مرصد الصحافة والحق في الإعلام مبادرة تونسية لرفع ثقة الجمهور في الإعلام

المنصة الرقمية تسعى إلى تعزيز الشفافية وتوفير معطيات موثوقة وتحسين أداء الصحافيين.
الاثنين 2025/06/23
بحث مستمر عن الحقائق

يطمح العاملون في قطاع الإعلام التونسي والقائمون عليه لرفع منسوب الثقة به بعد تدنيها إلى مستويات قياسية، وذلك من خلال إطلاق مبادرات لتحسين جودة الإعلام وتطوير القطاع وهو ما يهدف إليه مرصد الصحافة والحق في الإعلام.

تونس - أعلن مركز تطوير الإعلام في تونس عن إطلاق مرصد الصحافة والحق في الإعلام، لوضع حد لتشتت مصادر المعلومات وغيابها، معتبرا أن هذا النقص يعرقل التفكير حول تطوير القطاع أو بلورة سياسات عمومية ناجعة في المجال، لاسيما في ظل حالة الفوضى في القطاع وتدني ثقة الجمهور به.

ويؤكد الصحافيون التونسيون في كل مناسبة على الحاجة المؤكدة إلى إرساء هيئة تعديلية ويدعون إلى العودة إلى مبدأ رقابة السلطة التنفيذية على القطاع بإرجاع وزارة أو كتابة دولة للإعلام، مؤكدين أن غياب التعديل تسبب بأخطاء مهنية وتفشي الفوضى في المشهد الإعلامي.

ونظرا لضعف أداء الإعلام في القطاع وشكاوى الصحافيين والجمهور في آن واحد من هذا الواقع، انطلقت العديد من المبادرات لمحاولة تنظيم القطاع وضبط الفوضى وتحسين الأداء بجهود الصحافيين أنفسهم ومنظمات المجتمع المدني.

وخلال الكلمة الافتتاحية للندوة السنوية لمركز تطوير الإعلام بحضور نخبة من المهنيين والباحثين العاملين بقطاع الإعلام من بينهم زياد دبار، رئيس النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين ومحمد العروسي بن صالح المدير التنفيذي لجامعة مديري الصحف وبعض أعضاء مجلس الصحافة، أكد رئيس المركز عبدالكريم الحيزاوي أن إطلاق هذه المنصة الرقمية، التي تسعى إلى تعزيز الشفافية وتوفير معطيات موثوقة ومحيّنة حول واقع الإعلام، يهدف أيضا إلى التركيز أيضا على مدى توفير حق الجمهور في إعلام مستقل، مهني، وذي جودة، يحترم الضوابط الأخلاقية والمهنية.

عبدالكريم الحيزاوي: المرصد سيكون منفتحا على الخبرات الأكاديمية والجمعيات والمنظمات
عبدالكريم الحيزاوي: المرصد سيكون منفتحا على الخبرات الأكاديمية والجمعيات والمنظمات

وأشار الحيزاوي إلى أن هذا المرصد سيكون منفتحا على الخبرات الأكاديمية والجمعيات والمنظمات، ويطمح إلى أن يشكّل منصة لنشر الأخبار والوثائق ومنبرا للتحاليل والمقالات في إطار الميثاق التحريري للمرصد. وأكد على سعي المركز إلى أن يكون هذا الفضاء جامعا للمهنيين، الأكاديميين، الحقوقيين، وكل المعنيين بحرية الإعلام وتطويره.

وأضاف أنه سيتم توفير نسخ مترجمة من محتوى المرصد باللغتين الفرنسية والإنجليزية، للمزيد من التعريف بأوضاع الصحافة التونسية وبقضاياها داخل البلاد وخارجها.

ويجمع الصحافيون والخبراء على وجود العديد من التحديات التي شهدها الإعلام منذ 2011 أبرزها تراجع التمويل الذاتي لوسائل الإعلام وتعرض العديد منها لأزمات مالية حادة، بالإضافة إلى تراجع الوضع الاقتصادي في البلاد والذي أثر سلبا على الصحافة حيث تعاني المؤسسات الإعلامية من محدودية الموارد وعدم القدرة على الاستمرار في ظل منافسة غير عادلة من وسائل الإعلام الأجنبية والشبكات الاجتماعية التي تتصدر المشهد الإعلامي.

ويؤكدون أن مسؤولية قطاع الإعلام ليست مسؤولية الصحافي فقط بل يتحمل كذلك الفاعل السياسي المسؤولية في النظام الإعلامي، لذلك يكتسب إطلاق المرصد أهمية كبيرة باعتبار الدور الذي سيقوم به لوضع حلول من أجل تطوير الإعلام بمشاركة جميع الأطراف ذات العلاقة.

وأفاد الحيزاوي بأن إلى جانب المنشورات من مقالات وتحاليل ودراسات يعتزم المرصد تنظيم سلسلة من الندوات السداسية المتخصصة، على مدى ثلاث سنوات، للتفكير المشترك في سبل تطوير قطاع الإعلام وذلك بتشريك جميع الأطراف المعنية بالقطاع من منظمات مهنية وأكاديميين وبرلمانيين وحقوقيين.

