فوضى الملعب تحرج الدبيبة بعد إعلانه سيطرة وزارة الداخلية على طرابلس

إطلاق النار على الجماهير وهتافاتها ضد الدبيبة لاستخدام القوة المفرطة وصفها البعض بـ"فضيحة أمنية" تنسف ادعاءات السيطرة وتؤكد استمرار النفوذ المسلح.
الخميس 2025/06/19
سلطة هشة رغم الادعاءات

طرابلس – أثار رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية المنتهية ولايتها، عبدالحميد الدبيبة، جدلا واسعا بتصريحاته الأخيرة حول "تأمين العاصمة"، والتي تأتي في خضم فوضى عارمة شهدها ملعب طرابلس تخللها إطلاق نار على الجماهير الرياضة.  

وفي خطوة مثيرة للجدل أعلن الدبيبة في كلمة له خلال اجتماع أمني بمقر وزارة الداخلية في طرابلس الأربعاء، أن تأمين العاصمة طرابلس (غرب) أصبح من اختصاص وزارة الداخلية وحدها للمرة الأولى منذ عام 2011، وفق منصة "حكومتنا" الرسمية على فيسبوك.

وقال الدبيبة "ننتقل اليوم من مرحلة التحدي إلى مرحلة التمكين، ومن الفوضى إلى تثبيت أركان الدولة، والجميع أذعن لمشروع الدولة وإجراءاتها السيادية".

وأضاف "تم إقرار تشكيل لجنتين، بالتنسيق مع المجلس الرئاسي، للترتيبات الأمنية ومتابعة أوضاع السجون ".

وفي 5 يونيو الجاري، أصدر رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي قرارا بتشكيل لجنة للترتيبات الأمنية والعسكرية برئاسته، لإعداد وتنفيذ خطة لإخلاء طرابلس من المظاهر المسلحة.

كما قرر تشكيل لجنة حقوقية برئاسة قاضٍ لمتابعة أوضاع السجون وأماكن الاحتجاز وإجراء زيارات تفتيش دورية وحصر ومراجعة حالات التوقيف التي تمت خارج نطاق السلطة القضائية أو دون الإحالة إلى النيابة العامة.

وقالت حكومة الوحدة الوطنية، في بيان سابق، إن قرار تشكيل اللجنتين جاء عقب اتفاق بين الدبيبة والمنفي.

وخلال اجتماع اليوم، قال الدبيبة إن "وزارة الداخلية أصبحت الجهة الوحيدة المسؤولة عن تأمين العاصمة لأول مرة منذ 2011"، في إشارة إلى تاريخ اندلاع انتفاضة مسلحة أطاحت بنظام حكم معمر القذافي (1969-2011).

وتابع "ما تحقق هو انتصار حقيقي للدولة لم يكن ليتحقق لولا القضاء على أكبر مليشيا إجرامية"، في إشارة إلى ما يسمى "جهاز دعم الاستقرار"، بقيادة عبدالغني الككلي، الذي قتل في 12 مايو الماضي.

وفي ذلك اليوم، اندلعت في طرابلس اشتباكات بين مجموعات مسلحة، قبل أن تعلن وزارة الدفاع بحكومة الوحدة بدء تنفيذ وقف لإطلاق النار ونشر قوات نظامية محايدة في نقاط تماس، بالتنسيق مع الجهات الأمنية المختصة.

ومعلقةً على تلك الاشتباكات، قالت الحكومة آنذاك إن ما يجري هو خطة أمنية حكومية للقضاء على المليشيات وبسط سيطرة وهيبة الدولة.

وزاد الدبيبة، في كلمته "وصلنا إلى مرحلة تؤهل وزارتي الداخلية والدفاع لتأسيس الدولة ومؤسساتها، وانتهى عصر الشيخ والحاج (لقبان يطلقان على قيادات المليشيات) في أجهزتنا الأمنية والعسكرية".

وتوجه إلى الحضور قائلا "مديرية أمن طرابلس مطالبة بتقديم نموذج قوي يشمل كل البلديات والأحياء والتزامكم بتأمين المظاهرات ونجاحكم في اختبار ضبط النفس يعكس نضجكم الأمني".

وأكد أن "التعاون مع وزارة الدفاع وجهاز الأمن الداخلي ضروري في هذه المرحلة، ويجب أن يكون القبض والتوقيف من اختصاص وزارة الداخلية فقط وتحت إشراف النيابة".

تتناقض تصريحات الدبيبة عن سيطرة وزارة الداخلية الكاملة على طرابلس و"انتهاء عصر الميليشيات" بشدة مع فوضى الملعب المروعة التي شهدتها العاصمة.

ففي الوقت الذي يتوعد فيه الدبيبة القوى المعارضة والجماهير، كشف إطلاق الرصاص الحي على الجماهير وهتافاتهم ضده عن استخدام القوة المفرطة ومحاولة الحكومة فرض الأمن قسرًا. هذه الأحداث، التي وصفها البعض بـ"فضيحة أمنية"، نسفت ادعاءات الدبيبة بالسيطرة، مؤكدة أن النفوذ المسلح لا يزال حاضرًا بقوة وأن "وهم الإنجازات الأمنية" لم يعد يقنع أحدًا من الليبيين.

هذه الأحداث، التي وصفها البعض بـ"فضيحة أمنية"، نسفت ادعاءات الدبيبة بالسيطرة، مؤكدة أن النفوذ المسلح لا يزال حاضرًا بقوة وأن "وهم الإنجازات الأمنية" لم يعد يقنع أحدًا من الليبيين.

