دروز سوريا على خطى الأكراد في البحث عن تصور مشترك للعلاقة مع دمشق

السويداء (سوريا) - احتضنت مدينة السويداء، جنوب سوريا، مؤتمرا عاما بمشاركة واسعة لفعاليات دينية وسياسية ومدنية درزية، تستهدف الخروج بتصور موحد حيال شكل وطبيعة العلاقة مع السلطة المركزية في دمشق.
وتذكّر الخطوة الدرزية بتحرك مماثل للأكراد في شمال شرق سوريا، في أبريل الماضي، والذي أثار حينها ردود فعل غاضبة من السلطة المركزية التي وصفت حينها مؤتمر “وحدة الصف والموقف الكردي”، بأنه تهديد للبلاد، على خلفية ما تمخض عنه من مطالب تنادي “بدولة ديمقراطية لامركزية”.
وشارك في المؤتمر العام في السويداء نحو 120 شخصية، من ضمنهم ممثلون عن شخصيات دينية، أبرزها شيخا عقل الطائفة الدرزية، ذات الغالبية في المحافظة، يوسف جربوع وحمود الحناوي، وممثل عن الرئيس الروحي للطائفة، حكمت الهجري، إلى جانب شخصيات من الطائفة المسيحية.
الأقليات تحاول الضغط على السلطة في دمشق من أجل جملة من المطالب تضمن من خلالها حقوقها المدنية والسياسية
وبحسب موقع “عنب بلدي” القريب من السلطات في دمشق، فقد تضمن المؤتمر الذي حمل اسم “نحو سوريا الواحدة” جولتين للنقاش، خاضها ممثلون عن تيارات سياسية في المحافظة، إضافة إلى كلمات وتوصيات الممثلين عن الشخصيات الدينية.
وقالت الناشطة السياسية والمنسقة في المؤتمر ميساء العبدالله إن المؤتمر خرجت عنه “أمانة عامة” انبثقت عن الهيئة العامة للمؤتمر، والتي يتم الآن فرز أصوات المرشحين لها.
وأضافت العبدالله ي تصريحات لـ”عنب بلدي” أن من أولويات الأمانة العامة، التنسيق مع دمشق وتنظيم العلاقة بين المحافظة والحكومة، والتأكيد على مشاركة السويداء ضمن بناء الدولة السورية.
وتعيش الأقليات في سوريا حالة من القلق منذ سقوط نظام الرئيس بشار الأسد في ديسمبر الماضي، وما تلاه من انتهاكات محسوبة على السلطة الجديدة التي نشأت من رحم هيئة تحرير الشام، على غرار ما جد في منطقة الساحل بحق الأقلية العلوية، وأيضا ما حصل في مناطق ذات غالبية درزية في ريف دمشق وحتى السويداء.
وتحاول الأقليات الضغط على السلطة في دمشق من أجل جملة من المطالب تضمن من خلالها حقوقها المدنية والسياسية، وتجعلها شريكا أساسيا في المرحلة الجديدة التي تشهدها البلاد.
وقال الباحث السياسي وأحد أعضاء لجنة المراقبة في مؤتمر السويداء جمال الشوفي إن أعضاء اللجنة لا يزالون بصدد صياغة المخرجات والتي تحتاج إلى وقت بسبب حجم المداخلات الكبير.
وبحسب الناشطة ميساء العبدالله سجل المؤتمر أكثر من 90 مداخلة تمّت مناقشتها، إضافة إلى جلسات حوارية، مشيرة إلى أن المخرجات لن تصدر حتى تصاغ بشكل واضح.
وتمثلت النقاط التي نوقشت في المؤتمر، وفق الشوفي، في حالة الاستعصاء التي حصلت مع السويداء وضرورة التواصل مع الحكومة لافتًا إلى التفريق بين مفهوم الدولة والسلطة.
كما ناقش المؤتمر ضرورة تفعيل الاتفاقات السابقة وضبط السلاح وبحث ملف العدالة الانتقالية، ونقد الإعلان الدستوري وفتح حوار حوله، وتجريم الخطاب الطائفي ومحاسبة مرتكبيه، وفتح تحقيق بالأحداث التي جرت في السويداء وصحنايا وجرمانا، في أواخر شهر أبريل الماضي.
وكان هناك بعض المطالب التي اعتبرها الشوفي “استباقية” والتي تتعلق بـ”اللامركزية”، فيما أكد الحاضرون على أن شكل الدولة يحدده اتفاق وطني سوري عام مستقبلًا.
على خلاف المؤتمر الذي عقده الأكراد، لم يصدر أيّ تعليق من دمشق حيال مؤتمر السويداء الذي اختتمت أشغاله، ويعزو مراقبون ذلك إلى أن السلطة ترى بأنه من الممكن لها احتواء دروز سويداء
وترفض السلطة الجديدة في دمشق التي يقودها الرئيس أحمد الشرع، بشدة تطبيق نظام لامركزي في سوريا، معتبرة أن الوضع القائم في البلاد لا يسمح بمثل هذه الطروحات، التي قد تنتهي بتفتيت للبلاد.
في المقابل يقول أنصار اللامركزية من دروز وأكراد وغيرهم من الأقليات بأن هذا الخيار هو الأفضل بالنسبة إلى سوريا الجديدة لإدارة التنوع داخلها، بعد فشل ذريع للحكم المركزي طيلة العقود الماضية.
وقالت الناشطة ميساء العبدالله إن المشاركين في المؤتمر اتفقوا على مبادئ واحدة، تتمثل بسوريا واحدة موحدة، والسويداء جزء لا يتجزأ منها وضد الانفصال.
وأضافت أن شكل الحكم في سوريا يقرره جميع أفراد الشعب السوري وليس طائفة أو محافظة أو حتى السلطة الانتقالية الموجودة حاليًا فهي “ليست ضمن مسؤولياتها.”
وعلى خلاف المؤتمر الذي عقده الأكراد، لم يصدر أيّ تعليق من دمشق حيال مؤتمر السويداء الذي اختتمت أشغاله الثلاثاء، ويعزو مراقبون ذلك إلى أن السلطة السورية ترى بأنه من الممكن لها احتواء دروز سويداء والتعامل بهدوء مع مطالبهم، حيث أنهم في واقع الأمر لا يشكلون مصدر ضغط حقيقي، على خلاف المكون الكردي الذي نجح في بناء نموذج مصغر للحكم اللامركزي عبر ما سمّي بـ”الإدارة الذاتية”.
ويشير المراقبون إلى أن الموقف التركي أيضا يلعب دورا مهمّا في ردود فعل السلطة السورية، فأنقرة كانت ولا تزال واضحة بأنها لا تقبل بأيّ وضع خاص على حدودها.