مساع تونسية حثيثة لتعزيز مشاركة البنوك في جهود التنمية

مجلس الجهات والأقاليم يمارس ضغوطا على البنوك للالتزام بالقرارات التنظيمية الصادرة عن البنك المركزي.
الجمعة 2025/06/20
المخاطرة جزء من نمو الأعمال

تكشف الضغوط التي تمارسها السلطات على القطاع المصرفي من أجل الالتزام بدوره التمويلي عن إصرار المسؤولين على تحقيق اختراق في جدار ضعف مشاركة البنوك في جهود التنمية، إذ كان تقاعسها محل جدل مستمر داخل الأوساط الاقتصادية والشعبية.

تونس - يمارس المسؤولون التونسيون، بمن فيهم أعضاء لجنة المالية والميزانية بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم، ضغوطا على البنوك للالتزام بالعمل بالقرارات والاتفاقيات الصادرة عن البنك المركزي.

وأكدوا خلال جلسة استماع لممثلي المجلس البنكي والمالي (الجمعية المهنية التونسية للبنوك والمؤسسات المالية سابقا) حول “تعديل الجدول الضريبي” الأربعاء، أهمية تنويع القروض ومعاضدة جهود الدولة في دفع الاستثمار ومنح المستثمرين التمويلات الكافية لإطلاق مشاريعهم.

ولطالما عكس عدم المراجعة الجادة لدور البنوك الإصرار على التشبث بتوجه لم يثبت أنه ذو جدوى، وتدور في فلكه مآخذ كثيرة، ويبرز ذلك عبر الانتقادات المتكررة، لاسيما من قبل المنظمات المحلية والمؤسسات الدولية المانحة ووكالات التصنيف الائتماني.

وعلاوة على ذلك، فإن وعود البنك المركزي بوضع آلية تقوم على إجبار القطاع المصرفي على تمويل القطاعات الإنتاجية، ظلت حبرا على ورق بسبب إصرار البنوك، التي لم تواكب عصر الرقمنة، على عدم الدخول في مخاطرة قد تزيد من متاعبها.

وتبدو البنوك محل تذمر من شريحة واسعة من المتعاملين وقطاع الأعمال بسبب خدماتها والاقتطاعات الكبيرة الموظفة على الخدمات التي تقدمها والتي يبررها مسؤولوها بكونها انعكاسا لسياسة التشديد النقدي الذي يتبعه المركزي منذ أكثر من ثلاث سنوات.

ورصدت اللجنة، وفق بيان لمجلس الجهات والأقاليم أوردته وكالة الأنباء التونسية الرسمية، تواصل وجود إخلالات وتجاوزات تسلط على المتعاملين في عدد من البنوك، مقترحين إنشاء هيكل منظم للبنوك لتفادي هذه الإشكاليات.

◙ الضرورة تقتضي أن تضطلع البنوك بدورها كاملا في تمويل الاستثمارات والمشاريع
◙ الضرورة تقتضي أن تضطلع البنوك بدورها كاملا في تمويل الاستثمارات والمشاريع

وشددت على ضرورة القيام بالتشخيص الشامل للوقوف على مختلف الصعوبات التي تمر بها البنوك ولاسيما منها العمومية، وإيجاد آليات وتصورات جديدة تطور إمكانيات وخدمات هذه البنوك.

وتسببت تداعيات اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية مطلع 2022 في تكريس تقوقع البنوك والاكتفاء بتحقيق أرباح من أعمالها التشغيلية نتيجة نسب أسعار الفائدة المرتفعة دون المخاطرة بتوسيع قاعدة القروض أو تمويل المشاريع الجديدة.

ولكن في الأشهر الأخيرة أصبحت المنظومة المصرفية محطّ أنظار صانعي القرار الاقتصادي، وذلك في ظل الحاجة الملحّة إلى توجيه طاقاتها نحو دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية بشكل فعلي.

وكشفت الأزمات المتراكمة التي عرفها الاقتصاد، سواء تلك المرتبطة بتراجع الاستثمار، أو اختلال المالية العمومية، أو تعثر قطاع الأعمال، عن محدودية النموذج المصرفي التقليدي، القائم أساسًا على تمويل الدولة والانغلاق على منطق الربحية قصيرة المدى.

