صور مصطفى البصري.. سعي لفهم الذات عبر رصد الآخر

الرباط - يركّز المصور المغربي مصطفى البصري على تصوير الشوارع والبورتريهات في أكثر من دولة زارها، بطريقة تنقل مشاعر الشخصيات وتفاصيل حياتهم اليومية، وتعتبر عدسته وسيلة لتوثيق اللحظة العابرة، مع محاولاتها الدائمة لإبراز الإنسان غير المرئي في المجتمع وتصوير أولئك الذين لا يسلط عليهم الضوء عادة، فهو يتعامل مع الصورة كأداة للاعتراف بوجود الآخر، ولإعادة الاعتبار للجمال الإنساني الكامن في الوجوه البسيطة والتجاعيد الصامتة.
ويعرض الفنان المغربي المقيم في الولايات المتحدة، أحدث أعماله، في معرض يستضيفه رواق ضفاف بالرباط، يحمل عنوان “أتيت من نظرة تعبر” وذلك بمبادرة من مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج.
التصوير الفوتوغرافي ليس مجرد توثيق بصري، بل هو شهادة حيّة على كرامة الإنسان وقيمته مهما كان بسيطًا أو منسيًا
ويتيح المعرض الذي يتواصل إلى غاية 19 يوليو المقبل، للزوار سفرا إنسانيا في بورتريهات ومشاهد شارع تم التقاطها عبر القارات، في مسعى حثيث إلى إعطاء صوت لمن هم بلا صوت وغير مرئيين. فباعتباره مصور شارع، يترقب البصري “اللحظة الحاسمة” واللحظة المعلقة التي تقول فيها الصورة أكثر مما تقوله الكلمات.
وذكر البيان الخاص بالمعرض أن الفنان “كمصور شارع، يترقب اللحظة الحاسمة واللحظة العابرة، فيلتقط صورا لروح المكان أو الشخصية أو لحظة عابرة من الحياة اليومية. إنه فنان إنساني يعبر عن رؤيته للعالم ويوجه أنظارنا نحو الأشخاص غير المرئيين في المجتمع. ومن خلال البورتريه، يسعى إلى إعادة منحهم كرامة وتقديرا مستحقا، متأثرا بوجوههم التي طبعها الزمن والتجربة، يعمل المصور مصطفى البصري على جعلهم مرئيين من جديد.”
ويقول الفنان البصري إنه “من خلال البورتريه، أسعى إلى الفهم وعدم النسيان، وبناء ذاكرة في المنفى،” مشيرا إلى أن هذه العودة الفنية إلى مدينته الأم تمثل بالنسبة له “عودة بلا جسد، بلا صوت، لكنها مشبعة بالنظرات والقصص.”
وتقدم الصور المعروضة في هذا الحدث، بالأبيض والأسود وبالألوان، سردا شخصيا وكونيا في آن. وقال الفنان في ورقة تقديمية للمعرض إن “هذا العالم الواسع والنابض بالحياة كونني، وأحدث فيَّ تحولا.”
من جهتها، أبرزت مديرة قطب الفن والثقافة والاتصال بمؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج، فتيحة أملوك، غنى المسار الفني للفنان البصري، الذي لم يتمكن من حضور حفل افتتاح معرضه في المغرب لأسباب قاهرة.
وذكرت بأن البصري درس علم الاجتماع في فرنسا، قبل أن يستقر في كاليفورنيا حيث تلقى أيضا تكوينا في مجال التصوير الفوتوغرافي. وأضافت أنه “من خلال عدسته، يسعى إلى استعادة كرامة مستحقة لأشخاص غالبا ما يتم تهميشهم، عبر إظهار روح المكان، والوجه، واللحظة.”
وأشارت إلى أن هذا المعرض يندرج في إطار مهمة المؤسسة الرامية إلى النهوض بإبداعات الفنانين المغاربة عبر العالم، من خلال توفير فضاء للتعبير والتقاسم داخل المغرب، لتمكين الجمهور المحلي من اكتشاف رؤيتهم للعالم ولمقاربتهم الفنية.
ويعد مصطفى البصري أول مصور فوتوغرافي في العالم العربي يحصل على جائزة “أفضل مصور دولي للبورتريه سنة 2023” ضمن تصنيف “أواردز بوك توب 101” في أستراليا.
وُلد الفنان عام 1959 في مدينة الرباط. درس علم الاجتماع في فرنسا، قبل أن ينتقل إلى الولايات المتحدة ليستقر في مقاطعة أورانج بولاية كاليفورنيا. هناك، التحق بمعهد متخصص في التصوير الفوتوغرافي وحصل على شهادة استحقاق متميزة، ما أسّس لمساره الفني البارز في مجال التصوير الفوتوغرافي.
في عام 2023، حصل البصري على جائزة “أفضل مصور دولي للبورتريه” من مؤسسة “Awards Book Top 101” في أستراليا، ليصبح أول فنان عربي ينال هذا التكريم المرموق. وقد اعتُبر فوزه لحظة فارقة في مسيرته، وتأكيدًا على تميزه الفني والبصري في مجال التصوير الإنساني.
ويُعد البصري فنانًا يحمل همًّا إنسانيًا، يعكسه في كل صورة يلتقطها، ويؤمن بأن التصوير ليس مجرد توثيق بصري، بل هو أيضًا شهادة حيّة على كرامة الإنسان وقيمته، مهما كان بسيطًا أو منسيًا في زوايا الحياة.
ويصنفه النقاد ضمن الفنانين المتخصصين في التصوير الإنساني الذي يقوم على نقل واقعية الشخصية وتفاصيل الحياة اليومية للإنسان. ويعتبر هذا النهج من التصوير الفوتوغرافي من أقوى الأدوات النقدية في عالم التصوير الإنساني.