تأثيرات محتملة لمآلات الأزمة الإيرانية على الانتخابات العراقية القادمة

اندلاع الحرب بين إيران وإسرائيل في فترة التحضير للانتخابات البرلمانية في العراق يلقي بظلاله على الاستحقاق، ذلك أن السيناريو الأسوأ الذي يمكن أن تنتهي إليه الحرب والمتمثّل في سقوط النظام الإيراني وانسياق البلد نحو الفوضى يشكّل كارثة للقوى العراقية الحاكمة والتي كثيرا ما اتّخذت من الجمهورية الإسلامية ظهيرا لها ومساعدا على استمرارها في الحكم.
بغداد- تلقي الحرب المفاجئة التي فرضتها إسرائيل على إيران بظلالها على الوضع السياسي الداخلي للعراق وذلك بحكم الترابط الوثيق الذي تشكّل على مدى العقدين الأخيرين بين بغداد وطهران بسبب طبيعة القوى القائدة بشكل رئيسي للعملية السياسية العراقية وهي عبارة عن أحزاب وفصائل شيعية تدين بالولاء لإيران وتشاركها، بالإضافة إلى الانتماء الطائفي، توجهاتها السياسية والأيديولوجية.
وصادف اندلاع الحرب بين الجمهورية الإسلامية والدولة العبرية مرحلة الاستعداد للانتخابات البرلمانية العراقية المقرّرة لشهر نوفمبر القادم، ما يجعل للصراع المستجدّ تأثيرا على الاستحقاق الانتخابي ورهانات التنافس فيه.

جمانة الغلاي: المفوضية جاهزة لإجراء الاستحقاق في موعدها المحدد
وتسلّط الحرب ضغوطا هائلة على إيران المرهقة أصلا بسبب مصاعبها الاقتصادية الناتجة عن العقوبات المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة وعدد من حلفائها الغربيين، وتهدّد استقرار نظامها وصولا إلى السيناريو الأسوأ المتمثل في سقوط ذلك النظام وتردي البلد في الفوضى، والذي سيعني للأحزاب والفصائل الشيعية العراقية خسارتها لظهيرها القوي وتلاشي هيبتها وطمع منافسيها في انتزاع السلطة من يدها في وقت تواجه فيه تلك القوى ذاتها تراجع شعبيتها وانحسار جماهيريتها وتوسّع دائرة النقمة عليها بسبب فسادها وفشل تجربتها في قيادة الدولة وتوقّف التنمية في عهدها واتساع دائرة الفقر والبطالة، إضافة إلى تردي الخدمات وانعدامها في بعض الأحيان.
وبدأت قوى شخصيات عراقية تستشعر ملامح الوضع الناشئ محليا عن الضغوط الشديدة المسلّطة على إيران ونظامها، وتحاول الاستثمار فيه للدفع باتجاه تغيير سبق للشارع العراقي أن أظهر رغبة في إحداثه لكنه اصطدم بقوّة حلفاء إيران وتماسكهم.
وشهد البلد سنة 2019 انتفاضة شعبية عارمة عرفت بـ”انتفاضة تشرين” رفع فيها المنتفضون في مدن وسط وجنوب العراق التي لطالما مثّلت الخزان الجماهيري للأحزاب الشيعية الحاكمة، شعار إسقاط النظام.
ووجه النائب السابق في البرلمان العراقي فائق الشيخ علي ما سماه “نداء خطيرا لثوار تشرين”، قائلا في منشور عبر منصّة إكس “هذه تعليقاتكم وتغريداتكم على صفحتي تطلبون مني إعلان ساعة الصفر والثورة على الميليشيات”، مضيفا “أقول لكم ساعة الصفر في دخولكم إلى المنطقة الخضراء واستلام الحكم في إحدى حالتين، الأولى: مقتل خامنئي، والثانية: سقوط النظام الإيراني.. فاستعدوا.”
ورغم أن هذا النداء يبدو رمزيا ومغاليا في استباق الأحداث إلاّ أنّه يعكس مزاجا عراقيا عامّا تواقا للتغيير لا يستبعد متابعون لشؤون البلد أن ينعكس خلال الاستحقاق الانتخابي القادم.
وراجت بالتوازي مع التقدم في التحضيرات للانتخابات توقعات بإمكانية أن تُحدث المناسبة تغييرات ملموسة في المشهد السياسي القائم منذ اثنتين وعشرين سنة، بما في ذلك تقليص مكانة القوى الشيعية في تجربة الحكم والحدّ من هيمنتها على مؤسسات الدولة وسياساتها، وذلك في حال سلم الاستحقاق من التزوير ومن استخدام السلطة والمال وحتى السلاح في التأثير على إرادة الناخبين، على غرار ما حدث بالفعل في دورات انتخابية سابقة.
ويبني أصحاب تلك التوقعات قراءاتهم للمشهد القادم على ما حدث من متغيرات محلية وإقليمية صبت أغلبها في غير مصلحة القوى الشيعية من أحزاب وفصائل مسلّحة موالية لإيران، لاسيما الخسارات التي مني به المحور الإيراني في لبنان وسوريا بعد الضربات القاصمة التي تلقاها حزب الله وسقوط نظام بشار الأسد، الأمر الذي ساهم في اهتزاز صورة القوى العراقية التي تشاركهما الانتماء للمحور ذاته.

