ركود اقتصادي يخيّم على العراق مع تصاعد الحرب الإيرانية الإسرائيلية

العراقيون باتوا يفضلون الاحتفاظ بالنقد بدلاً من إنفاقه أو استثماره، خشيةً من تطورات محتملة قد تؤدي إلى تفاقم الأوضاع المالية والمعيشية.
الجمعة 2025/06/20
ركود تضخمي مركب

بغداد - تعيش الأسواق العراقية حالة من الركود الاقتصادي الواضح، في ظل تداعيات الحرب المشتعلة بين إيران وإسرائيل، والتي انعكست على مختلف مفاصل الحياة اليومية في البلاد. ويظهر هذا الركود بشكل جلي من خلال انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين، وتراجع الإقبال على الأسواق، خصوصاً على المتاجر الكبرى "الهايبر ماركت"، في وقت تتزايد فيه مشاعر القلق وعدم اليقين لدى شريحة واسعة من العراقيين.
ويرى مراقبون أن هذه الأزمة الاقتصادية تترسخ يومًا بعد يوم، في ظل حالة من التوجس الشعبي، حيث بات المواطنون يفضلون الاحتفاظ بالنقد بدلاً من إنفاقه أو استثماره، خشيةً من تطورات محتملة قد تؤدي إلى تفاقم الأوضاع المالية والمعيشية.
وقال الخبير الاقتصادي علي دعدوش في تصريح لموقع شفق نيوز الكردي العراقي إن ما يشهده العراق حالياً هو "ركود تضخمي مركب"، مشيرًا إلى أن "هذا الوضع يتسم بزيادة النفقات الحكومية، مثل تعويضات الموظفين، مقابل تراجع النشاط الاستهلاكي الحقيقي، نتيجة انعدام الثقة بالعملة الوطنية والخشية من القادم".
وأضاف دعدوش "ضعف الثقة بالدينار العراقي يدفع الكثيرين إلى تحويل مدخراتهم إلى الدولار، وهو ما يعزز المضاربة في السوق ويزيد الضغط على سعر الصرف، وبالتالي ترتفع أسعار السلع المستوردة".
وأشار إلى أن الإنفاق الحكومي شهد زيادة واضحة، موضحًا أن "فقرة تعويضات الموظفين ارتفعت من 13.3 تريليون دينار في الربع الأول من 2024 إلى 15.3 تريليون دينار في الربع الأول من 2025"، وهو ما يعني، نظريًا، وجود سيولة نقدية أعلى، لكنه لم يترجم إلى نشاط اقتصادي ملموس، خاصة في الأسواق الصغيرة والمتوسطة.
وأوضح أن الأسواق التعاونية، ومنها "الهايبر ماركت"، باتت تعاني من ضعف الإقبال بشكل ملحوظ، ما يعكس الركود العميق الذي أصاب قطاعات عدة. وأضاف أن "القلق من الحرب الراهنة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والكيان الصهيوني يدفع المواطنين إلى تخفيض إنفاقهم، ما يؤدي إلى مزيد من الانكماش الاقتصادي".
كما حذر من أن زيادة الكتلة النقدية من قبل البنك المركزي قد تؤدي إلى مزيد من فقدان الثقة بالدينار، ورفع الطلب على الدولار في السوق الموازية، ما يزيد من أسعار السلع والخدمات ويُعمّق الأزمة المعيشية.
وطرح دعدوش طرح حزمة من الحلول قصيرة الأجل لمعالجة الوضع الاقتصادي، أبرزها استخدام أدوات السوق المفتوحة للسيطرة على فائض السيولة وإعادة تفعيل شهادات الإيداع قصيرة الأجل بفوائد مغرية لتشجيع المواطنين على الادخار البنكي.
كما طالب بتقديم قسائم شرائية مؤقتة لمحدودي الدخل تُصرف في الأسواق المحلية فقط ومنح إعفاءات ضريبية مؤقتة للمحال التجارية الصغيرة لتحفيز خفض الأسعار وزيادة المبيعات.
من جهته، قال المحلل الاقتصادي أحمد عيد، في حديثه للموقع إن الشعور بعدم الاستقرار المالي أصبح سائدًا بين شرائح واسعة من المواطنين، ما دفعهم إلى اتباع ما يُعرف بـ"الاستهلاك الدفاعي"، وهو أسلوب يعتمد على تقليل الإنفاق للحد الأدنى ومحاولة ادخار ما يمكن تحسبًا للطوارئ.
وأشار إلى أن "تآكل الرواتب نتيجة ارتفاع الأسعار وتذبذب سعر صرف الدولار، جعل من الصعب على الكثير من الأسر العراقية تلبية احتياجاتها الأساسية، مما زاد من مظاهر الركود وأضعف الدورة الاقتصادية".
وحذر عيد من اتساع الفجوة بين دخل المواطن والتكاليف الحياتية، داعيًا إلى إجراءات عاجلة لضمان استقرار الدخل، وضبط الأسعار، وتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية، بالإضافة إلى إطلاق حزمة من الإصلاحات الاقتصادية العاجلة لإعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة.
وتُظهر بيانات وزارة التجارة أن مبيعات الأسواق التعاونية (الهايبر ماركت) خلال الأشهر الأولى من افتتاحها بلغت نحو 700 مليون دينار لكل فرع. إلا أنه لا توجد إحصاءات رسمية حالياً بشأن حجم المبيعات الشهرية، وسط مؤشرات واضحة على تراجع الإقبال وانخفاض المبيعات بفعل ضعف القدرة الشرائية.
وتُعد إيران من أبرز الشركاء التجاريين للعراق، إذ تشير التقديرات إلى أن حجم الواردات غير النفطية منها يصل إلى نحو 20 مليار دولار سنويًا. إلا أن هذا الرقم انخفض إلى 1.5 مليار دولار فقط خلال الشهرين الأخيرين، وفق بيانات الجمارك الإيرانية، ما يشير إلى تأثير مباشر للحرب على حركة التبادل التجاري بين البلدين.
في ضوء هذه المؤشرات، يبدو أن الاقتصاد العراقي دخل مرحلة حرجة، تتطلب تحركًا سريعًا وفعالًا لتفادي المزيد من الانكماش، وطمأنة المواطنين في ظل وضع إقليمي مضطرب وغير قابل للتنبؤ.