ريادة الأعمال الخضراء تفتح آفاقا اقتصادية جديدة للأردن

برنامج حكومي مدعوم من أوروبا لتحويل أفكار الشباب إلى مشاريع واقعية.
الجمعة 2025/06/20
مكاسب مزدوجة للبيئة وسوق العمل

بدأت ريادة الأعمال الخضراء تبرز في الأردن كمسار واعد يفتح آفاقا اقتصادية جديدة، حيث تزداد الضغوط على الموارد الطبيعية وتتنامى الحاجة إلى توفير فرص عمل وتحفيز النمو، كخيار إستراتيجي لتحقيق تنمية مستدامة وشاملة، تجمع بين الابتكار والحفاظ على البيئة.

عمان - يشق عدد من الشبان في الأردن طريقهم نحو ريادة الأعمال من بوابة الاقتصاد الأخضر عبر مشاريع تجمع بين الابتكار البيئي والجدوى الاقتصادية وسط تنامي التحديات البيئية والحاجة الملحة إلى فرص عمل مبتكرة ومستدامة.

وقالت شهد الخطيب إحدى رائدات الأعمال المشاركات في برنامج ريادة الأعمال الخضراء المقدم من مركز تطوير الأعمال إن “مشروعي قائم على إعادة تدوير البلاستيك، لكن ليس كل أنواع البلاستيك.”

وأوضحت في تصريحات لرويترز “نحن نركز تحديدا على النوع الثاني (تايب 2) والنوع الخامس (تايب 5)، من بين سبعة أنواع أساسية.” وأضافت أن البلاستيك “يمر بعدة مراحل، أولها الجرش، ثم الصهر، وصب القوالب حسب الأشكال التي ننتجها”، مشيرة إلى أن منتجاتها تشمل الكراسي والطاولات والساعات “وأي شكل الناس تحبه وتطلبه”.

ولا يقتصر دور شركتها على ذلك فقط، بل تقوم بدور توعي من خلال القيام بدورات لطلاب المدارس خلال زيارتهم للمصنع ويعاينون مراحل إعادة التدوير بأنفسهم. وتابعت الخطيب "الطلاب يصنعون ميداليات خاصة بيهم للاحتفاظ بها. وهذا شجعهم على جمع البلاستيك ويقدموه لنا، صاروا مصدرا رئيسيا للمواد الخام التي نستخدمها."

وعن كيفية دخولها إلى هذا المجال قالت “رأيت إعلانا على الشبكات الاجتماعية عن دعم للمشاريع الخضراء، وبما أن مشروعي يعتمد على البلاستيك المعاد تدويره، قدمت وحضرت التدريب." وأضافت "لكن للأسف التمويل كان مخصصا فقط لمحافظة الزرقاء، وأنا من محافظة عمّان، بالتالي لم أكن مؤهلة للمنحة، رغم ذلك ما زالت أتواصل معهم، وأشارك في المعارض والفعاليات التي ينظمها المركز."

نايف استيتيه: حتى الآن تأهل 15 مشروعا للحصول على تمويلات
نايف استيتيه: حتى الآن تأهل 15 مشروعا للحصول على تمويلات

ويشرف مركز تطوير الأعمال على البرنامج المدعوم من الاتحاد الأوروبي، بهدف تشجيع الشبان بشكل خاص على تحويل أفكارهم إلى مشاريع ملموسة تُعالج مشكلات بيئية مثل استهلاك المياه، والتلوث البلاستيكي، والنفايات العضوية عبر حلول عملية.

ولا يقتصر دوره على التدريب النظري بل يشمل التوجيه، وإتاحة فرص التمويل، وحتى المشاركة في فعاليات مثل "الهاكاثون الأخضر" وهي مبادرة لدعم الحلول المبتكرة والعميلة والمستدامة لمعالجة تحديات المجتمع المحلي.

وأكد مدير المركز نايف استيتيه لرويترز أنه يوجد برنامجان لريادة الأعمال الخضراء يختلفان بجهة التمويل فقط، أحدهما خاص بتدريب الشبان على ريادة الأعمال في جميع المجالات المتعلقة بالاستدامة الخضراء وهو مستمر منذ عام 2017 وحتى الآن.

وقال "حتى الآن تأهل 15 مشروعا للحصول على تمويل بقيمة 2500 يورو لكل منها، والتي تنوعت بين إعادة تدوير المواد العضوية وإعادة تدوير الأقمشة ومعالجة المياه الرمادية وهي المياه التي تأتي من شبكة التصريف الصحي والمغاسل وأحواض الاستحمام."

ويواجه اقتصاد الأردن تحديات كثيرة منها ارتفاع معدلات البطالة وزيادة حجم الدين العام إضافة إلى تدفق اللاجئين من دول مجاورة وتأثير الأوضاع السياسية والأمنية على حركتي الشحن والطيران.

