تغيير نموذج التعليم في الأردن جزء أساسي لمواكبة سوق العمل

عمّان- تُعدّ المواءمة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل من أبرز التحديات التي تواجه معظم الدول النامية، بما في ذلك الأردن، الذي يحتاج إلى إعادة ضبط هذا المنحى والتوفيق بين الأمرين لتحقيق أهداف التنمية وتقليص البطالة.
وتشكل البطالة واحدة من أهم التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه الأردن، حيث تؤثر على استقرار الأسر والمجتمع ككل، كما أن تبعاتها لها انعكاسات سلبية كثيرة.
وأظهرت التقارير الرسمية الصادرة عن دائرة الإحصاء الحكومية أن نسبة العاطلين عن العمل بنهاية العام الماضي بلغت 21.4 في المئة، وهو معدل مرتفع مقارنة بالعديد من الدول الأخرى.
وعلى الرغم من التطور الكبير في البنية التعليمية بالأردن، ما زالت هناك فجوة ملحوظة بين ما يتعلمه الطلبة في المدارس والجامعات، وما يحتاجه أصحاب العمل في سوق العمل الحديث.
ولطالما أكد الخبراء أن هذه الفجوة تؤدي إلى تفشي البطالة، خاصة بين فئة الشباب، وتُعيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتعزز هذا الموقف مع إصدار المجلس الاقتصادي والاجتماعي الأردني، ورقة بحثية عن هذه المسألة الحيوية.
وخلص معدو الورقة التي تضمنت مجموعة من السياسات إلى أن هناك أهمية كبيرة لتعزيز التكامل بين مخرجات نظام التعليم العالي واحتياجات سوق العمل في البلاد.
وأشاروا إلى أن تعزيز المواءمة بين المجالين يشكل ركيزة أساسية في دعم التنمية الاقتصادية، من خلال إعداد خريجين يمتلكون المهارات التطبيقية والمعرفية المطلوبة، ما يساهم في رفع جاهزيتهم المهنية وتعزيز فرص اندماجهم في السوق بفاعلية واستدامة.
وتعطي مطالبة الخبراء بمراجعة جذرية لمجال التوظيف دليلا على ضعف الجدوى الاقتصادية للخطط القائمة، والتي تدفع الحكومة إلى إعادة التقييم والبحث عن حلول مستدامة لتحسين سوق العمل وجعله محفزا للنمو الاقتصادي.
ويعاني الأردن من صعوبات اقتصادية منذ سنوات، وهو ما يتطلب وصفة تضمن الإبقاء على استمرارية الوظائف واستدامة المشاريع الصغيرة والمتوسطة، كونها العمود الرئيسي لخيمة الاقتصاد.
وأفاد رئيس المجلس موسى شتيوي بأن الورقة جاءت في إطار جهود المجلس للمساهمة في تحقيق أهداف رؤية التحديث 2033 باعتماد نماذج تعليمية متطورة، وعلى رأسها “الدراسات الثنائية”، الذي يجمع بين التعليم الأكاديمي والتدريب العملي في بيئة العمل.
ونسبت وكالة الأنباء الأردنية الرسمية إلى شتيوي قوله إن “هذا النموذج يُعدّ من أبرز التجارب التعليمية الحديثة التي تسعى إلى تطوير رأس المال البشري، وتهيئة الطلبة لسوق العمل من خلال اكتساب المهارات التقنية والمهنية بشكل مباشر.”
ولفت إلى تبني عدد من الجامعات المحلية هذا التوجّه بنجاح من بينها جامعة الحسين التقنية التي ألزمت طلبتها ببرنامج تدريب عملي لمدة ثمانية أشهر، والجامعة الألمانية الأردنية التي تطبق النموذج في 14 تخصصا.
وبالإضافة إلى ذلك، هناك جامعة البلقاء التطبيقية التي خصصت 30 في المئة من ساعاتها المعتمدة للتدريب المهني.
مواءمة المناهج مع المعايير المهنية، وأهمية تأسيس منصة رقمية لربط الطلبة بجهات التدريب مع إنشاء صندوق وطني لدعم الطلبة
ولاحظ المجلس الاقتصادي والاجتماعي توسعاً تدريجياً في تطبيق هذا النموذج في عدد من الجامعات الأخرى مثل الجامعة الأردنية وجامعة العلوم والتكنولوجيا، وجامعة الحسين بن طلال، وجامعة البترا.
وأكد شتيوي أن تعزيز التكامل بين التعليم الأكاديمي وسوق العمل يشكل تحوّلا في فلسفة التعليم العالي نحو نموذج إنتاجي تشاركي مفيد، يدعم التنمية المستدامة ويوفر فرص عمل حقيقية، ويعزز من قدرة الجامعات على مواكبة التغيرات الاقتصادية والمجتمعية.
ودعا إلى تبني نموذج الدراسات الثنائية كخيار استراتيجي لما له من دور محوري في إعداد الكفاءات المحلية المؤهلة، وتمكين الشباب الأردني من الانخراط الفاعل في مسيرة النمو والتطور الاقتصادي.
وذكرت الورقة البحثية للمجلس أنه تم دمج التدريب العملي مع المشاريع التطبيقية بالشراكة مع مؤسسات محلية ودولية، وهو ما يعكس توجهاً وطنياً متزايداً نحو التعليم المرتبط بسوق العمل.
وقدم خبراء المجلس خارطة طريق عملية لاعتماد النموذج، مقسّمة إلى ثلاث مراحل، الأولى قصيرة المدى تشمل خطوات فورية لتهيئة البنية التحتية.
أما المرحلة الثانية فمتوسطة المدى تهدف إلى بناء شراكات دائمة مع القطاع الإنتاجي، وأخيرا مرحلة طويلة المدى تركز على الإصلاحات التشريعية والمؤسسية لضمان استدامة النموذج في منظومة التعليم العالي.
كما يطالب معدو التقرير بمواءمة المناهج مع المعايير المهنية، وأهمية تأسيس منصة رقمية لربط الطلبة بجهات التدريب مع إنشاء صندوق وطني لدعم الطلبة، وتقديم حوافز للقطاع الخاص لتعزيز مشاركته في التدريب العملي.