أنقرة تستخلص الدروس من حروب المنطقة وتنكبّ على تطوير منظومتها للدفاع الجوّي

الحفاظ على الجاهزية القتالية بتطوير نظام دفاع جوي وصاروخي متعدد الطبقات يدمج أنظمة رادار مع أسلحة محلية الصنع.
الجمعة 2025/06/20
تركيا ترفض الانتماء إلى البلدان المستضعفة جويا

أنقرة- أبرزت الحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل مجدّدا وجود حالة من التسيّد على الأجواء تختص بها مجموعة من القوى على رأسها الولايات المتّحدة الأميركية وحليفتها الدولة العبرية ما يمنحها ميزة في حروبها ويتيح لها التفوّق على أعدائها مهما امتلكوا من وسائل الصمود التقليدية على الأرض على غرار ما هو جار في الحرب الإيرانية-الإسرائيلية الحالية.

ولا تكتفي قوى صاعدة مثل تركيا على استخلاص الدرس المتجدّد من الحرب الدائرة في الإقليم بل تعمل على استثماره والاستفادة منه بشكل عملي بتسريع ما شرعت فيه من قبل من برامج هادفة لمنافسة القوى المتسيدة على الأجواء واللحاق بتطورها في المجال تقنيا ولوجستيا.

وفي سياق التفاعل مع الحرب الدائرة غير بعيد عن المجال الجغرافي التركي والتوقّي من تبعاتها المحتملة قال مصدر في وزارة الدفاع التركية، الخميس، إن تركيا عززت الأمن على حدودها مع إيران مع استمرار الصراع بين إسرائيل وإيران. وأضاف المصدر، الذي طلب عدم ذكره بالاسم، أن تركيا تواصل تطوير نظام دفاع جوي وصاروخي متعدد الطبقات ومتكامل، باستخدام أنظمة رادار وأسلحة محلية الصنع، مضيفا أن الهدف هو الحفاظ على جاهزيتها القتالية المحتملة عند مستوى عال.

ورغم ما أظهرته إيران إلى حدّ الآن من قدرة على الصمود في وجه الضربات الإسرائيلية الشديدة إلاّ أن قدرتها على الردّ على تلك الضربات بدت محدودة ومقتصرة على استخدام الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية محدودة الدقّة والقادرة على إلحاق أذى ببنى العدو وحتى بكتلته البشرية دون أن تحدث فارقا يمكن أن يؤدي لهزيمته. وفي مقابل ذلك ظل المجال الجوي الإيراني مكشوفا للطيران الإسرائيلي النفاث والمسيّر الذي تمكّن من إلحاق خسائر فادحة بالبنى والمرافق الحيوية لإيران.

وكانت السيطرة على الأجواء وتسيدها قد أثبتا فاعلية قصوى خلال الحرب التي قادتها الولايات المتحدة ضدّ العراق مطلع تسعينيات القرن الماضي حيث لعب سلاح الطيران بمختلف منظوماته دورا حاسما في إلحاق هزيمة كبرى بالقوات العراقية التي اضطرت للانسحاب من الأراضي الكويتية والسير في قوافل طويلة على أرض مكشوفة ودون غطاء جوي ما جعلها فريسة سهلة للطيران الأميركي.

◙ في سياق التفاعل مع الحرب الدائرة عززت تركيا الأمن على حدودها مع إيران مع استمرار الصراع بين إسرائيل وإيران

وتجدّد الدرس نفسه خلال حرب احتلال العراق مطلع الألفية الحالية حيث لم تتمكن القوات العراقية ومن ورائها النظام نفسه من الصمود سوى لفترة زمنية محدودة وذلك للسبب نفسه والمتمثّل في انكشاف الأجواء أمام قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة وسيطرة طيرانه بشكل كامل عليها.

ويجري في الوقت الحالي تكرار الظاهرة نفسها من خلال المواجهة المتقطّعة بين جماعة الحوثي في اليمن وإسرائيل التي ألحق طيرانها الحربي خسائر فادحة ببنى تحتية حيوية في البلد مثل مطار صنعاء الدولي وموانئ واقعة على الساحل الغربي اليمني أهمها ميناء الحديدة والتي لم تمتلك الجماعة الموالية لإيران أي وسيلة لحمايتها من الضربات الإسرائيلية المدمرة على الرغم من أن الجماعة ذاتها أظهرت بعض القدرة على مشاغلة الدولة العبرية وتهديدها باستخدام الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية.

ولا تريد تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي والتي تمتلك قوة عسكرية وازنة أن تظل في موضع الدول “المستضعفة جويا” وفي مرتبة البلدان المتسيَّد على أجوائها من قبل قوى أخرى، وبادرت لأجل ذلك إلى إنشاء منظومتها الدفاعية الجوية معوّلة في المقام الأول على قدراتها الذاتية بعد أن وقفت على تلكؤ حلفاء غربيين لها في تزويدها بأكثر التكنولوجيات تطورا في المجال حرصا على الحفاظ على تفوّقهم.

وتخلت تركيا عن مسعاها للحصول من الولايات المتحدة على نظام القبة الحديدية وأطلقت بدلا من ذلك استراتيجيتها الخاصة لتعزيز أمن مجالها بقدرات دفاعية ذاتية متقدمة ومتعددة الطبقات. وأعلن قبل نحو سنة عن الانتهاء من وضع الخطط الرئيسية لنظام دفاع جوي تركي أطلقت عليه تسمية القبة الفولاذية ويقوم بحسب مختصين في مجال الصناعات الدفاعية “على دمج مجموعة واسعة من أصول الدفاع الجوي وإنشاء صورة تشغيلية في الوقت الفعلي، وتمكين التحكم المركزي بمساعدة الذكاء الاصطناعي.”

وتجمع القبة الفولاذية الجاري تطويرها بالتعاون بين معهد الأبحاث الحكومي التركي وشركتين محلّيتين بين أجهزة الاستشعار الحالية والمستقبلية وشبكات الاتصالات والأسلحة ضمن نظام واحد لحماية المجال الجوي التركي بشكل شامل. ويهدف المشروع إلى إنشاء شبكة دفاع موحدة قادرة على الدفاع عن تركيا ضد التهديدات الجوية الناشئة مثل الطائرات بدون طيار والصواريخ.

ونقلت وسائل إعلام عن سيتكي إيجيلي الأستاذ المشارك في جامعة إزمير قوله إنّ القبة الفولاذية ليست جديدة تماما بل هي جهد لدمج أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي المختلفة التي تم تطويرها على مدى العقد الماضي، مضيفا أن المفتاح الحقيقي للدفاع الجوي الناجح لا يتمثل فقط في امتلاك الأسلحة المناسبة، بل في دمج كل هذه المكونات تحت نظام قيادة وسيطرة واحد.

3