ويراوح الاقتصاد التونسي مكانه منذ سنوات، فقد وصل النمو إلى 0.4 في المئة عام 2023 قبل أن يسجل انتعاشًا طفيفًا بنسبة 1.4 في المئة خلال العام الماضي، مع توقعات بتحقيق نمو عند 2.3 في المئة هذا العام و2.3 في المئة خلال 2026 وفق تقديرات البنك الدولي.

غير أنّ هذا النمو الباهت يقابله عبء مالي وضخ ديون ضخمة؛ إذ ارتفع العجز المالي إلى نحو 6 و6.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بينما اقترب إجمالي الدين العمومي من 82 و84 في المئة من الناتج الإجمالي خلال العامين الماضيين.

ويضفي هذا الوضع ضغطًا على النظام المالي وينذر بمخاطر تقليص الاستثمار الإنتاجي، خاصة حين تلجأ السلطات إلى الاقتراض المحلّي لتأمين التمويل، ما يؤدي إلى إزاحة المستثمرين من القطاع الخاص.

وهذه المؤشرات تبعث برسائل واضحة مفادها أن الاقتصاد الوطني في حاجة إلى مصادر تمويل جديدة ومقاربة مختلفة للنمو، قائمة على الإنتاج والاستثمار، وليس فقط على الاستهلاك والمديونية.

ومن هذا المنطلق يُنظر إلى القطاع باعتباره فاعلًا في تشكيل السياسات التنموية، من خلال دوره في تعبئة الادخار، وتوجيه القروض نحو الأنشطة ذات القيمة المضافة، وتسهيل النفاذ إلى التمويل بالنسبة إلى الفئات المهمشة، وخاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة.

وفي نوفمبر 2023 خلصت دراسة أعدها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية حول “إشكالية تمويل الاقتصاد التونسي” إلى ضرورة أن تضطلع البنوك بدورها كاملا في تمويل الاستثمار والمشاريع.

◙ البنوك محل تذمر من شريحة واسعة من المتعاملين بسبب خدماتها والاقتطاعات الكبيرة الموظفة على الخدمات

وأوصت الدراسة بضرورة القيام بتحول عميق في النظام المصرفي للرفع من أدائه وزيادة كفاءته في مجال تمويل الاقتصاد والأفراد والشركات الصغيرة والمتوسطة.

وتواجه البنوك ضغوطا من السلطات التي صارت تلجأ إليها لتمويل العجز العام، إضافة إلى تشديد الضرائب خصوصًا على القطاع المصرفي بهدف زيادة الإيرادات، لاسيما ضمن ميزانية 2025.

في المقابل تبدو الحاجة ملحّة للدعم، لأنه بحسب الخبراء قد يقلّص الاعتماد المفرط على التمويل الحكومي قدرة البنوك على دعم القطاع الخاص ويزيد من مخاطر السيولة.

وتشير التقديرات إلى أن إجمالي أصول هذه المؤسسات المصرفية يبلغ قرابة 50 مليار دولار، حيث تستحوذ البنوك المحلية على 92.7 في المئة من هذه الأصول.

وتؤكد المؤشرات أن 6 بنوك يتقدمها بنك تونس العربي الدولي، تهيمن على 75 في المئة من هذا المجال، وعلى 73 في المئة من سوق القروض، وتحقق أرباحا تقدر بأكثر من ستين في المئة من إجمالي ما يجنيه القطاع.

وينشط في البلاد حوالي 43 بنكا، تنقسم بين 23 بنكا مقيما، تتضمن مؤسسات حكومية وخاصة، وسبعة بنوك غير مقيمة و8 مؤسسات للإيجار المالي وبنكي أعمال وشركتين للدفع ومؤسستين لإدارة الديون.

وتملك الدولة كلا من البنك الوطني الفلاحي وبنك الإسكان والشركة التونسية للبنك، فضلا عن مساهمتها في 16 بنكا خاصا من بين 24 مؤسسة مالية تعمل في البلاد، بينها ثلاثة بنوك غير مقيمة.

10