"آرت بازل".. نسخة تتحدى الحدود احتفاء بالإبداع

معرض آرت بازل لا يعد حدثا فنيا عابرا وإنما لقاء سنوي له عشاقه من الفنانين ومقتني الأعمال الفنية الذين ينتظرون موعده السنوي، وهو هذا العام يشهد مشاركة عربية مهمة، إلى جانب إعلان انعقاد نسخة أولى منه في قطر، وهو ما يتماشى مع شعار دورته الحالية "تحدي الحدود".
بازل (سويسرا) – ينظم معرض آرت بازل، أحد أشهر معارض الفنون في العالم، هذا العام بمشاركة أكثر من 290 معرضًا فنيًا من جميع أنحاء العالم، من حوالي 40 دولة، تتنوع أعمالها ما بين اللوحات، والمنحوتات، والفن التركيبي، والفيديو، إلى جانب مشاريع فنية جماهيرية.
وقال نوح هورويتز، الرئيس التنفيذي العالمي لآرت بازل إن “نسخة 2025 من آرت بازل سيكون احتفالا مميزا بالفن في قلب أوروبا، حيث يكرس البرنامج الفني لهذا العام التزامنا بدفع حدود الممارسة الفنية المعاصرة إلى الأمام، وتعزيز الحوار العالمي من خلال منصة واسعة من الإبداعات الفنية والخبرات الفكرية.”
وتشهد نسخة هذا العام مشاركة بارزة لمؤسسات فنية مرموقة، وتعاون مع متاحف ومراكز ثقافية في بازل، مثل مؤسسة بييلير، وكونستال بازل، ومتحف كونست، ما يجعل المدينة بأكملها تتحول إلى فضاء فني نابض خلال أيام المعرض الذي تنطلق نسخته المفتوحة للعموم الخميس وتستمر حتى 22 يونيو الجاري، مع يوما عرض خاص لكبار الشخصيات في 17 و18 يونيو، والمهتمين بالفن من المستوى الرفيع.
متاحف قطر تشارك في المعرض بعد الإعلان عن استضافة الدوحة للنسخة الأولى من معرض “آرت بازل قطر”
ومن أبرز أقسام المعرض، قسم بعنوان “غير محدود” يعرض مشاريع طموحة تتجاوز حدود أجنحة العرض التقليدية، وقسم “دورة” (باركور) الذي يعيد تصوّر الفن العام من خلال مجموعة من الأعمال التركيبية والأداءات التي تنتشر في أنحاء مدينة بازل. إلى جانب قسم “حوارات” الذي يعرض سلسلة من الحوارات والندوات التي تجمع فنانين ومفكرين من جميع أنحاء العالم لمناقشة موضوعات الساعة في الفن والمجتمع. وقسم “فيلم” الذي يقدم برنامج عروض سينمائية منسّق بعناية، يسلط الضوء على تقاطعات السينما والفن المعاصر.
وقالت المديرة مايك كروز إنها تشارك في المعرض بنظرة ثاقبة على المستقبل، على الرغم من التوقعات الاقتصادية غير المستقرة في كل من قطاعي الفن في ظلّ تزايد الطلب على الفنّ في السوق والنظام العالمي الأوسع.
وقالت كروز، التي انضمت إلى آرت بازل عام 2032: “نحن واثقون جدًا من مرونة سوق الفن ويبدو أن مزاج صالات العرض وهواة الجمع متفائل جدًا،” وأشارت إلى تقرير آرت بازل ويو بي إس لسوق الفن لعام 2025، الذي وجد أنه في حين انخفضت مبيعات الفن العالمية بنسبة 12 في المئة. العام الماضي، شهدت شرائح السوق المتوسطة والمنخفضة ارتفاعًا في المعاملات، وأبلغت صالات العرض عن عدد من هواة الجمع الجدد الأصغر سنًا.
وعند استطلاع رأيهم، أفاد التجار أن 44 في المئة من مشتريهم كانوا جددًا في أعمالهم العام الماضي، وأن حصة المبيعات للعملاء الجدد ارتفعت إلى 38 في المئة، بزيادة خمس نقاط مئوية على أساس سنوي.