وشارك محمد الصالح، أحد الشبان المستفيدين من برنامج ريادة الأعمال الخضراء، في البداية في تدريب متخصص حول الحصاد المائي نظمه مركز تطوير الأعمال، وهو ما فتح أمامه الطريق.

وقال "بعد ذلك مباشرة، خضت تدريبا ثانيا حول ريادة الأعمال وكتابة مقترحات المشاريع، وهو ما ساعدني في بلورة فكرتي بشكل عملي، ومن خلال التدريب، أتيحت لي الفرصة للمشاركة في فعالية اسمها الهاكاثون الأخضر، والتي امتدت لمدة خمسة أو سبعة أيام."

وأضاف "كانت تجربة ثرية جدا، وكان فيها خبراء من مجال الطاقة، ومهندسون زراعيون، ومختصون في مجالات متعددة، ساعدونا في تطوير أفكارنا وتنقيحها."

وأوضح الصالح أن عدد المشاركين في الهاكاثون كان حوالي 50 شخصا "كل واحد قدم فكرته بطريقة تنافسية أمام لجنة تحكيم." وأشار إلى أن فكرة مشروعه تقوم على توسعة مشروع قائم، أو بالأصح الاستفادة من المساحات المتاحة داخل المشروع الأصلي، لتطبيق الزراعة المائية، التي بدورها تركز على توفير استهلاك المياه في الزراعة.

ولا يقع الاضطلاع بمهمة التوسع في ريادة الأعمال الخضراء على عاتق جهة واحدة إذ تشارك وزارة البيئة في الدفع بهذا الاتجاه. وقال بلال الشقارين مدير مديرية الاقتصاد الأخضر في الوزارة إن "مشروع تطوير ريادة الأعمال الخضراء خطوة متقدمة نحو بناء منظومة وطنية متكاملة لدعم الريادة الخضراء، وتمكين الشباب من المساهمة الفاعلة في الاقتصاد الأخضر."

بلال الشقارين: البرنامج خطوة لبناء منظومة لدعم الريادة الخضراء
بلال الشقارين: البرنامج خطوة لبناء منظومة لدعم الريادة الخضراء

وأضاف لرويترز أنه "يستهدف تحفيز الشباب على تأسيس مشاريع خضراء مستدامة تراعي البعد البيئي وتحقق تنمية متوازنة، لاسيما في قطاعات حيوية مثل الزراعة والطاقة والمياه والبيئة، ما يُسهم في مواجهة البطالة وتعزيز التشغيل الذاتي في المحافظات."

وتابع “نجحنا من خلال المشروع في تدريب أكثر من 120 رياديا خلال عامين، واحتضان نحو 20 فكرة ريادية واعدة مع تقديم خدمات التشبيك والتمويل والاستثمار لرفع جاهزيتها وتحقيق أثر اقتصادي وبيئي ملموس."

وأشار الشقارين إلى أن البرنامج لا يدعم الأفراد فحسب، بل يشمل أيضا بناء قدرات المؤسسات المحلية والجمعيات البيئية وتدريب خبراء محليين في مجالات متعددة. لكن الدفع في هذا التوجه رسميا لا يعني أنه لا توجد عقبات تواجه مشاريع ريادة الأعمال الخضراء في الأردن لعل من أبرزها التمويل والبيئة التشريعية المناسبة.

وقال عمر شوشان خبير الهندسة البيئية لرويترز إن "ريادة الأعمال الخضراء في الأردن لا تزال تواجه تحديات هيكلية تقوض من فاعليتها وانتشارها."

وأضاف أن "توفر الإرادة السياسية تجاه الاقتصاد الأخضر لا يكفي وحده، إذ يواجه الرياديون الخضر عقبات تتعلق بصعوبة الوصول إلى التمويل، وتعقيد الإجراءات، وضعف التنسيق بين الجهات المعنية."

وأشار إلى أن “معظم الفرص التمويلية لا تزال تتركز في المشاريع الكبرى أو المدعومة من شركاء دوليين، في حين يواجه الرياديون المحليون صعوبة في الوصول إلى هذه الموارد بسبب نقص المعلومات، وضعف الجاهزية القانونية والمالية لمشاريعهم."

ووفق شوشان، فإن الإطار التشريعي لا يزال قاصرا في تحفيز التحول الكامل نحو الاقتصاد الأخضر، إذ تفتقر القوانين إلى أدوات تنفيذ فعالة وآليات مراقبة بيئية صارمة. وأكد أن تعزيز ريادة الأعمال الخضراء يتطلب تطوير أدوات تمويل عادلة وشاملة، وتبسيط الإجراءات، وتوفير بيئة تشريعية محفزة تستند إلى الحوافز لا المعوقات.

10