مسار السلام بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني يقترب من منعطف نزع سلاح الحزب

حسم الصراع سلميا يكرس الوضع الجيد لتركيا كقوة إقليمية صاعدة مستفيدة من تحولات المنطقة.
الثلاثاء 2025/06/24
هل انتهى دوره وآن أوان تفكيكه

المؤشرات التي تلوح بشأن جدية عملية السلام بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني وإمكانية نجاحها تأتي ضمن العوامل الإيجابية التي تصب في مصلحة تركيا، وتكرّس وضعها الإقليمي الجيد كقوّة صاعدة في منطقتها بصدد الاستفادة من تراجع مكانة إيران على النفوذ في ساحات مجاورة وضعف حلفاء طهران في تلك الساحات.

أنقرة- تُقبل عملية السلام الجارية بين تركيا وحزب العمال الكردستاني على مرحلة حاسمة تتوقّع بعض المصادر أن تقطع العملية خلالها خطوات مفصلية باتجاه حسم الصراع المسلّح المتواصل بين الطرفين منذ أكثر من أربعة عقود الأمر الذي سيصبّ بشكل كبير في مصلحة أنقرة ويكرّس الوضع الإقليمي الجيد لتركيا الصاعدة كقوّة وازنة في محيطها مستفيدة من تراجع إيران منافستها على النفوذ في بلدان جوارها وارتخاء قبضة حلفاء طهران في تلك البلدان كما هي الحال في لبنان وسوريا، في مقابل تقدّم النفوذ التركي في العراق الذي لطالما مثّلت أراضيه ساحة رئيسية للصراع بين حزب العمال والقوات التركية.

وتحدّثت دوائر مهتمة بالمسار السلمي بين تركيا وحزب العمال الكردستاني عن قرب تخلّي الأخير عن السلاح وهي الخطوة الأهمّ في ذلك المسار والتي تصرّ عليها أنقرة بشكل رئيسي باعتبارها المظهر الوحيد لتغيير الحزب لسياسته واختياره العمل السياسي بديلا للعمل المسلّح.

وقال حسن أوكتاي رئيس مركز الدراسات الإستراتيجية للقوقاز “كافكاسام” إن حزب العمال الكردستاني سيتخلى عن السلاح في مطلع شهر يوليو القادم متوقّعا أن يتم الكشف قريبا عن الجدول الزمني للعملية.

حسن أوكتاي: مناقشة تفاصيل نزع سلاح الحزب جارية خلف الأبواب المغلقة

وجاء انطلاق المسار المذكور بحدّ ذاته كمظهر على استفادة تركيا من التغيرات العاصفة التي شهدتها المنطقة وتبدو مقبلة على أن تشهد المزيد منها، حيث لعب تغيّر الموقف العراقي الرسمي من الحزب ونشاطه داخل الأراضي العراقية دورا في تليين مواقف قيادته من السلام مع الدولة التركية التي بات نشاط قواتها ضدّ مقاتليه داخل الأرض العراقية يحظى بتسهيلات وحتّى بدعم من قبل الحكومة الاتحادية العراقية وحكومة إقليم كردستان العراق.

وتمتلك تركيا بحكم الوضع القائم في المنطقة وأحداثها المتسارعة مشروعية توسيع طموحها في العراق ليتجاوز مجرّد استخدام أراضيه ساحة لحسم الصراع مع حزب العمال إلى تأسيس نفوذ اقتصادي وسياسي أمني راسخ داخل ساحته على أنقاض نفوذ إيران المنشغلة بصراع شرس ومعقّد ضدّ إسرائيل والولايات المتحدة قد يفضي إلى إضعافها وانكماشها.

وفي ظل هذه المعطيات ترى السلطات التركية نفسها في موقف قوّة إزاء الحزب معلنة عدم إلغائها إمكانية العودة الفورية للخيار العسكري ضدّه، وهو ما تؤكّده عمليا المعطيات الميدانية على أرض الواقع والتي تظهر عدم حدوث أيّ تغييرات ذات أهمية على تموضع القوات التركية والأنشطة العسكرية والاستخباراتية داخل الأراضي العراقية.

وتحدث أوكتاي عن ظهور “معطيات من خلف الأبواب المغلقة” تشير إلى أنّ عملية تخلي حزب العمال عن سلاحه “ستدخل حيّز التنفيذ مع نهاية هذا الشهر،” مستدركا في تصريحات نقلتها عنه شبكة رووداو الإعلامية بالقول “ربما تكون العملية في بداية شهر يوليو،” مضيفا أنّه “سيتم التخلي عن السلاح وستُتخذ الخطوات اللازمة لهذا الغرض”.

وأشار رئيس “كافكاسام” إلى أن اللجان ستُشكّل لتولي عملية نزع السلاح لافتا إلى أنّ “الموقف الواضح والصريح لتركيا في هذا الشأن يتبلور أكثر فأكثر”.

وكانت وزارة الدفاع التركية قد أكّدت في وقت سابق متابعتها عن كثب للتطورات الميدانية بخصوص قرار حل حزب العمال ونزع سلاحه وتتخذ التدابير اللازمة في ضوء تطورات تنفيذ القرار.

