انحياز شيخ الأزهر إلى إيران ضد إسرائيل: إحراج للسيسي أم رسالة لترامب ونتنياهو

القاهرة- دخل الأزهر وشيخه أحمد الطيب على خط الحرب بين إسرائيل وإيران، بإصدار بيان حاد أدان فيه استمرار ما وصفه بـ”العدوان” على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، منتقدا صمت المجتمع الدولي، بما يعدّ شراكة في “الجريمة” التي أصبحت تهدد أمن العالم بأسره، ومؤكدا أن الحرب لا تخلق سلاما.
وهذه هي المرة الأولى التي يُعلّق فيها شيخ الأزهر مباشرة على الحرب الإسرائيلية – الإيرانية، رغم أن التصعيد بين الجانبين دخل أسبوعه الثاني، وهو ما يطرح السؤال إن كان الطيب يتصرف بمفرده وما تحمله مثل هذه الخطوة من إحراج للرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي تشهد علاقته بأميركا وإسرائيل حالة من البرود، أم أن ما قاله شيخ الأزهر قد حظي بمناقشات مع دوائر سياسية ليخرج بشكل يتماشى مع الموقف الرسمي لمصر.
وترى دوائر سياسية في القاهرة أن الأزهر التقط إشارة النظام المصري بالتصعيد الدبلوماسي والإعلامي والحزبي والبرلماني ضد إسرائيل، وقرر دعم هذا التوجه، مجرّما الضربات التي تتعرض لها إيران، ومنتقدا صمت المجتمع الدولي، وهو خطاب ينسجم مع نبرة وزارة الخارجية، وما قاله مندوب مصر بالأمم المتحدة خلال جلسة لمجلس الأمن عقدت أخيرا.
◄ من غير المستبعد أن تكون إسرائيل فهمت رسالة الأزهر وخلفياتها، وفسّرتها على أنها لم تكن لتخرج بتلك الصيغة من دون موافقة رسمية في مصر
وتأتي هذه الإشارة المصرية في وقت يشعر فيه الرئيس المصري بأن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وحليفة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد همشوا وجود مصر في القضايا الإقليمية وقفزوا على دورها التقليدي في تحريك الوساطات ورعايتها، وهو ما لا تقبل به القاهرة ويدفعها إلى الانفتاح على إيران واستقبال وزير خارجيتها عباس عراقجي أياما قبل بدء الحرب.
وتشير الدوائر ذاتها إلى أن بيان شيخ الأزهر ينطوي على محاولة لنسف رواية إسرائيل بأن الحرب ضد إيران تأتي نيابة عن العرب، وهي نبرة رفضها الطيب الذي يسعى للتقريب بين المذاهب في العالم الإسلامي، بقطع النظر عن التصنيف ما بين سنة وشيعة.
وجاء موقف الأزهر قريبا من موقفه من حرب إسرائيل على قطاع غزة، التي بدأت منذ حوالي عامين، وكان رد الطيب سريعا فيها، ومتبنيا لموقف حاد أيضا ضد إسرائيل، وأصدر بيانا استخدم فيه كلمات سياسية وليست دينية.
وأوضح الخبير المصري في الشؤون الإيرانية محمد محسن أبوالنور لـ”العرب” أن بيان شيخ الأزهر يتسق مع موقف مصر الرسمي، وأنه تحدث وفق المصالح العليا للبلاد مستخدما ثقله الديني.

محمد محسن أبوالنور: شيخ الأزهر تحدث وفق مصالح مصر مستخدما ثقله الديني
وحاز بيان الأزهر على تأييد من أوساط شعبية في مصر، لأنه نحّى الخلاف المذهبي جانبا، وتعامل مع إسرائيل كخصم للجميع، ونأى عن الحسابات المذهبية، وهو خطاب يأتي على مقاس الهوى السياسي للسلطة في القاهرة، وسط تقارب حثيث بين مصر وإيران، ومحاولة تذليل الفجوات بين طرفين، والتي كانت في حاجة إلى موقف ديني واضح.
ولم تكن التعبئة الشعبية التي يقوم بها الأزهر ضد إسرائيل لتحدث لو لم يحصل على موافقة من السلطة في مصر، فبيانه يخدم رؤية إستراتيجية ترى أهمية استمرار إيران كقوة إقليمية متماسكة، وبإمكانها تقويض نفوذ إسرائيل في المنطقة، خوفا من أن يمثل سقوط طهران مقدمة لتكون المواجهة المقبلة مع القاهرة.
وتعلم إسرائيل حجم نفوذ الأزهر وتأثيره المعنوي في بعض المجتمعات الإسلامية وقت الحروب، وبالنظر إلى إيران تحديدا قد ينسف بعض الروايات التي روّجت لها دوائر إسرائيلية بأن الحرب ضد إيران، في جزء منها، ترمي إلى مواجهة نشر التشيع في المنطقة، لإضفاء نوع من القداسة، وهو ما واجهه الأزهر بخطاب مضاد.
وما سهّل على الشيخ الطيب الوقوف إلى جانب إيران عبر خطاب يستخدم مفردات سياسية ودينية، أن علاقة القاهرة وطهران شهدت تحسنا مؤخرا، وهناك تطبيع للعلاقات بين السعودية وإيران، بمعنى أن الأجواء مهيأة ليتبنى شيخ الأزهر خطابا ضد إسرائيل يصب في صالح إيران وهو يُدرك أن كلامه سيلقى قبولا.
ومن غير المستبعد أن تكون إسرائيل فهمت رسالة الأزهر وخلفياتها، وفسّرتها على أنها لم تكن لتخرج بتلك الصيغة من دون موافقة رسمية في مصر، وإن كانت هناك خلافات نسبية في وجهات النظر بين الأزهر والسلطة في القاهرة، لكن النظام المصري يُدرك وزن وتأثير الأزهر في العديد من الدول الإسلامية، وثمة من يتعاملون معه بنوع من التقدير والاحترام الكبيرين، ما يعيق نشر الدعاية الإسرائيلية السوداء عن إيران ومذهبها.
وتقبل القاهرة أن تكون للأزهر حرية حركة تدعم مواقفها، ولو خرج من النمط الديني التقليدي إلى السياسي، لأن رصيده الذي يحظى به إسلاميا سوف يفضي إلى تحقيق مكاسب لاحقا على المستويين الشعبي والرسمي، وإن كانت له مواقف سابقة كانت مغايرة لرؤية النظام المصري في قضايا مجتمعية.
وتكمن أزمة الأزهر مع السلطة في مصر على مدى سنوات في أنه يهتم بالدفاع عن مكانته أكثر من انشغاله بملفات ملحة تشغل بال الدولة، ويبدو أنه وجد في تأجيج شريحة من العرب والمسلمين ضد إسرائيل فرصة لإعادة تقديم نفسه كقوة دينية لا يُستهان بها، وإحياء مشروعه القديم الطموح بشأن التقريب بين المذاهب.