تضييق الخناق على منافذ إمدادات الجيش يغيّر موازين القوى بالسودان

قوات الدعم السريع تملك سيطرة على مناطق حدودية إستراتيجية، بما يشي بأنها تتبع خطة للتواجد في الأطراف وقطع الإمدادات بشكل يسهل إعادة الانتشار في الداخل.
الاثنين 2025/06/23
قطع الطريق على إمدادات الجيش

الخرطوم- ضيّقت قوات الدعم السريع الخناق على منافذ إمدادات الجيش السوداني بسيطرتها على مواقع إستراتيجية قرب المثلث الحدودي بين السودان وليبيا ومصر، ما يقطع الطريق على وصول المساعدات العسكرية للقوات المشتركة المتمركزة بالفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، ويضع المزيد من الضغوط أمام قوات الجيش التي تخوض معارك صعبة في ولاية غرب كردفان.

ومن شأن هذه التطورات أن تقلب موازين القوى العسكرية التي تميل إلى صالح الجيش منذ نجاحه في السيطرة على الخرطوم مؤخرا.

وفرضت قوات الدعم السريع سيطرتها الكاملة على قاعدة “الشفرليت” العسكرية، وتتواجد في موقع إستراتيجي شمالي البلاد، وفي قلب صحراء السودان من الجهة الشمالية الغربية، وعندها تلتقي حدود السودان مع كل من مصر وليبيا، في خطوة تهدف إلى إحكام السيطرة على الممرات الحدودية الصحراوية.

أيوب نهر: الصراع في المثلث الحدودي له بعد دولي
أيوب نهر: الصراع في المثلث الحدودي له بعد دولي

كما سيطرت الدعم السريع على مناطق كرب التوم، العوينات، العطرون، المالحة، وهي مناطق على تخوم الولاية الشمالية التي تستعد لاجتياحها في الأيام المقبلة، ما انعكس على أوضاع الولاية التي تشهد حالة من الذعر والخوف بين المواطنين.

وأنشئت قاعدة “شفرليت” عام 2014 بواسطة عناصر الدعم السريع، وتحولت إلى نقطة ارتكاز أمنية وخدمية مهمّة، وتم حفر آبار مياه ومخيمات طبية، ومنشآت لإغاثة التائهين في الصحراء، ما منحها أهمية في حفظ الأمن الإقليمي على حدود الدول الثلاث، قبل أن تنسحب منها مضطرة وتمكن الجيش من السيطرة عليها.

وتكمل سيطرة الدعم السريع على القاعدة ما حققته في الأيام الماضية من تقدم عسكري في بعض المناطق بشمال وغرب البلاد، وهو ما يجعل الجيش أمام خيارات صعبة بشأن توزيع قواته بين مناطق سيطر عليها ويسعى إلى تحصينها خوفا من حدوث هجمات مرتدة وخسارتها مجددا، أو الدفع بعناصر تشكل إسنادا ودفاعا متقدما عن المناطق التي يسيطر عليها الجيش في كردفان والولاية الشمالية.

وتملك قوات الدعم السريع سيطرة على مناطق حدودية إستراتيجية، بما يشي بأنها تتبع خطة للتواجد في الأطراف وقطع الإمدادات بشكل يسهل إعادة الانتشار في الداخل، بخاصة أن لعناصرها تواجدا في أماكن قرب تشاد وأفريقيا الوسطى وليبيا ومصر، ما يعني أن ما يحدث هو حصار للجيش، والتحضير لشن معارك برية عليه قد تكون صعبة.

وقال المحلل السياسي السوداني أيوب نهر، إن تفوق الدعم السريع قرب الحدود له دلالات عديدة على المستويين الأمني والاقتصادي، لأن منطقة المثلث الحدودي ذات أهمية كبيرة لوصول الإمدادات إلى شمال دارفور، وتسهل توغل الدعم السريع إلى الولاية الشمالية، لكنها قد تفضي إلى منع وصول المواد الغذائية والوقود للمواطنين.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أنه مع السيطرة على المثلث الحدودي والمناطق الإستراتيجية المحيطة به، يصبح الطريق ممهدا أمام الدعم السريع للوصول إلى الولاية الشمالية وولاية نهر النيل، ويبقى الطريق واصلا للعودة إلى أم درمان، ولن تجد الإمدادات التي تعتمد عليها القوات المشتركة في شمال دارفور مسارا للوصول، ما يشكل ضغطا ويصّعب عملية فك الحصار، ويمكن الدعم السريع من السيطرة.

