ديناميكية الاستثمار الخارجي عالقة في دوامة الحرب التجارية العالمية

جنيف - تتزايد التحذيرات من الارتدادات القاسية للحرب التجارية العالمية التي أطلقت شرارتها الولايات المتحدة هذا العام على ديناميكية الاستثمار الخارجي المهم لاقتصادات العديد من الدول.
وبات الزخم الاستثماري في السنوات الأخيرة يواجه تحديات غير مسبوقة، في مقدمتها تصاعد الحروب التجارية بين القوى الكبرى، وما تبعها من توتر في سلاسل الإمداد العالمية، والسياسات الحمائية التي أعادت رسم خارطة تدفقات رؤوس الأموال الدولية.
وفي خضم هذه الحرب التجارية المتصاعدة أصبحت تدفقات الاستثمار الخارجي عالقة في دوامة من الشكوك والتقلبات، وهو ما حدّ من فاعلية هذا الاستثمار في لعب دوره التقليدي كمحفّز للنمو والتنمية.
وانضم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى قائمة الشخصيات التي تحذر من انعكاسات ما يحصل اليوم، ولم يخف قلقه من تراجع العولمة، في ظلّ انحسار جديد للاستثمارات الخارجية من المرتقب أن يتواصل مع احتدام التوتّرات التجارية.
وبعد انخفاض لسنتين متتاليتين، تبقى آفاق الاستثمار الأجنبي سلبية للعام 2025 بسبب انعدام اليقين الذي تولّده الحرب التجارية التي أطلقها دونالد ترامب منذ عودته إلى البيت الأبيض، بحسب مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد).
ووفق التقرير السنوي لهذه الوكالة الأممية المعنية بشؤون الاستثمار، تراجعت الاستثمارات الخارجية بنسبة 11 في المئة على الصعيد العالمي سنة 2024 لتصل إلى 1.5 تريليون دولار.
وقال غوتيريش في توطئة التقرير “في الوقت الذي من المفترض أن يعزّز فيه العالم التعاون ويوسّع الفرص، يحصل عكس ذلك. وتقام الحواجز وتتراجع العولمة.” وتابع “من شأن تنامي التوتّرات التجارية العالمية، وعدم اليقين السياسي والانقسامات الجيوسياسية، أن يفاقم المخاطر المحدقة بالبيئة الاستثمارية.”
وهذا المناخ الدولي المتوتر يفرز بيئة غير مستقرة للاستثمار الخارجي، ويجعل من الصعب على الدول النامية أن تستفيد من تدفقات الاستثمار لتحقيق أهدافها التنموية.
وفي ظل هشاشة الأطر القانونية وتراجع الثقة في النظام التجاري متعدد الأطراف، وانعدام التوافق الدولي حول قواعد الاستثمار، أصبح المستثمرون أكثر تحفظًا، وأكثر ميلًا إلى الاحتفاظ بأصولهم في أسواق آمنة أو التحرك نحو استثمارات قصيرة الأمد.
وينعكس هذا الوضع سلبًا على المشاريع الكبرى في البنية التحتية والطاقة المتجددة والصناعات الثقيلة في الدول النامية، التي كانت في السابق تعتمد بشكل كبير على رؤوس الأموال الأجنبية للنهوض باقتصاداتها.
وأشارت ريبيكا غرينسبان الأمينة العامة لمنظمة أونكتاد خلال عرض التقرير على الصحافيين إلى أنه “يوجّه رسالة واضحة وطارئة” مفادها أن الاستثمار الأجنبي “يبقى ضعيفا” وآفاق العام 2025 “سلبية”.
وجاء في بيان صادر عن أونكتاد أن التوتّرات الجيوسياسية وتشرذم التجارة واحتدام المنافسة بين السياسات الصناعية، هي عوامل “تقوّض ثقة المستثمرين على المدى الطويل،” مقرونة بمخاطر مالية وانعدام اليقين.
وقالت غرينسبان “للمرّة الأولى منذ كوفيد، رأينا المؤشّرات الأولى لانتعاش اقتصادي في 2024 مع نموّ للتجارة الدولية أسرع من نموّ إجمالي الناتج المحلي العالمي، غير أن انعدام اليقين اليوم قضى على هكذا فرصة في 2025.” وأشارت إلى أن “المشكلة هي أننا لا نرى نهاية المحادثات بشأن نظام الرسوم الجمركية.”
ويعزى تراجع الاستثمارات الأجنبية العام الماضي، في جزء كبير منه، إلى انحسار هذه الاستثمارات في البلدان المتقدّمة بنسبة 22 في المئة وخصوصا في أوروبا التي تستحوذ على نحو 58 في المئة من إجمالي تلك التدفقات.
غير أن أميركا الشمالية شهدت من جانبها ارتفاعا لهذه الاستثمارات بنسبة وصلت إلى نحو 23 في المئة خصوصا في الولايات المتحدة. وفي البلدان النامية بقيت التدفّقات الاستثمارية ثابتة في الإجمال مع اختلاف للنسب بحسب السياقات.
وارتفعت الاستثمارات الأجنبية في أسواق أفريقيا بمقدار 75 في المئة، لكن هذا النمو أتى مدفوعا بشكل أساسي من مشروع واحد في مصر. وبغية عكس الاتجاه السلبي توصي أونكتاد بالاستثمار في “مشاريع طويلة الأمد تكون شاملة ومتماشية مع التنمية المستدامة” بدلا من الاكتفاء بزيادة الاستثمارات.