الطاهر المقدميني يعرض "غير المتوقع" في المغرب

التشكيلي التونسي يستكشف اللاتوقع كمبدأ إبداعي، حيث تعكس لوحاته توترا بين الصمت والحركة، بين الظهور والاختفاء، بأسلوب حرّ.
الخميس 2025/06/19
أعمال تستكشف أبعادا عالمية

الدار البيضاء – سافر الفنان التشكيلي التونسي الطاهر المقدميني بلوحاته الفريدة نحو المغرب، أين يعرضها لجمهور الفن التشكيلي في الدار البيضاء ضمن معرض بعنوان “غير المتوقع”، انطلق الثلاثاء، بحضور ثلة من محبي الفن والثقافة.

ويندرج هذا المعرض الفردي، الذي ينظمه رواق “أفريكان آرتي غاليري” بالتعاون مع رواق “أوبافريكارت” في بروكسل، إلى غاية 15 سبتمبر المقبل، في إطار رغبة مشتركة في إبراز الأصوات الفنية الأفريقية المعاصرة خارج الحدود.

ويستكشف الطاهر المقدميني اللاتوقع كمبدأ إبداعي، حيث تعكس لوحاته توترا مستمرا بين الصمت والحركة، بين الظهور والاختفاء، بأسلوب تصويري حرّ وحيوي.

ويقدم الفنان رحلة تأملية إلى قلب زمن معلق وضوء جديد، حيث يصبح الفن حدثا قائما بذاته، كما يكشف المعرض عن لوحات نابضة بالحياة ومأهولة، تتخللها صورة ظلية متكررة – الرجل ذو اللون الأسود – وهي شخصية شبحية وصامتة.

وبهذه المناسبة، قال المقدميني “الرسم بالنسبة لي هو خوض غمار المجهول. لم أرغب يومًا في السيطرة على اللوحة؛ بل أصغي إليها. ما لا يُتوقع هو ما يُرشدني، وما يزال يُفاجئني بعد كل هذه السنين. إنها طريقة للبقاء على قيد الحياة في حركاتي ونظراتي.”

وأضاف أن “الرجل ذا اللون الأسود ليس شخصية، بل هو حضور حقيقي. إنه يُجسّد اللامرئي، الصامت، المُراقب. في عالمٍ مُشبعٍ بالضجيج والصور، أحاول أن أُقدّم شكلًا من الصمت البصري، نَفَسًا من الهواء النقي.”

حح

من جانبه، قال الرئيس المؤسس لمعرض أوبافريكارت، وسام بربوشي، “الطاهر المقدّميني فنانٌ يتحدى التصنيفات ويقاوم جميع أشكال الموضة. أعماله تستكشف أبعادًا عالمية، مثل: مرور الزمن، وغموض الجسد، والذاكرة.”

وأضاف “مع حوالي ثلاثين عملا، لا يعد ‘غير المتوقع’ مجرد معرض، بل تجربة تستحق أن تُعاش، فكل عمل يمثل لغزا، وجزءًا من سرد معلق، ودعوة للتمهل والشعور بشكل مختلف.”

ويعد الفنان الطاهر المقدّميني، المولود سنة 1948 في جزيرة جربة، شخصية بارزة في المشهد الفني التونسي والدولي. تلقى تكوينه في المعهد العالي للفنون الجميلة بتونس، ثم في المدرسة الوطنية العليا للفنون الجميلة بباريس، حيث حظي بمسيرة فنية حافلة وفريدة، امتدت من مرسمه في زيورخ، وزياراته العديدة إلى باريس، واستقراره الدائم في جربة عام 1989.

بدأ المقدميني تنظيم معرض لأعماله في تونس عام 1969، ثم شارك في معارض دولية في زيوريخ، ميونيخ، برلين، لندن، نيس، وجنيف. بعد ذلك قرر الاستقرار بجزيرة جربة عام 1980، أين واصل إنتاجه الفني الغزير الذي يعكس ارتباطه العميق بالجزيرة وثقافتها.

في نوفمبر 2022، نظَّم مركز جربة للفنون معرضًا ضخمًا بعنوان “100 لوحة للفنان طاهر المقدميني” في رواق تربلا، ضمَّ مائة لوحة كبيرة الحجم أنجزها حديثًا. تنوَّعت الأعمال بين الأساليب السوريالية، الانطباعية، والتجريدية، مما عكس تطور أسلوبه الفني وتفاعله مع محيطه، واستمر المعرض مفتوحًا حتى سبتمبر 2023.

وحظيت تجربته باهتمام العديد من النقاد والباحثين، من بينهم المحلل النفسي فتحي بن سلامة الذي نشر في أبريل 2023، كتابا فنيا بعنوان “طاهر المقدميني، آرس إيماجيناليس”، باللغتين الفرنسية والإنجليزية، يتضمن معظم الأعمال المعروضة في معرض جربة، ويقدم تحليلًا نفسيًا وفنيًا عميقًا لمسيرة المقدميني وأسلوبه المميز.

ويتميّز أسلوب الفنان التونسي بالتنوّع والتطوّر المستمرين، ما يعكس عمق تجربته الفنية وثقافته البصرية المتعددة. وهو لا يتقيد بمدرسة فنية واحدة، بل يستلهم من عدة تيارات فنية مثل السوريالية، الانطباعية، والتجريدية.

خحخ

وتحضر السوريالية بقوة في لوحاته من خلال أشكال ورموز تتجاوز المنطق الواقعي، وتُجسّد عوالم داخلية أو رمزية تلامس النفس واللاوعي. في المقابل، يبدو تأثير الانطباعية واضحا في طريقته في استخدام الضوء واللون. كما يوظف أحيانا التجريد، ليمنح أعماله مساحة للتعبير الحر من خلال تكوينات لونية وخطوط تجريدية تُبرز طاقته الإبداعية وتعمّق رؤيته الفنية.

ولا تزال أعمال الفنان تُعرض عالميا وفي مجموعات مرموقة، من بينها مجموعة المتحف البريطاني، كما يواصل في هذه السلسلة استكشافا تصويريا عميقا، حيث يصبح الرسم قوة حيوية، وطاقة خام، وفوضى مُسيطَر عليها.

وتُعد أعماله جزءًا من مجموعات متحف بريتيش ميوزيم، ومتحف الفن الحديث بتونس، ومجموعة مدينة زيوريخ، مما يدل على مكانته البارزة في المشهد الفني العالمي.

14