصلحة الدولة تقتضي وقف قرارات تقود لضغينة ومشكلات مجتمعية.
واعترف بأن الاهتمام الشعبي بالأوضاع الخارجية، أثر سلبا على الدعم، وما يجري اتخاذه من مواقف هدفه تسجيل رفض هذه الزيادات المجحفة، والتأكيد على أن المحامين شركاء للسلطة القضائية، مثلما نص الدستور المصري دون أن يكون المحامي تابعا، وهو أمر مرفوض ويتم التأكيد عليه من خلال الخطوات الاحتجاجية.
ووفق دراسة لـ”المرصد المصري للصحافة والإعلام”، أدت زيادة الرسوم القضائية خلال الأعوام الماضية إلى تراجع عدد الدعاوى القضائية المنظورة أمام المحاكم المصرية من 15 مليوناً عام 2019 إلى ما يقارب 11 مليون دعوى عام 2022.