وأعلن أن الندوة الأولى من المنتظر أن تُعقد أواخر السنة الحالية مقترحا أن يتم تخصيصها لمسألة علاقة الدولة بالإعلام وحوكمة القطاع.

وستكون فرصة لإعادة التفكير في سبل إدراج الإعلام ضمن اهتمامات الدولة ولوضع أسس سياسة عمومية في قطاع الإعلام، من منطلق أن الإعلام هو ممارسة لحق دستوري وهو حق المواطن في الإعلام.

وأضاف من هذا المنظور، أن على الدولة أن ترعى هذا القطاع، لا بالوصاية أو بالرقابة كما كان الحال قبل 2011، بل برؤية جديدة، تؤسس لمسؤولية عمومية قائمة على دعم الاستقلالية والجودة والمهنية. و”نعتقد أن هذه المبادرة ستكون خطوة مهمة نحو إعادة وضع الإعلام في صميم اهتمامات الدولة.”

الصحافيون والخبراء يجمعون على وجود العديد من التحديات التي شهدها الإعلام منذ 2011 أبرزها تراجع التمويل الذاتي لوسائل الإعلام

ويطمح العاملون في القطاع والأوصياء على الإعلام التونسي عموما إلى رفع منسوب الثقة به، وذلك بعد أن كشفت دراسة حول “ثقة الجمهور في الإعلام”، أعدّها مجلس الصحافة وشملت 1518 مستجوبا، أنّ 64 في المئة من المستجوبين “لا يثقون في وسائل الإعلام”، وترتفع هذه النسبة في صفوف الشباب (من الفئة العمرية من 18 إلى 24 سنة) إلى 77.8 في المئة، مبينة أن المعلقين على الأحداث (الكرونيكورات) هم السبب الرئيسي وراء انخفاض مستوى الثقة بنسبة 82 في المئة.

وقالت اعتدال المجبري، رئيسة المكتب السابق لمجلس الصحافة (تمّ الإعلان عن التركيبة الجديدة للمجلس)، في مداخلتها ضمن فعاليات ندوة نظمتها النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين الاثنين، في إطار إحياء اليوم العالمي لحرية الصحافة، إنّ 90 في المئة من الجمهور لا يعرفون معنى التعديل الذاتي، وأنّ نسبة ضيئلة جدا من المستجوبين (2.9 في المئة) على علم بوجود هيكل اسمه “مجلس الصحافة”.

وبالنسبة إلى استخدامات التونسيين لوسائل الإعلام التقليدية، بينت الدراسة، حسب المجبري، أنّ التلفزيون يتصدّر وسائل الإعلام التقليدية كمصدر للأخبار بنسبة 77 في المئة، تليه الصحف بنسبة 5.9 في المئة. أما بخصوص الميديا الجديدة، فتحتل شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك المرتبة الأولى بنسبة 96.9 في المئة، مقابل 45.5 في المئة لـ”تيكتوك” و40.6 في المئة ليوتيوب.

وفي سياق آخر، صرحت المجبري بأن مجلس الصحافة كان أعد استبيانا في شهر أغسطس 2024 حول “الصحفيون والانتخابات الرئاسية 2024″، شمل 133 صحافيا وصحافية من جميع المحامل السمعية البصرية والرّقمية والمكتوبة ووكالات الأنباء والصحافة الجمعياتية.

وأفادت بأن الاستبيان كشف أن نسبة صعوبة النفاذ إلى المعلومة في تلك الفترة بلغت 71.5 في المئة، وأنّ المرسوم 54 (لسنة 2022 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال)، أثّر بنسبة 96 في المئة على عمل الصحافيين في تغطية الانتخابات الرئاسية 2024، بالإضافة إلى أنّ 63 في المئة من المؤسسات الإعلامية لم تضع مخططا إعلاميا تفصيليا لتغطية الانتخابات.

وقالت المجبري إن الصحافيين المستجوبين صرحوا في خانة “الملاحظات الحرّة” في الاستبيان بأنهم “تعرضوا للصنصرة والرقابة، وعانوا من غياب أرضية مهنية وأخلاقية يمكن اعتمادها كمرجعية للتحكيم”.

وفي ختام مداخلتها، أكدت المجبري أن الرؤية الإستراتيجية لمجلس الصحافة تطمح إلى جعله هيكلا للتعديل الذاتي ومرجعا على المستوى الوطني والإقليمي يرسي ثقافة المساءلة الأخلاقية، ويحقق المصالحة بين الجمهور وقطاع الصحافة والإعلام، ويضمن حق الجمهور في مضامين موضوعية وموثوقة وذات جودة، في ظل بيئة داعمة لحرية التعبير والصحافة والنشر وحقوق الإنسان في شموليتها وكونيتها.

5