لبنان أمام اختبار صعب للنأي بالنفس عن الصراع بين إسرائيل وإيران

تسود حالة من الترقب الممزوجة بالقلق داخل الأوساط الرسمية والشعبية في لبنان، من مآلات المواجهة المفتوحة بين إسرائيل وإيران وانخراط الولايات المتحدة فيها بشكل مباشر.
بيروت - تثير التطورات المتسارعة في الصراع الدائر بين إيران وإسرائيل، ودخول الولايات المتحدة بشكل مباشر على الخط، مخاوف متزايدة لدى القيادة السياسية في لبنان من أمكانية إقدام حزب الله على خطوة “غير محسوبة” تجر البلاد لحرب جديدة لن تكون كسابقاتها.
ومنذ تفجر الأحداث في المنطقة، حرص المسؤولون اللبنانيون على إيصال رسائل لحزب الله من مغبة المغامرة بالانخراط في المواجهة، لكن من غير المرجح أن يلتزم الحزب بذلك في حال أمرته إيران بالتحرك.
وحذر الرئيس اللبناني جوزيف عون، الأحد، من أن التصعيد الأخير للمواجهات بين إيران وإسرائيل “يزيد المخاوف من اتساع رقعة التوتر” في المنطقة.
جاء ذلك في بيان نشرته الرئاسة اللبنانية عقب شن الولايات المتحدة هجوما استهدف ثلاث مواقع نووية في إيران، هي منشآت فوردو ونطنز وأصفهان.
وقال البيان إن “التصعيد الأخير للمواجهات الإسرائيلية – الإيرانية والتطورات المتسارعة التي ترافقها ولاسيما قصف المنشآت النووية الإيرانية، من شأنه أن يرفع منسوب الخوف من اتساع رقعة التوتر على نحو يهدد الأمن والاستقرار في أكثر من منطقة ودولة.”
وطالب بـ”ضبط النفس وإطلاق مفاوضات بناءة وجدية لإعادة الاستقرار إلى دول المنطقة وتفادي المزيد من القتل والدمار لاسيما أن هذا التصعيد يمكن أن يستمر طويلا.”
وناشد عون، وفق البيان، “قادة الدول القادرة على التدخل لوضع حد لما يجري قبل فوات الأوان.”
وتابع البيان “لبنان، قيادة وأحزاباً وشعباً، مدرك اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أنه دفع غالياً ثمن الحروب التي نشبت على أرضه وفي المنطقة وهو غير راغب في دفع المزيد ولا مصلحة وطنية في ذلك، لاسيما أن كلفة هذه الحروب كانت وستكون أكبر من قدرته على الاحتمال.”
ولم يطوِ لبنان بعد صفحة المواجهة الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل التي اندلعت في الثامن من أكتوبر 2023، وتحولت إلى حرب واسعة في 23 سبتمبر 2024، مخلفة أكثر من 4 آلاف قتيل ونحو 17 ألف جريح ودمار واسع.
ورغم سريان اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله في 27 نوفمبر 2024، إلا أن إسرائيل ارتكبت آلاف الخروقات له، خلّفت ما لا يقل عن 216 قتيلا و508 جرحى.
وينقسم الموقف اللبناني بين تصريحات رسمية تتمسك بعدم التورط في حرب إسرائيل على إيران والتزام الحياد، وخطاب عسكري يفتح الباب أمام احتمال اندلاع مواجهة جديدة.
ومنذ 13 يونيو، تشن إسرائيل هجوما على إيران استهدف منشآت نووية وقواعد صاروخية وقادة عسكريين وعلماء نوويين، وردت طهران بإطلاق صواريخ باليستية وطائرات مسيرة باتجاه العمق الإسرائيلي، في أكبر مواجهة مباشرة بين الجانبين.
وقال الصحافي اللبناني طوني عيسى، إن بلاده تعيش حالة من الترقب إزاء تطور الهجوم الإسرائيلي على طهران. وتابع “حتى الآن لم تظهر النتائج أو الترددات المحتملة على المنطقة ككل وعلى لبنان، لذلك يبقى هناك مجال للانتظار لأي سيناريوهات سوف يقبل عليها الوضع العسكري والوضع السياسي بين إيران وإسرائيل وبين إيران والولايات المتحدة والغرب إذا دخلت قوات أخرى في مرحلة لاحقة.”
الموقف اللبناني ينقسم بين تصريحات رسمية تتمسك بعدم التورط في حرب إسرائيل على إيران والتزام الحياد، وخطاب عسكري يفتح الباب أمام احتمال اندلاع مواجهة جديد
واتفق مع عيسى، المحلل السياسي اللبناني توفيق شومان، الذي قال إن البلاد تعيش “حالة ترقب ممتزجة بمسار الحرب ونتائجها،” لافتا إلى وجود مخاوف من توسيع الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، خصوصا أن تل أبيب لم تلتزم بوقف إطلاق النار المعلن في 27 نوفمبر الماضي.
