الحكومة المصرية توازن بين القانون والمواطنين في أزمة "الإيجار القديم"

الحكومة المصرية تحاول تطويق الأزمة التي خلقها مشروع "الإيجار القديم"، والذي وضع جميع الوحدات السكنية المؤجرة بعقود قديمة في سلة واحدة، ما أثار غضبا واسعا في الشارع، وهي تراهن على أن التعديلات التي أحدثتها على المشروع ستخفف من الغضب.
القاهرة- نجحت الحكومة المصرية في تجاوز رفض برلماني وحزبي وشعبي لمشروع قانون “الإيجار القديم” الذي تقدمت به إلى مجلس النواب مؤخرا وأثار جدلا واسعا، وقررت التنازل عنه وتقديم مشروع قانون جديد متوازن، في محاولة لترضية كل الأطراف، بعد ردة فعل حادة تعرضت لها الحكومة.
ووافقت لجنة الإسكان في مجلس النواب على صيغة جديد من مشروع القانون على أن تتم مناقشته في الجلسة العامة للبرلمان نهاية يونيو الجاري، ما يعني أن هناك خطة حكومية – برلمانية لتمرير مشروع القانون بصورته النهائية، دون وجود مجال للأطراف المختلفة للاعتراض عليه أو تعديله، لأن التوقيت لن يسمح لأحد بالرفض.
ويشير اختيار نهاية يونيو لمناقشة المشروع بشكل نهائي إلى رغبة الحكومة في منع حدوث المزيد من النقاش، حيث يدخل مجلس النواب في الإجازة البرلمانية السنوية، وتبدأ من يوليو إلى أكتوبر، وبعدها تتبقى أيام قليلة لينفضّ البرلمان وتُعقد بعدها انتخاباته، ويصبح مشروع القانون أمرا واقعا بالمصادقة النهائية عليه ورفعه إلى رئيس الجمهورية لإقراره.
ويختلف مشروع القانون الجديد عن المشروع الذي سحبته الحكومة، في بعض البنود الخاصة بمدة الفترة الانتقالية التي تنتهي بعدها عقود الإيجار القديمة بالنسبة إلى المنازل والوحدات التجارية والإدارية، فالمشروع المُلغي حدد المدة بخمس سنوات وبعدها ينتهي الإيجار القديم نهائيا، بينما تصبح في المشروع الجديد سبع سنوات، بعدها يتم تحرير العقود.
◙ مشروع القانون يصطدم بتحفظات ومن الطبيعي ألا يرضي الجميع، المهم أنه يوازن بين الالتزام بالقانون وبين الملاّك والمستأجرين
ووضعت الحكومة في المشروع الأول جميع الوحدات السكنية المؤجرة بعقود قديمة في سلة واحدة، وقررت زيادة قيمتها الإيجارية بقيمة مرتفعة، بينما ذهب المشروع الجديد لتقسيم الوحدات وفقا لطبيعة المنطقة والشارع والخدمات وسلامة المنزل، والبيئة السكنية، ريفية أم حضرية أم استثمارية، وغنية أم فقيرة أم شعبية، وهكذا.
ولم تمر دورة برلمانية واحدة طوال السنوات الماضية إلا وناقش مجلس النواب مشروع قانون خاص بتعديل قانون “الإيجار القديم”، لكن الحكومة في كل مرة تخفق في تجاوز الرفض الشعبي وتضطر لسحب مشروع القانون، وهذه المرة مختلفة، إذ يوجد إصرار من جانب الرئيس عبدالفتاح السيسي على إنهاء المشكلة بشكل حاسم.
وترى دوائر سياسية في القاهرة أن الحكومة تعاملت مع أزمة ملف “الإيجار القديم” بحكمة، لأن العناد مع الشارع كاد يقود إلى انفجار قنبلة في وجه الجميع، قد تترتب عنها تداعيات أمنية وسياسية، لأن هذا الملف يمس صميم حياة الملايين من الأسر أغلبهما من البسطاء ومتوسطي الدخل وأصحاب المعاش.
ويعني تحديد القيمة الإيجارية خلال الفترة الانتقالية المقدرة بسبع سنوات حسب كل منطقة وموقعها الجغرافي، أن شريحة معتبرة من المستأجرين لن تتعرض لأزمة مفاجئة، كما أن المساواة باتت مستبعدة بين من يعيشون في مناطق راقية ومن يقيمون في بيئة شعبية، وهذه صيغة تبدو مقبولة للكثير من السكان.
وكشفت موافقة لجنة الإسكان في مجلس النواب على الصيغة الجديدة خلال جلسة واحدة (الثلاثاء)، عن وجود توجه لتمرير القانون دون الاستماع لأي أطراف عارضت المشروع القديم، سواء أكانت أحزابا أو نقابات أو قوى مدنية، ويبدو أن الأحزاب التي تمثل الأغلبية في البرلمان وقريبة من الحكومة، قررت إنجاز المهمة سريعا.