وقد توقفت مباراة "الديربي" بين أهلي طرابلس وضيفه الاتحاد الليبي، مساء الأربعاء، ضمن منافسات الدوري الليبي الممتاز، إثر أعمال شغب عنيفة تجاوزت حدود الملعب.

شهدت المباراة اشتباكات بين اللاعبين بعد هدف التقدم للاتحاد، مما دفع الحكم لإيقافها نهائيًا. وعلى الرغم من قرار إقامة المباراة بدون جمهور، اقتحمت فئة من أنصار الفريقين المدرجات واشتبكت فيما بينها.

وتوقفت مباراة "الديربي" بين أهلي طرابلس وضيفه الاتحاد الليبي، مساء الأربعاء، ضمن منافسات الدوري الليبي الممتاز، وذلك إثر أعمال شغب وفوضى خطيرة شهدها اللقاء وتجاوزت حدود الملعب.

وشهدت المباراة، نقطة تحول محورية في الدقيقة 38، عندما تمكن اللاعب المغربي نوفل الزرهوني من تسجيل هدف التقدم للاتحاد الليبي من ركلة حرة مباشرة، وعقب الهدف، نشبت اشتباكات عنيفة بين لاعبي الفريقين أثناء الاحتفال، الأمر الذي دفع حكم اللقاء إلى اتخاذ قرار بإيقاف المباراة نهائيا.

وعلى الرغم من قرار إقامة المباراة بدون جمهور، شهدت المدرجات اقتحام فئة من أنصار الفريقين، الذين اشتبكوا فيما بينهم، مما أضاف بعداً آخر من الفوضى إلى الأحداث التي تجري داخل أرضية الملعب.

ولم تتوقف الأحداث عند حدود الملعب، بل امتدت أعمال الشغب إلى محيطه، حيث أقدم مسلحون على إطلاق الرصاص الحي على جماهير الأهلي، بينما تم إضرام النار في حافلة نادي الاتحاد الليبي. وقد تداولت وسائل إعلامية محلية ومواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تظهر جماهير الأهلي طرابلس المحاصرة داخل مقر النادي تهتف ضد الدبيبة بعد تعرضهم للرماية بالرصاص الحي وإصابة بعضهم.

وتداولت وسائل إعلامية محلية ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تظهر جماهير الأهلي طرابلس المحاصرة داخل مقر النادي تهتف ضد الدبيبة بعد تعرضهم للرماية بالرصاص الحي و إصابة بعضهم.

في المقابل، قابلت تصريحات الدبيبة انتقادات حادة، حيث كتب المرشح الرئاسي سليمان البيوضي عبر صفحته على فيسبوك "في الصباح رئيس الحكومة المنتهية توعد جماهير الأندية بالملاحقة والقبض والتنكيل... الآن قواته في العاصمة طرابلس تنفذ وعيده بالرماية بالرصاص الحي على جمهور رياضي".

وأضاف البيوضي "إننا أمام أسوأ سيناريو قد يحدث في العاصمة، ومن يتحمل المسؤولية البعثة الأممية ومن خلفها المجتمع الدولي". وتساءل "أي سقوط أخلاقي وسياسي وصلته هذه السلطة البائسة".

واعتبر البيوضي أن التوتر الأمني في العاصمة طرابلس ليس سوى "محاولة يائسة لاحتلالها بالقوة الغاشمة"، بهدف "تعطيل المسار السياسي وإطالة عمر الفوضى والفساد".

واختتم رسالته بوسم #نهاية_الدبيبة، مؤكدًا أن الشارع الليبي بات يدرك من يقف خلف تمويل الميليشيات وأن هذه الجماعات ابتلعت الدبيبة وسلطته بالكامل.

ويعتقد أن تصريحات الدبيبة كانت محاولة لاستعراض القوة وبسط السيطرة في إطار صراعه على البقاء في السلطة. ومع ذلك، فإن أحداث الملعب جاءت لتكشف زيف هذه الادعاءات وتُظهر أن طرابلس لا تزال تعاني من غياب الاستقرار والفوضى المسلحة، مما يُسهم في تعميق الانتقادات الموجهة للدبيبة وحكومته.

ومنذ أكثر من ثلاث سنوات، يعيش البلد الغني بالنفط أزمة تتمثل في وجود حكومتين: إحداهما هي حكومة الوحدة برئاسة الدبيبة، المعترف بها من الأمم المتحدة ومقرها طرابلس، وتدير منها غرب البلاد. والأخرى كلفها مجلس النواب، يرأسها حاليًا أسامة حماد، ومقرها بنغازي، وتدير شرق البلاد ومدنًا في الجنوب.

تتابع البعثة الأممية جهودًا لحل الخلافات بين مؤسسات الدولة في ليبيا، لا سيما بشأن القوانين المفترض أن تُجرى وفقًا لها انتخابات برلمانية ورئاسية طال انتظارها منذ سنوات.

ويأمل الليبيون أن تضع الانتخابات حدًا للصراعات السياسية والمسلحة، وتنهي الفترات الانتقالية المتواصلة منذ الإطاحة بالقذافي. لكن تصرفات الدبيبة الأخيرة، وتصاعد الاتهامات الموجهة إليه، تعكس مدى التحديات التي تواجه المسار السياسي الهادف إلى استقرار البلاد وإنهاء حالة الانقسام.