عودة الصراع على رئاسة 'الأعلى للدولة' تعمق الازمة السياسية في ليبيا

الصراع الظاهر بين تكالة والمشري يدور داخل أروقة القضاء وكذلك المجلس الأعلى للدولة، إلا أن تداعياته تتجاوز ذلك بكثير خاصة في ظل الاصطفافات السياسية الحالية.
الجمعة 2025/06/20
المشري دخل في صراع مع تحالف تكالة والدبيبة

طرابلس – تعود الخلافات بشأن رئاسة المجلس الأعلى للدولة في ليبيا إلى الواجهة من جديد، لتضيف مزيدًا من التعقيد إلى المشهد السياسي المتأزم أصلًا، في ظل استمرار الانقسام المؤسساتي والجمود في العملية السياسية. وفي حين يتمسك محمد تكالة بشرعيته كرئيس منتخب للمجلس، يرفض خالد المشري التسليم بخسارته، ما يعيد إنتاج صراعات مراكز النفوذ داخل الدولة، ويكرّس حالة عدم الاستقرار التي تعاني منها البلاد منذ سنوات.
وفي بيان رسمي صدر هذا الأسبوع، جدّد محمد تكالة التأكيد على قانونية رئاسته للمجلس الأعلى للدولة، مشددًا على أن الانتخابات التي جاءت به إلى المنصب أواخر عام 2023 جرت وفق النصاب القانوني الكامل، وأسفرت عن تشكيل مكتب رئاسي جديد بصورة شرعية. ووصف تكالة طعن خالد المشري بشرعية الانتخابات بأنه "يفتقر إلى أي أساس دستوري أو مؤسسي"، مشيرًا إلى أن الحكم القضائي الأخير اكتفى بعدم اختصاص القضاء الإداري دون أن يتعرض لشرعية المكتب المنتخب.
ولم يكتف تكالة بالدفاع عن موقفه القانوني، بل اتهم المشري ومجموعة من الأعضاء المقاطعين بـ"انتحال الصفة"، محذرًا مؤسسات الدولة ووسائل الإعلام من التعامل مع أي بيانات أو مراسلات صادرة عنهم، لما قد يترتب عليه من تبعات قانونية.
ورغم أن الصراع الظاهر يدور داخل أروقة المجلس الأعلى للدولة، إلا أن تداعياته تتجاوز ذلك بكثير، خاصة في ظل الاصطفافات السياسية التي بدأت تتشكل من حوله. إذ تشير مصادر سياسية إلى أن رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة قدّم دعمه الكامل لمحمد تكالة، في محاولة لتثبيت حلفاء سياسيين له داخل المؤسسات التشريعية، لا سيما في ظل علاقته المتوترة مع خالد المشري.
وكان المشري قد انتقد الدبيبة علنًا في أكثر من مناسبة، متهمًا إياه بالتسبب في توتر الأوضاع الأمنية في العاصمة طرابلس، لاسيما خلال الاشتباكات المسلحة التي شهدتها المدينة بين تشكيلات أمنية ومجموعات ميليشياوية متناحرة.
ويقرأ مراقبون هذا الدعم السياسي على أنه جزء من تحالفات ظرفية تسعى لتقوية مواقع بعض الأطراف داخل معادلة الحكم، لا سيما في ظل الغموض الذي يكتنف مصير الانتخابات المرتقبة، وفشل البعثة الأممية حتى الآن في إيجاد أرضية توافق بين الفرقاء.
من جانبه، واصل خالد المشري تحركاته السياسية لكسب التأييد وتعزيز موقعه، حيث عقد لقاءً في طرابلس مع النائب العام الصديق الصور، بحث خلاله ملفات تتعلق بالانتخابات المقبلة، خصوصًا ما يتعلق بنزاهة السجلات المدنية والرقابة على العملية الانتخابية، في خطوة فسّرها مراقبون بأنها محاولة لإظهار استمراره كفاعل شرعي في المشهد السياسي، رغم الخسارة التي مني بها في انتخابات رئاسة المجلس.
وفي سياق متصل، ناقش مجلس النواب الليبي في بنغازي مع بعثة الأمم المتحدة، خلال لقاء مع رئيسة فريق الاستراتيجية دانييلا كروسلاك، تقييم أداء البعثة وسبل المضي قدماً نحو مرحلة انتقالية جديدة يقودها الليبيون. كما نظّمت البعثة ورشة نقاشية في إطار برنامج "بصيرة"، جمعت إعلاميين وأعضاء لجنة استشارية لإعداد مقترحات لتوحيد مؤسسات الدولة.
ويُعد المجلس الأعلى للدولة أحد أبرز مخرجات اتفاق الصخيرات لعام 2015، ويضطلع بدور استشاري في العملية السياسية الليبية، إلا أن تجدد الصراع على رئاسته يُعد انعكاسًا مباشرًا للمأزق الأكبر الذي تعانيه البلاد، والمتمثل في تعدد مصادر الشرعية وتضارب مراكز القرار، في ظل عدم إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية حتى الآن.
ويرى محللون أن استمرار هذا النوع من الخلافات الداخلية داخل المؤسسات المنتخبة أو المعينة يعمّق الانقسام، ويعطي إشارات سلبية للمجتمع الدولي وللأطراف الليبية، تفيد بعدم وجود نية حقيقية لإنهاء المرحلة الانتقالية، في ظل غياب إطار دستوري واضح واستمرار التدخلات الإقليمية والدولية.
وفي ظل غياب حلول توافقية، وتحول المؤسسات الليبية إلى ساحات صراع على السلطة، يزداد المشهد السياسي هشاشة، بينما تبقى العملية الانتخابية معلقة وسط الخلافات المتصاعدة. ويبدو أن عودة الخلاف على رئاسة المجلس الأعلى للدولة ليس سوى مؤشر جديد على استمرار الجمود السياسي، وغياب الإرادة الحقيقية لإنهاء الانقسام وإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس قانونية وشرعية.