القاهرة تستنفر اقتصاديا وماليا تأهبا لتداعيات ضربات إيران

السيسي يأمر باتخاذ احتياطات مالية وسلعية شاملة، مع تعزيز مخصصات الحماية الاجتماعية والتنمية البشرية لدعم الفئات الأولى بالرعاية.
الأحد 2025/06/22
تحركات عاجلة تعكس قلقا مصريا

القاهرة – وجه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي اليوم الأحد بضرورة اتخاذ كل الاحتياطات المالية والسلعية ذات الصلة في ظل التطورات الجارية وحالة التصعيد التي تشهدها المنطقة.

 يأتي هذا التوجيه الرئاسي الحاسم، خلال اجتماع السيسي مع رئيس مجلس الوزراء ووزير المالية، عقب ساعات من إدانة مصر "التصعيد المتسارع" في إيران بعد الضربات الأميركية على منشآتها النووية.

ويعكس هذا التطور قلق القاهرة العميق من تداعيات التصعيد العسكري في الشرق الأوسط، خصوصًا بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قصف ثلاث منشآت نووية إيرانية رئيسية.

ومصر، التي تتموضع كلاعب إقليمي محوري، تسعى لدرء أي انعكاسات سلبية محتملة على استقرارها الاقتصادي والاجتماعي في ظل هذه المستجدات الجيوسياسية المتسارعة.

أوضح المتحدث باسم الرئاسة المصرية، محمد الشناوي، في بيان على فيسبوك، أن اجتماع السيسي مع مصطفى مدبولي (رئيس مجلس الوزراء) وأحمد كجوك (وزير المالية) استعرض "وضع التذبذب المتزايد بالأسواق الدولية وانعكاسات الأحداث الجيوسياسية، لا سيما الحرب بين إيران وإسرائيل، على تزايد حالة عدم اليقين في أهم الأسواق الدولية، خاصة أسعار الشحن وبعض السلع". هذا التقييم يعكس حجم التحديات الاقتصادية التي تواجهها مصر، والتي تتأثر بشكل مباشر بالاضطرابات العالمية.

وفي خطوة تهدف إلى تعزيز المرونة المالية للدولة في مواجهة الصدمات الخارجية، أكد المتحدث أن الاجتماع "تناول كذلك مستجدات خطة وزارة المالية للإصدارات الدولية للعام المالي 2024/2025، وما تم تنفيذه في هذا الإطار تماشياً مع التوجهات الرامية لخفض الدين الخارجي لأجهزة الموازنة، حيث تشير المؤشرات الأولية إلى نجاح الحكومة ووزارة المالية في جهود خفض رصيد الدين الخارجي لأجهزة الموازنة بمبلغ يتراوح من 1 إلى 2 مليار دولار سنويا".

كما وجه الرئيس المصري بمواصلة الجهود المكثفة الرامية لتعزيز الانضباط المالي من خلال الإجراءات الحكومية، بما يسهم في تطوير أداء الاقتصاد المصري ويدعم جهود التنمية الوطنية. وشملت التوجيهات أيضاً استمرار تعزيز المخصصات الموجهة لصالح الحماية الاجتماعية والتنمية البشرية وبرامج مساندة الفئات ذات الأولوية.

بالتوازي مع الإجراءات الاقتصادية، جاء الموقف المصري الدبلوماسي واضحا. ففي وقت سابق من الأحد، دانت وزارة الخارجية المصرية "التصعيد المتسارع" في إيران، محذرة من "عواقب خطيرة" على الأمن في المنطقة والعالم.

وأعربت الوزارة في بيان عن "قلقها البالغ إزاء التطورات الأخيرة في إيران"، و"إدانتها التصعيد المتسارع الذي ينذر بعواقب خطيرة على الأمن والسلم الإقليمي والدولي". وحذرت القاهرة من "مخاطر انزلاق المنطقة نحو مزيد من الفوضى والتوتر"، مؤكدة أن "الحلول السياسية والمفاوضات الدبلوماسية وليس الحل العسكري هي السبيل الوحيد نحو الخروج من الأزمة".

وتأتي هذه التحذيرات في أعقاب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب دخول بلاده على خط المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل.

وأكد ترامب أن الطائرات الحربية الأميركية نفّذت "هجوماً ناجحاً للغاية" على منشآت إيران النووية الثلاثة فوردو، ونطنز، وأصفهان.

وأضاف عبر منصة "تروث سوشال" أن الطائرات باتت خارج المجال الجوي الإيراني وهي آمنة في طريق العودة بعد أن ألقت "حمولة كبيرة من القنابل على فوردو".