عارف الحمامي: لا وجود لأي قرار حكومي أو سياسي بشأن تأجيل الانتخابات
وأوحت الحرب الإيرانية – الإسرائيلية الدائرة حاليا بأنّ مسار المتغيرات العاصفة يتّجه ليشمل هذه المرّة قائدة المحور ذاتها ورأس المنظومة الإقليمية المشكّلة من إيران ومجموعة أذرعها بما في ذلك الأذرع العراقية المتمكّنة من زمام السلطة.
ويبدو التغيّر واضحا في مزاج الشارع بما في ذلك داخل المناطق الشيعية حيث لم تعد العوامل الطائفية والشعارات العقائدية تغري الجمهور الذي بات يواجه معضلات كبيرة وقضايا مصيرية بعضها مستجدّ مثل مشكلة المياه والتلوّث المؤثر على الصحة العامة، بالإضافة إلى المشاكل المعهودة من فقر وبطالة وتردّ شديد في مستوى الخدمات العامة، والتي أصبح غالبية العراقيين على قناعة تامة بعدم إمكانية حلّها بنفس الأدوات وأطقم الحكم المنتمية لنفس القوى الحاكمة منذ أكثر من عقدين.
وبالتوازي مع حالة الشكّ وعدم اليقين لدى القوى العراقية الحاكمة بشأن مدى قدرتها على الحفاظ على مكانتها في الحكم من خلال صناديق الاقتراع، بدأت ظلال الشك تخيّم على مصير الاستحقاق نفسه، إذ قد يمثّل إلغاؤه أو إرجاؤه لأجل غير مسمّى الحلّ الأنسب للقوى المتوجسّة من نتائجه.
وتستبعد جهات عراقية مثل هذا السيناريو وذلك في سياق خطابها التطميني بشأن استقرار البلد ومناعته ضدّ تأثيرات الحرب بين إيران وإسرائيل.
وقال عارف الحمامي عضو اللجنة القانونية في البرلمان العراقي إنّه لا وجود لأي قرار حكومي أو سياسي بشأن تأجيل الانتخابات، مؤكّدا لوسائل إعلام محلية أنّ الحديث عن تأجيل الاستحقاق غير مطروح ولا توجد أي مؤشرات سياسية أو أمنية تستدعي ذلك حتى الآن.
وذكّر بأن “العراق أجرى انتخابات في ظروف أمنية أكثر تعقيدا من الوضع الحالي واليوم يمكن القول إن الداخل العراقي يشهد استقرارا أمنيا نسبيا، رغم التوترات الإقليمية والدولية المحيطة.”
وعلى صعيد إجرائي أكدت المتحدثة باسم مفوضية الانتخابات جمانة الغلاي أنه لا توجد أي نية لتأجيل الانتخابات النيابية المقبلة، قائلة في تصريحات صحفية إنّ المفوضية جاهزة لإجراء الاستحقاق في موعدها المحدد.