وإحدى الطرق التي يجذب بها آرت بازل هواة الجمع الجدد هي وجود قسم مُناسب في المعرض، حيث يُخصص قسم “بريمير”، الذي أُعلن عنه في وقت سابق من هذا العام، للأعمال الفنية فائقة المعاصرة التي أُنتجت خلال السنوات الخمس الماضية، بمشاركة عشر صالات عرض تضم كل منها ما يصل إلى ثلاثة فنانين. ويضم هذا القسم وحده مشاركتين جديدتين في آرت بازل، إلى جانب 18 عارضًا جديدًا من قطاعات المعرض الأخرى.
كما يُمكن أن تُسهم الإعفاءات الضريبية الجديدة التي يُقدمها الاتحاد الأوروبي على بعض مشتريات الأعمال الفنية في تعزيز مبيعات المعرض لبعض التجار. وبينما يُقام آرت بازل في سويسرا، وهي ليست عضوًا في الاتحاد الأوروبي، فإن حوالي نصف عارضي المعرض يُديرون أعمالًا تجارية داخل الاتحاد. ويهدف توجيه جديد للاتحاد الأوروبي، دخل حيز التنفيذ في يناير 2025، إلى مواءمة أنظمة ضريبة القيمة المضافة المُعقدة في الدول الأعضاء، ويسمح لها بخفض معدلها في بعض الحالات. فعلى سبيل المثال، خفضت ألمانيا ضريبة القيمة المضافة على مبيعات الأعمال الفنية من 19 في المئة إلى 7 في المئة، على الرغم من أن بعض الدول لم تُطبق مثل هذه الإعفاءات الضريبية الكبيرة، بل حافظ بعضها على معدلاتها. ورفض آرت بازل التعليق على كيفية تأثير توجيه الاتحاد الأوروبي الجديد على مبيعات المعرض.
مع ذلك، لا يزال سوق الفن العالمي متذبذبًا، إذ يُثير قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية على معظم شركاء البلاد التجاريين مخاوف من ركود اقتصادي في الدولة التي تضم أقوى قاعدة لهواة جمع الأعمال الفنية.
وحتى الآن، يُستثنى الفن من الرسوم الجمركية، وينعقد المعرض قبل انتهاء فترة “التوقف المؤقت عن الرسوم الجمركية” التي تبلغ 90 يومًا والمقرر أن تُطبق على تجارة الاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة.
ولا يزال المعرض يؤكد حضور هواة جمع الأعمال الفنية الأميركيين البارزين، حيث يقول كروز: “حتى الآن، إذا كان للمعرض أي آثار، فهي غير مباشرة أكثر منها مباشرة”.
ويضيف كروز: “من التحديات التي يواجهها سوق الفن حاليًا عدم اليقين بشأن كل هذه التساؤلات، لأنه لا أحد يعلم حقًا ما ستكون عليه الآثار النهائية. في بازل، تُقدم صالات العرض أفضل ما لديها وتُقدم أعمالًا فنية طموحة، ونحن نحرص على تقديم فعاليات من الطراز الأول.”
ويرفع المعرض هذا العام شعار “تحدي الحدود للاحتفاء بالإبداع،” في دلالة على التزامه بكسر الحواجز التقليدية أمام الفن وتقديم مساحة للابتكار والحرية.
ورأى نقاد أن هذا الشعار يتماشى مع الطابع التجريبي الذي يتبناه المعرض عبر أقسام مثل قسم “دورة”، والذي يحمل في دورته الحالية عنوان “الطبيعة الثانية”، حيث يستكشف العلاقة المتشابكة بين البيئة الطبيعية والصناعية.
ومن أبرز إضافات هذه الدورة أيضًا، تقديم جوائز آرت بازل لأول مرة، لتكريم المبادرات الفنية التي تُعيد تعريف الفن في السياق العالمي.