ولفت إلى أن القوات المشتركة هي الخاسر الأكبر من سيطرة الدعم السريع على هذه المناطق، لأن بعض الحركات المسلحة المؤيدة للجيش تعتمد على الإمدادات الواردة من منطقة المثلث، وعلاقتها متدهورة مع دولة تشاد، ما يعني صعوبة الاعتماد على وصول الدعم عبر الحدود التشادية القريبة من شمال دارفور.

وذكر أن الصراع في المثلث الحدودي له بعد دولي، مع وجود مصلحة لدى دول معينة لتهديد الأمن القومي لدول محيطة بالسودان، في مقدمتها مصر وليبيا، وقد يتم توظيف الفوضى المتوقعة في تلك المنطقة من قبل عناصر إسلامية متطرفة لها تواجد في كل من ليبيا والسودان، مع عدم القدرة التامة على ضبط الحدود وتأمينها.

تعرض الجيش لخسائر إبان معارك دارت في الخوي منتصف مايو الماضي، أجبرته على الانسحاب وإعادة التموضع في القاعدة العسكرية الرئيسية في مدينة الأبيّض

وتشير تقارير سودانية إلى أن المنطقة القريبة من قاعدة “شفرليت”، شهدت نشاطا مكثفا لعصابات تهريب البشر والأسلحة والمخدرات، وتسلل عناصر تابعة لتنظيمات إرهابية قادمة من غرب أفريقيا، بعد انسحاب الدعم السريع منها سابقا بسبب الحرب.

وحققت قوات الدعم السريع انتصارات متعددة على الجيش في إقليم كردفان، وسيطرت على غالبية محليات ومدن وبلدات في ولايتي جنوب غربي الولاية، وفرضت حصارا شديدا على مدينة الأبيّض من محاور عدة في محاولة للتوغل فيها.

ودارت معارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مدينة بابنوسة بولاية غرب كردفان (جنوب غربي البلاد)، وسط أنباء عن توغل كبير لعناصر الدعم السريع وتطويق اللواء 89، وهو أكبر فرق الحامية العسكرية للجيش في المدينة.

وحسب أيوب نهر، وهو مستشار سياسي سابق لقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، فإن المعارك التي خسرها الجيش في ولاية شمال كردفان كانت مفصلية وعدّت تكسير عظام بين الدعم السريع وبين الجيش والقوات المشتركة، غير أن الخسائر الأكبر كانت في صفوف الجيش، وبعد نحو شهر من هذه المعارك لا توجد ردة فعل واضحة لاستعادة هذه المناطق، بل إن القوات المشتركة انسحبت من منطقة المثلث الحدودي بلا معارك، وفقدان الآلاف من المقاتلين.

وأشار في حديثه لـ”العرب” إلى وجود مشكلات سياسية داخل تحالف الجيش، ظهرت معالمها في وجود اعتراضات على حل الحكومة السودانية وتمثيل الحركات في الوزارات الجديدة، في حين أن خطة رئيس الوزراء كامل إدريس تتجه نحو الاستعانة بتكنوقراط وكفاءات، ويمكن القول إن الانسحاب من المثلث الحدودي كان رسالة اعتراض إلى الجيش من بعض الحركات المسلحة، وهو يواجه صعوبات في التعامل مع الوضع الراهن مع ضغوط تطالبه بالتخلي عن التعاون مع الإسلاميين المسيطرين على مفاتيح القرار داخل صفوفه.

وتعرض الجيش لخسائر إبان معارك دارت في الخوي منتصف مايو الماضي، أجبرته على الانسحاب وإعادة التموضع في القاعدة العسكرية الرئيسية في مدينة الأبيّض.

 

اقرأ أيضا:

        • القوى السياسية السودانية تنتقد المواقف "العدائية" لرئيس الوزراء المكلف

1