وبالتوازي مع الحديث عن معطيات إيجابية بشأن مسار السلام بين تركيا وحزب العمال، حذّر أوكتاي من احتمالات تعطيل العملية منبها إلى وجود قلق من إمكانية دخول قوى خارجية على خطّ ذلك المسار وتعطيله سعيا لخلق تعقيدات لأنقرة، معتبرا أنّ الأخيرة أظهرت حسن نيتها وعزمها على طي الملف سلميا، ومؤكّدا أن جهود نزع سلاح الحزب “ستتواصل في الأيام المقبلة على أسس أكثر صلابة وشمولا،” وأنّ “المحادثات مستمرة من دون مشاكل تُذكر رغم أن الجوانب التقنية لا تزال قيد الدراسة، لاسيما ما يتعلق بتحديد أماكن مراكز جمع الأسلحة وكمياتها.”

كما حدّد رئيس المركز ما يجري حاليا في نطاق تلك العملية بأنّه عبارة عن “توثيق إحصائيات الأسلحة قبل أن تمضي العملية قدما وفق الجدول الزمني المعلن.” وأضاف متوقّعا أن “تستمر العملية حتى نهاية هذا الشهر أو الأسبوع الأول من يوليو. وعندها سنرى عملية وضع السلاح وتنفيذ الالتزامات الثنائية بشكل أوضح”.

◄ وزارة الدفاع التركية أكّدت في وقت سابق متابعتها عن كثب للتطورات الميدانية بخصوص قرار حل حزب العمال ونزع سلاحه وتتخذ التدابير اللازمة في ضوء تطورات تنفيذ القرار.

وعن موقف الطرفين المعنيين بالعملية، تركيا وحزب العمال، قال أوكتاي إنّ كليهما يراقبان ما يجري “بصمت ومن دون إعلان للرأي العام مع استمرار المحادثات بينهما لحل الإشكالات التي قد تطرأ،” مشيرا إلى أنّ “جهودا تُبذل لضمان استمرارية العملية من دون انقطاع، في ظل الظروف غير الطبيعية التي خلقتها إسرائيل في المنطقة.” في إشارة إلى الحرب الدائرة بين إيران والدولة العبرية.

وأعلنت أنقرة عن موقفها المبدئي من تلك الحرب التي حمّلت مسؤولية اندلاعها للجانب الإسرائيلي والتي أدانها الخطاب الرسمي التركي بأشدّ العبارات، دون أن يخفي ذلك حقيقة أن بإمكان تركيا تجيير انشغال إيران بالصراع لمصلحتها وجني فوائد منه، بعضُها ذو طبيعة آنية عاجلة والبعض الآخر إستراتيجي بعيد المدى.

وكان حزب العمال قد أعلن في مايو الماضي قراره إنهاء أكثر من أربعين سنة من المواجهة العسكرية وحرب العصابات ضد القوات التركية وذلك بحل نفسه وإلقاء السلاح استجابة لدعوة مؤسسه وزعيمه عبدالله أوجلان المسجون في تركيا.

ويقول متابعون للملف إنّه ما يزال من المبكر الحديث عن نتائج سياسية وأمنية فورية للقرار الذي ما يزال يفتقر إلى التفاصيل العملية والخطوات الإجرائية، كما لا يتوقع أن تبادر تركيا باتخاذ خطوات على الأرض في ضوئه ومن ذلك تعديل إجراءاتها العسكرية والأمنية والاستخباراتية في مواجهة مقاتلي الحزب داخل أراضي العراق والتي اتخذوا منها على مدى عقود من الزمن موطنا لخوض حربهم الطويلة ضد الجيش التركي.

وعلى مدى سنوات طويلة أسست تركيا وجودا عسكريا مهمّا لها في عدد من مناطق شمال العراق وأقامت بنية تحية عسكرية، ووسّعت خلال السنوات الأخيرة ذلك الوجود كمّا ونوعا وامتدادا جغرافيا مستفيدة من حالة الوفاق بشأن مواجهة حزب العمال مع السلطة الاتحادية العراقية وكذلك مع سلطات الحكم الذاتي في إقليم كردستان العراق، الأمر الذي مثل دائما مصدر قلق ومثار احتجاج واعتراضات قوى عراقية شيعية بالأساس معروفة بموالاتها لإيران، ومتوجسة بالنتيجة من توسع النفوذ التركي في العراق والذي تعتبره خصما من رصيد النفوذ الإيراني في البلد.

وعملت القوات التركية بلا هوادة على محاولة اجتثاث مقاتلي حزب العمال خصوصا من أماكن تواجدهم الرئيسية في المناطق الجبلية شديدة الوعورة في كردستان العراق، وبادرت لأجل ذلك بإقامة عدد كبير من القواعد والنقاط العسكرية وربطها بشبكة من المسالك الممتدة أيضا صوب الأراضي التركية.

وبينما يصعب تحديد عدد مقاتلي حزب العمال الكردستاني المنتشرين في الأحراش والمناطق الوعرة وكميات السلاح التي بحوزتهم، تقدّر مصادر عسكرية واستخباراتية عدد المواقع العسكرية التركية بشمال العراق بأكثر من ثمانين موقعا تضم حوالي خمسة آلاف فرد بين جنود وضباط.

3