التضييق يخرج المعارضة البرلمانية الجزائرية عن صمتها

تغول نفوذ الجهاز التنفيذي أفقد الدستور قدسيته التشريعية.
الثلاثاء 2025/06/24
غلق سياسي وإعلامي ممنهج

الجزائر - لجأ عدد من نواب البرلمان الجزائري إلى المحكمة الدستورية، طلبا لقراءة دستورية سليمة لأحد البنود، الذي تعتمده المؤسسات الرسمية في كتم صوت المعارضة ومنعها من أداء دورها الطبيعي، وحجب آليات التعبير عنها في وسائل الإعلام.

ويبدو أن المناخ السياسي والحقوقي، الذي يبقى محل انتقاد الفعاليات غير المعترف أو المرخص لها، قد خيم على المعارضة التي اختارت مشاركة السلطة مسارها منذ العام 2019.

ورفع عدد من النواب بالمجلس الشعبي الوطني، ينتمون إلى كتل حزبية معارضة إخطارا نيابيا للمحكمة الدستورية، بشأن ما وصفوه، بـ”سوء تطبيق”، المادة 116 من دستور 2020 التي تكرس حقوق المعارضة البرلمانية، الأمر الذي يعكس حالة امتعاض من المناخ السياسي السائد داخل الهيئة التشريعية، وهيمنة الجهاز التنفيذي على آليات العمل الداخلي.

واستفسر النواب الموقعون على الإخطار، عن “الضمانات القانونية والمؤسساتية الفعلية التي تكرّسها المادة 116 لضمان مشاركة المعارضة في العمل التشريعي، وعن القيود أو الاستثناءات الضمنية إن وُجدت على هذا الحق، والتي لم تُدرج صراحة ضمن النص الدستوري، وعن مدى إجازة الدستور لتقييد حق مضمون دون سند صريح.”

وتساءلوا، عن “الآثار القانونية المترتبة على تعطيل مقتضيات دستورية واضحة، وهل يعتبر هذا السلوك إخلالًا بعلوية الدستور وخرقًا لمبدأ الالتزام بالمشروعية، والإجراءات التصحيحية التي ينبغي اتخاذها لضمان احترام الآجال والحقوق التي يقرها الدستور، خصوصًا في ظل تقاعس المؤسسات الداخلية عن تفعيلها طوعا.”

نواب جزائريون اشتكوا من تحول مكتب المجلس الشعبي، إلى إدارة معرقلة لنشاطات ومبادرات النواب

وتهيمن أحزاب السلطة على الأغلبية داخل البرلمان الجزائري، غير أن ذلك لم يمنع كتلة حركة مجتمع السلم، وبعض النواب المستقلين، من إبداء مواقف معارضة للعديد من المشاريع الحكومية، كما هو الشأن بالنسبة لقانون المناجم الجديد، الذي دعا كل من حزب العمال وجبهة القوى الاشتراكية إلى سحبه تماما، بدعوى تفريطه في السيادة الوطنية على الثروات الباطنية للبلاد، بعدما تنازل عن سقف مساهمة الرأسمال الوطني إلى حدود الـ20 في المئة.

ويبدو أن الإخطار الذي رفع إلى المحكمة الدستورية، يترجم حالة الغلق السياسي والإعلامي المنتهجة في البلاد منذ العام 2019، وأن مناخ التضييق لم يعد يقتصر على المعارضة الناشطة خارج المؤسسات، بل امتد إلى الفعاليات التي اختارت المشاركة في مسار السلطة الانتخابي. 

وطرح الإخطار فرضية مراجعة جديدة للدستور أو تعديل بعض مواده لضمان عدم خرقه من خلال ممارسات سياسية أو مؤسساتية ملتوية؟ لكنه لم يستبعد تعذر ذلك في الظرف الراهن، ولذلك تساءل عن الآليات الدستورية والقضائية الكفيلة بفرض احترام النصوص القائمة، ومدى قدرة المحكمة الدستورية على فرض تطبيق النصوص الدستورية بقوة أحكامها.