أما الصحفي والمحلل السياسي قاسم قاسم، فقال إن الحرب الإسرائيلية على إيران انعكست سلبا على القطاع الاقتصادي بلبنان، إذ أثرت على الموسم السياحي الذي كان ينتظره البلاد في هذا الصيف.
وعلى غرار الدول المحيطة، تأثرت حركة الملاحة الجوية في بيروت بسبب الصواريخ الإيرانية حيث ألغت العديد من شركات الطيران رحلاتها الجوية من وإلى مطار بيروت، كما أُعيدت جدولة مواعيد رحلات أخرى لأسباب أمنية.
كما ألقى التصعيد بظلاله السلبية على الجانب الاجتماعي في لبنان، حيث تسيطر “حالة من الخوف” على اللبنانيين وسط احتمال دخول بلادهم في حرب جديدة ضد إسرائيل، وفق قاسم.
في لبنان، تتباين المواقف إزاء الانحياز إلى إيران من عدمه، حيث يؤكد الموقف الرسمي على سياسة “النأي بالنفس،” إلا أن حزب الله أعلن انحيازه لطهران.
وقال عيسى إن “حزب الله حتى الآن اعترف بأن للدولة اللبنانية قرار الحرب والسلم،” لكن من المجهول معرفة إذا كان الحزب “سيعيد النظر في هذا المسألة.”
وأشار إلى أن “القرار في لبنان حتى الأمس القريب (قبل المواجهة مع إسرائيل) لم يكن في يد الحكومة اللبنانية، بل كان حزب الله هو الذي يقرر في هذه المسألة.”
حزب الله في الوقت الحالي يلتزم بقرار لبنان الرسمي وهو إعطاء الدولة فرصتها للحل الدبلوماسي، في ما يتعلق باحتلال إسرائيل لمناطق في جنوب لبنان
وأكد على أن مهمة حماية لبنان هي “مسؤولية الدولة”، معبرا عن اعتقاده أنه في حال تم “حسم المعركة في الإقليم وتبين أن الحلف الذي ينتمي إليه حزب الله (إيران) والذي يقاتل تحت غطائه انتهي دوره، فهذا قد يؤدي إلى انتهاء دور الجماعة عاجلا أو آجلا،” وفق قوله.
من جانبه، قال شومان إن “سياسة إبعاد لبنان عن تداعيات الحرب مسألة متفق عليها بين القوى السياسية اللبنانية، فالخشية ليست من دخول لبنان الحرب، بل من إعلان إسرائيل الحرب على البلاد، وهنا مكمن الخطر.”
بدوره، اعتبر قاسم أن ما يجري في المنطقة “أكبر من لبنان، فما يحدث هو إعادة ترسيم الشرق الأوسط.”
وتابع “حاليا ما يجري في إيران هدفه إسقاط النظام الإسلامي، وحدث مثل هذا ستكون له ارتدادات في كل المنطقة وليس لبنان حصرا.”
وعبر عن اعتقاده بضرورة مساهمة لبنان في حملات دبلوماسية من أجل “إقناع القوى الغربية للضغط على إسرائيل لوقف الحرب،” وللتحذير من مخاطر انزلاق المنطقة لحرب أوسع.
واعتبر قاسم أن دخول الولايات المتحدة يزيد من احتمالية مشاركة الحزب في الحرب وذلك لارتباطه “العقائدي والديني” مع إيران.
وقال قاسم “حزب الله لا يزال يملك القدرة العسكرية للانخراط في الحرب، كما يملك الحافز للمشاركة خاصة إذا تعرض النظام الإسلامي في إيران لتهديد وجودي.”
وأشار إلى أن حزب الله في الوقت الحالي يلتزم بقرار لبنان الرسمي وهو إعطاء الدولة فرصتها للحل الدبلوماسي، في ما يتعلق باحتلال إسرائيل لمناطق في جنوب لبنان.
لكنه استبعد بقاء الأمر على حاله في حال تعرض النظام الإيراني لخطر الزوال، حيث اعتقد أن الحزب “لن يلتزم بقرار لبنان الرسمي.”
وفي آخر تصريح لأمين عام “حزب الله” نعيم قاسم، قال إننا “لسنا على الحياد في حزب الله بين حقوق إيران المشروعة واستقلالها وبين باطل أميركا وعدوانها، ونتصرفُ بما نراه مناسبا في مواجهة العدوان الإسرائيلي الأميركي على إيران.”