"سامية".. حكاية عداءة صومالية تحصد أكبر جوائز الداخلة السينمائي

الداخلة (المغرب) – أسدل مهرجان الداخلة السينمائي الدولي، مساء اليوم الأربعاء، الستار على دورته الثالثة عشرة، بعد أسبوع حافل من العروض السينمائية والنقاشات الفكرية، التي جمعت بين صناع الفن السابع من مختلف أنحاء أفريقيا والعالم العربي والأوروبي. دورة رسّخت، مرة أخرى، مكانة الداخلة كفضاء حاضن لتقاطع الثقافات البصرية وانفتاح على تجارب سينمائية متنوعة.
وشهد حفل الاختتام لحظة مؤثرة تمثلت في تكريم رمزي للمخرج المالي الكبير سليمان سيسيه، أحد رواد السينما الأفريقية، والذي وافته المنية مؤخراً.
وبهذه المناسبة، أكد عامر الشرقي، في كلمته التأبينية، أن كاميرا الراحل لم تكن مجرد أداة تصوير، بل كانت “سلاحا ناعما لقول الحقيقة، وللدفاع عن الكرامة الأفريقية، ولتخليد الحكايات المهمشة في ذاكرة السينما العالمية.”
ومن أبرز محطات الدورة، تميزت النسخة الثانية من منصة “الداخلة بروجيكت”، المخصصة لدعم مشاريع أفلام أولى لصناع شباب، والتي عرفت مشاركة عشرة مشاريع من دول مختلفة. وأعرب مدير المنصة رشيد زكي عن شعوره بـ”ثقل المسؤولية” في مواكبة هذا التمرين الإبداعي، مؤكداً أن الدورة تميزت بجودة المقترحات والاحترافية العالية.
من جهتها، شددت التونسية درة بوشوشة، رئيسة لجنة تحكيم “الداخلة بروجيكت”، على أن “الجميع فائز في هذه المنصة،” مشيدة بـ”غنى التصورات السينمائية والنقاشات المثمرة التي عرفها البرنامج،” وهو ما انعكس في المستوى المتقارب للمشاريع المتأهلة.
وقد توجت المنصة بثلاث جوائز رئيسية، إلى جانب جائزة تنويه خاص كانت من نصيب مريم عبيد عن مشروعها المغربي “دوريجين”.
وكانت الجائزة الكبرى من نصيب فيلم “الحقل” لمحمد بوحاري، أما الجائزة الثانية فذهبت إلى “طرفاية” لصوفيا علوي، في حين كانت الجائزة الثالثة من نصيب “في انتظار الحصاد” لساكو بانو من مالي.
في كلمته بعد التتويج، قال محمد بوحاري “شكرا للمهرجان الذي صنع لنا عائلة سينمائية صغيرة، جمعت بين الموهبة والحلم.”
وفي ما يخص المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة، التي عرفت تنافس ثمانية أفلام، فاز الفيلم الألماني – الإيطالي “سامية” للمخرجة ياسمين سامديريلي بالجائزة الكبرى. كما نالت إلهام محمد عثمان جائزة أفضل دور نسائي عن نفس الفيلم.
ويحكي الفيلم القصة الحقيقية للعداءة الصومالية سامية يوسف عمر. واستُلهم العمل من رواية “لا تقل لي إنك خائفة” للكاتب الإيطالي جوزيبي كاتوتسيلا، ويُجسّد رحلة سامية من طفولتها في شوارع مقديشو الممزقة بالحرب، حتى مشاركتها في أولمبياد بكين 2008، ثم هجرتها المحفوفة بالمخاطر إلى أوروبا في سبيل تحقيق حلمها بالمشاركة في أولمبياد لندن 2012.
وتبدأ حكاية الفيلم في مدينة مقديشو، حيث تكتشف سامية حبها للجري منذ كانت في التاسعة من عمرها، متحدية التقاليد الصارمة والقيود المفروضة على النساء في المجتمع الصومالي. وتتمسك الفتاة بموهبتها الجسدية، حتى تنجح في سن السابعة عشرة، في أن تمثل بلادها في أولمبياد بكين، لكنها بعد ذلك تُجبر على خوض رحلة هجرة قاسية من القرن الأفريقي إلى أوروبا، مرورًا بليبيا ثم عبور البحر المتوسط، على أمل بناء مستقبل أفضل.
لعبت دور البطولة في الفيلم إلهام محمد عثمان، إلى جانب الممثلين فطاح محمد أبيسي، وفاتح غيدي وآخرين.
وشارك “سامية” في عدة مهرجانات دولية كبرى، منها مهرجان ترايبيكا في نيويورك، ميونخ، طريق الحرير في الصين، ريكيافيك في آيسلندا، والقاهرة السينمائي. نال الفيلم جائزة الجمهور في مهرجان ميونخ، وتنويها خاصًا في ترايبيكا، كما حازت ياسمين شامديرلي على جائزة أفضل مخرجة في مهرجان طريق الحرير السينمائي.
وقد نال الفيلم إشادة نقدية واسعة، حيث وصفته منصة “سين أوروبا” بأنه “سيرة ذاتية مؤثرة تمسّ القلب،” وأثنت على أداء الممثلة الرئيسية. أما مهرجان ترايبيكا فامتدحه لتسليطه الضوء على قضية اللاجئين من منظور إنساني، مع التركيز على نضال المرأة في مجتمعات مغلقة.
وكانت جائزة أفضل ممثل في مهرجان الداخلة السينمائي، من نصيب إبراهيم مباي عن أدائه في فيلم “لا قيود ولا وسادة” للبنيني سيمون موتايرو. ومنحت لجنة التحكيم تنويها خاصا لفيلم “حياة” للمخرج التركي زكي ديميركوبوز، في حين عادت جائزة لجنة التحكيم لفيلم “هنامي” للمخرجة دينيس فيرنانديز من الرأس الأخضر.
وتميزت المسابقة الرسمية للأفلام القصيرة بتنوعها الجغرافي والمضموني، وأسفرت نتائجها عن جائزة أفضل سيناريو من نصيب “لا توقظ طفلاً نائماً” لكيفن أوبيرت (إنتاج مشترك مغربي – فرنسي – سينغالي)، وجائزة الإخراج لفيلم “ليني أفريكو” للمخرج التونسي مروان لبيب، أما جائزة لجنة التحكيم ففاز بها فيلم “سكون” لدينا ناصر (الأردن – مصر – فلسطين)، في حين حصل فيلم “اجتماع ما قبل الفجر” للمخرج الكونغولي جون فان إيغلون على تنويه خاص.
وعلى مستوى جائزة الجمهور، حظي الفيلم المغربي “المرجة الزرقاء” للمخرج داوود أولاد السيد بتتويج مستحق، عكس تفاعل الجمهور مع قصة العمل وروحه الفنية.