كما استعرض جملة من الإشكالات التي باتت تعيق تطبيق دستور البلاد، على غرار ما أسماه، بـ”وسائل الطعن القانونية المتاحة أمام نواب المعارضة في حالات التعسف أو التأخير المتعمد في تطبيق المادة 116، والسبيل الضامن لتنفيذ النصوص الدستورية عمليا، خاصة في حالات امتناع المؤسسات المعنية عن التفاعل الجاد مع الالتزامات الدستورية.”

واشتكى النواب، من تحول مكتب المجلس الشعبي الوطني، إلى إدارة معرقلة لنشاطات ومبادرات النواب، ولذلك طالبوا المحكمة، بإلزامه باحترام المبادرات البرلمانية للمعارضة، كطلبات تشكيل لجان التحقيق، أو مقترحات القوانين، أو الاستجوابات، وضمان إدراجها ضمن أجندة العمل البرلماني في آجال معقولة، دون ربطها بمراجعات داخلية مشروطة بأغلبية لا تملكها المعارضة أصلا.

مناخ التضييق لم يعد يقتصر على المعارضة الناشطة خارج المؤسسات، بل امتد إلى الفعاليات التي اختارت المشاركة في مسار السلطة الانتخابي

وتذكر المادة 116، من الدستور الجزائري، بأنه “تتمتع المعارضة البرلمانية بحقوق تُمكنها من المشـاركة الفعلية في الأشغال البرلمانية وفي الحياة السياسية، لاسيما منها: حرية الرأي والتعبير والاجتماع، والاستفادة من الإعانات المالية بحسب نسبة التمثيل في البرلمان، والمشاركة الفعلية في الأعمال التشريعية ومراقبة نشاط الحكومة، وتمثيـل يضمـن لهـا المشاركة الفعلية في أجهزة غرفتي البرلمان، لاسيما رئاسة اللجان بالتداول، وإخطار المحكمة ا لدستورية، طبقا لأحكام الفقرة 2 من المادة 193 من الدستور، والمشاركة في الدبلوماسية البرلمانية.”

وتضيف: “تخصص كل غرفة من غرفتي البرلمان جلسة شهرية لمناقشة جدول أعمال تقدمه مجموعة أو مجموعات برلمانية من المعارضة، يحدد النظام الداخلي لكل غرفة من غرفتي البرلمان كيفيات تطبيق هذه المادة.”

وسرد الإخطار، جملة من الأسباب التي دفعت أصحابه للجوء إلى المحكمة الدستورية، والتي تندرج في المناخ السياسي والإعلامي المغلق في البلاد، مقابل تغول نفوذ الجهاز التنفيذي، مما جعل الرسالة النيابية محل شك مضاعف لدى الشارع الجزائري، المنفصل أصلا عن الاهتمام بالشأن العام. 

وأضاف أن “سوء تأويل وتطبيق المادة 116 من الدستور، أدى إلى تهميش دور المعارضة، وخرق مبدأ التوازن بين السلطات، وتعسف في استخدام الصلاحيات من قبل الأغلبية في مكتب المجلس.”

كما أفضى إلى جملة من الممارسات المخالفة للدستور، على غرار المساس بحرية التعبير والاجتماع للمعارضة، وتدخلات بعض الوزراء لمصادرة حرية تعبير النواب، ونشر الردود الحكومية عبر الإعلام بدل الإجابة تحت قبة البرلمان، ومنع بث مداخلات لنواب المعارضة.

ولفت إلى أن سوء التأويل والتطبيق للمادة المذكورة، أدى إلى رفض مكتب المجلس إحالة تعديلات نواب المعارضة إلى اللجان المختصة، وتجاوز المكتب لصلاحياته بتقييم المضمون بدلًا من الشكل، وتهميش المبادرات البرلمانية لنواب المعارضة، وإقصاء نواب المعارضة من فرص الدبلوماسية البرلمانية، ورفض غير مبرر لمشاركة نواب المعارضة في عدة مهام خارجية، وحرمانهم من التمثيل الدولي دون أسباب قانونية.

4