وتسجل المشاركة العربية في معرض آرت بازل 2025 حضورًا مميزًا في عدة أقسام. في القسم الذي يُعنى بالفنانين الصاعدين، يحضر “جيبسوم غاليري” من القاهرة، الذي يقدّم مشروعًا ثنائيًا للفنانين ديميترا شارامانداس وباسم مجدي، يستكشف موضوعات متعلقة بالطبيعة، وإعادة تشكيل المناظر الساحلية، والعلاقة بين الجسم والبيئة، إضافة إلى سرديات بصرية تجمع بين الخيال والواقع.
نسخة هذا العام تشهد مشاركة بارزة لمؤسسات فنية مرموقة، وتعاون مع متاحف ومراكز ثقافية في بازل، مثل مؤسسة بييلير، وكونستال بازل، ومتحف كونست
وتسجّل الفنانة السعودية لولوة الحمود حضورها في المعرض، حيث تعكس بأعمالها هوية عربية متجددة تنتمي للعالم دون أن تتخلى عن جذورها، وتأتي مشاركتها في هذا المعرض تتويجًا لمسيرة إبداعية فنية، حيث وصلت أعمالها إلى متاحف عالمية مرموقة. وتعكس هذه المشاركات العربية جميعها حيوية المشهد الفني في المنطقة وتنوع رؤاه المعاصرة.
كما تتجلى المشاركة العربية من خلال صالات بارزة مثل Sfeir-Semler Gallery (بيروت)، التي تعرض أعمالًا لرموز فنية مثل سامية حلبي، وإيتيل عدنان، ووائل شوقي، ومروان قصاب باشي. كما تشارك Almine Rech Gallery بأعمال لفنانين من أصول عربية، مثل علي شري وغادة عامر. وتقدم Lisson Gallery أعمال الفنانة السعودية دانا عورتاني، التي تحاكي الجماليات الإسلامية برؤية معاصرة.
كما تشارك متاحف قطر في المعرض وذلك بعد الإعلان عن استضافة الدوحة للنسخة الأولى من معرض “آرت بازل قطر” في فبراير 2026. وافتتحت متاحف قطر جناحها المشارك في المعرض، الذي يضم عددا من المقتنيات والأعمال الفنية العالمية ويتيح للزوار الاطلاع على التصميم المعماري “ثلاثي الأبعاد” لمتحف لوسيل المستقبلي الذي سيقام في جزيرة المها ليشكل محورا ثقافيا لمدينة لوسيل المستدامة.
وقالت السيدة ايلينا نوتيينن رئيس المجموعات في متحف لوسيل التابع لمتاحف قطر، في تصريح خاص لوكالة الأنباء القطرية، “إن جناح متحف لوسيل في معرض آرت بازل يعرض جزيرة المها المستقبلية ورؤية متاحف قطر لها والتي تشمل على متحف لوسيل ومتحفا للفنون،” لافتة إلى أن جناح قطر في المعرض يضم أربع لوحات من مجموعته الاستشراقية، وهي لوحات زيتية من القرن التاسع عشر تضم لوحة للفنان ألماني غوستاف باورنفايند، بعنوان “باب الجامع الأموي الكبير” دمشق 1890 ولوحة الفنان التركي عثمان حمدي بك “الجامع الأخضر” بورصة 1890، ولوحة البريطاني جون فريدريك لويس “مخيم فرانك في صحراء جبل سيناء” 1842- 1862، ولوحة الفرنسي جان ليون جيروم ، “الحريم في الكشك” 1870- 1875، إضافة إلى لوحة أخرى معارة من متحف أورسي الفرنسي وهي لوحة للفنان التركي عثمان حمدي بك بعنوان “رجل عجوز أمام قبري طفلين” 1903.
وأوضحت أن القائمين على جناح قطر يؤكدون أن هذه الأعمال تعكس بدقة تقاليد الفن الاستشراقي من خلال إبراز الشخصيات والمباني الإسلامية والعادات اليومية بروح من الاحترام والدقة الفنية.
يذكر أن معرض «آرت بازل» تأسس عام 1970 في مدينة بازل السويسرية، ليصبح أحد أبرز الفعاليات السنوية في عالم الفن المعاصر. ومع الوقت، توسع المعرض إلى هونغ كونغ وميامي بيتش، وأضيفت نسخة باريسية إلى برنامجه منذ العام 2022.