وختم ترامب كلامه بأنه "لا توجد قوة عسكرية بالعالم تستطيع فعل ما قامت به القوات الأميركية"، معلناً أنه "حان وقت السلام"، ومشدداً أن على إيران "الموافقة على إنهاء الحرب الآن"، واصفا ما حدث بـ"اللحظة التاريخية لأميركا وإسرائيل والعالم".

وتأتي هذه التطورات في سياق تصاعد التوترات بين إيران والولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين، وخصوصا إسرائيل، حول البرنامج النووي الإيراني ونفوذ طهران في المنطقة.

ويواجه الاقتصاد المصري تحديات جمّة في ظل التطورات الإقليمية الراهنة، أبرزها ارتفاع تكاليف الشحن العالمية وأسعار السلع الأساسية، حيث أن أي تصعيد في المنطقة يهدد سلاسل الإمداد الحيوية، مما يرفع فاتورة الواردات لمصر ويعمق الضغوط التضخمية التي يواجهها المواطن، ويؤثر مباشرة على القدرة الشرائية والاستقرار الاجتماعي.

بالإضافة إلى ذلك، يواجه الاقتصاد المصري ضغوطا متزايدة على إيرادات قناة السويس الحيوية، إذ أن أي اضطراب في الملاحة البحرية، بسبب التهديدات الأمنية في البحر الأحمر أو غيره، يمكن أن يقلل من حركة التجارة العابرة للقناة، مما يحرم مصر من مصدر رئيسي للعملة الصعبة.

كما أن حالة عدم اليقين المتزايدة في المنطقة تؤثر سلبا على جاذبية الاستثمار الأجنبي المباشر والسياحة، وهما رافدان أساسيان للنمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل.

وتشكل الديون الخارجية تحديا كبيرا، حيث تسعى مصر لخفض رصيدها من الدين لتعزيز مرونتها المالية، لكن مع تصاعد التوترات، قد تزداد تكلفة الاقتراض وتصبح أسواق المال الدولية أكثر حذرا، مما يصعب على الحكومة المصرية إدارة التزاماتها المالية ويضع قيودًا على قدرتها على تمويل مشاريع التنمية والحماية الاجتماعية.

وسياسيا، تخشى القاهرة بشدة من تفاقم حالة عدم الاستقرار الإقليمي، التي يمكن أن تفرز تغيرات جيوسياسية جوهرية تخل بالتوازنات الحالية للقوى، ويتجاوز هذا القلق مجرد الاضطرابات الحدودية ليشمل احتمال صعود نفوذ لاعبين إقليميين أو دوليين قد لا تتماشى مصالحهم مع استقرار مصر وأمنها القومي.

ففي بيئة شديدة التقلب، يصبح أي تصعيد عسكري أو سياسي في الجوار المباشر لمصر تهديدا مباشرًا لمصالحها الحيوية وموقعها كقوة إقليمية مؤثرة، مما قد يدفعها لاتخاذ مواقف أكثر حزمًا للحفاظ على نفوذها واستقرارها الداخلي في مواجهة أي رياح تغيير قد لا تكون في صالحها.

أما على الصعيد الأمني، تتوجس القاهرة من تفاقم حالة عدم الاستقرار في المنطقة، فالاضطرابات العميقة في الجوار المباشر لمصر تحمل في طياتها مخاطر جمة، قد تدفع هذه التوترات موجات جديدة وكبيرة من اللاجئين الفارين من مناطق الصراع، ما يفرض ضغطا هائلاً على موارد مصر وبنيتها التحتية وموازنتها التي تعاني بالفعل من تحديات اقتصادية.

كما يزداد القلق من تصاعد نشاط الجماعات المتطرفة والإرهابية، التي غالبا ما تستغل الفوضى لتوسيع نفوذها وتجنيد عناصر جديدة، مما يشكل تهديدا مباشرا لأمن الحدود المصرية وداخل البلاد. وهذا الواقع يدفع القاهرة لتعزيز قدراتها الأمنية والعسكرية، ويجعل من استقرار المنطقة أولوية قصوى لأمنها الوطني.

ويؤكد الموقف المصري الداعي باستمرار إلى الحلول الدبلوماسية والتفاوض لتجنب "مزيد من الفوضى والتوتر"، سعي القاهرة للحفاظ على استقرارها الداخلي وتجنب الانجرار إلى صراعات إقليمية واسعة، مع التركيز على حماية مصالحها الاقتصادية والإنسانية في ظل بيئة جيوسياسية شديدة التقلب.