ولا تملك الحكومة أو البرلمان رفاهية تأخير إنجاز قانون “الإيجار القديم”، لأن المؤسستين التنفيذية والتشريعية ملتزمتان أمام المحكمة الدستورية العليا، بإنجاز مهمة القانون خلال دور الانعقاد الحالي لمجلس النواب، أي قبل بداية يوليو، وفق منطوق الحكم الصادر في نوفمبر الماضي، ما وضع السلطة في ورطة سياسية.
وتستخدم الحكومة الحكم الدستوري الخاص بعدم ثبات القيمة الإيجارية حجة قوية للدفاع عن نفسها ضد الأصوات المعارضة، كي لا يتم تحميلها مسؤولية التدخل لصالح الملاّك أو المستأجرين، لأن علاقتها بالمواطنين متوترة، ومهما كانت نصوص القانون سوف تُفهم على أنها منحازة إلى طرف على حساب آخر أو مستفيدة بشكل غير مباشر.
ويعوّل مجلس النواب في سعيه لتمرير مشروع قانون “الإيجار الجديد” على أن الناس يتقبلون فكرة تحريك القيمة الإيجارية، لكن العقدة في وجود نص في المشروع الجديد يسمح بطرد المستأجر بعد انتهاء الفترة الانتقالية المقدرة بسبع سنوات، وهي إشكالية حاولت الحكومة حلها بمنح المستأجر أحقية الحصول على شقة من الدولة.
وأقرت الحكومة هذا الحق في مشروع القانون الجديد عبر منح المستأجرين الذين قد يتعرضون للطرد، الأحقية في تخصيص وحدة سكنية إيجارا أو تمليكا، من الوحدات المتاحة لدى الدولة، على أن تكون الأسبقية في التخصيص للفئات الأولى بالرعاية، وهو نص حاولت الحكومة من خلاله ترضية البسطاء من قدامى المستأجرين وقطع الطريق على المتاجرة بمعاناتهم.
وقال الباحث في شؤون الاجتماع السياسي سعيد صادق إن طرفي مشكلة “الإيجار القديم” لديهما حقوق، والحكومة في حاجة إلى مرونة في الاستماع لنبض الشارع، ويمكنها حلحلة الكثير من المشكلات بالحوار، لكن الحكومة مصرة على الانتصار لوجهة نظرها في قانون “الإيجار القديم” استنادا إلى حكم دستوري نهائي.
وأضاف لـ”العرب” أن الحكومة تريد القول إنها تملك بدائل لحل المشكلات، ما يطرح تساؤلات حول أسباب افتعال أزمة مع أنها تستطيع إجراء حوار بناء مع جميع الأطراف بلا عناد، وما حدث في ملف “الإيجار القديم” رسالة للحكومة بأن تستمع للمتخصصين ولا تتمسك بتوجهات خطرة في توقيت سياسي حساس.
◙ الحكومة في حاجة إلى مرونة في الاستماع لنبض الشارع، ويمكنها حلحلة الكثير من المشكلات بالحوار
وحسب ما رصدت “العرب” من ردود فعل على المقترح التشريعي الجديد، هناك مستأجرون يتحفظون على فكرة الطرد من السكن وإنهاء العلاقة الإيجارية ولو بعد سبع سنوات، وبينهم من يشكك في تعهد الحكومة أنهم سيحصلون على وحدات بديلة من الدولة، وإن تحقق ذلك فالقيمة الإيجارية ستكون مرتفعة لأن أسعار وحدات الدولة نفسها ليست مدعمة.
وعلى مستوى أصحاب الوحدات (الملاّك) يرفضون طول الفترة الانتقالية التي تنتهي عام 2032، ما يجعلهم محرومين من وحداتهم، لكن الشريحة الأكبر منهم ترتضي بتحرير العلاقة الإيجارية ورفع قيمتها وفق طبيعة المنطقة السكنية، ما يُمكنهم من الحصول على عوائد مالية معقولة نسبية إلى حين استرداد الوحدات من المستأجرين.
وإن كان مشروع القانون يصطدم بتحفظات فمن الطبيعي ألا يأتي مرضيا لكل الأطراف، والمهم أنه يوازن بين الالتزام بالحكم الدستوري وبين الملاّك والمستأجرين، ويحقق هدف الرئيس السيسي، وهو صاحب مبادرة إنهاء أزمة “الإيجار القديم” وإيجاد توازن في حقوق كل الأطراف، ما جنب البلاد مشكلة مجتمعية حادة.
وقدّرت قيمة الوحدات السكنية المغلقة بسبب عدم استغلالها كونها تخضع للإيجار القديم بنحو تريليون جنيه (الدولار= 50 جنيها)، وهذا رقم ضخم لا أحد يستفيد منه، لا الدولة تحصل على حقوقها من الضريبة، أو يحصل المالك الأصلي على عائد مادي معقول، أو يقيم المستأجر في الوحدة السكنية أو يؤجرها.
وتضمن مشروع القانون مادة خاصة بإنهاء أزمة الوحدات المغلقة، إذ يجوز للمالك طرد المستأجر في أيّ وقت، إذا ثبت ترك المستأجر للوحدة مغلقة لمدة تزيد عن عام دون مبرر، ما يعني أن الحكومة حاولت التوفيق والتوازن، وراغبة في إنهاء أزمة الخلاف مع الأحزاب التي انقلبت عليها بسبب المشروع القديم.