سلاح الميليشيات يضع العراق في موقف محرج إزاء الحرب الإسرائيلية – الإيرانية

حالة القلق من الحرب الإيرانية – الإسرائيلية التي تتقاسمها سائر بلدان المنطقة، يعيشها العراق بشكل مضاعف بسبب ارتباطاته الواسعة بأحد طرفي النزاع؛ الجمهورية الإسلامية التي تمتلك حلفاء عراقيين لها يحمل بعضهم سلاحا موازيا لسلاح الدولة وأظهر في أكثر من مناسبة استعداده لاستخدامه في مساندة حليفته، الأمر الذي يجعل بغداد مهدّدة بأن تجد نفسها طرفا في الحرب دون رغبة منها في ذلك.
بغداد – وضعت الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران العراق في وضع استثنائي لا تكاد تشاركه فيه أي دولة من دول المنطقة على الرغم من حالة القلق السائدة بين مختلف تلك الدول من تبعات التصعيد على استقرارها وأوضاعها الاقتصادية.
ويعود ذلك إلى حالة الارتباط السياسي والأمني والاقتصادي الوثيق التي نشأت بين طهران والنظام العراقي الحالي الذي تقوده بشكل أساسي أحزاب شيعية موالية لإيران وتشارك فيه بفاعلية فصائل مسلّحة تعلن انتماءها الصريح إلى ما يعرف بـ”محور المقاومة” الذي أنشأه الإيرانيون بهدف أساسي يتمثّل وفقا لأدبياتهم في التصدي لإسرائيل وحليفتها الكبرى الولايات المتّحدة.
ورتّب هذا الوضع على الحكومة العراقية الحالية أعباء إضافية في مواجهتها لتبعات الحرب الدائرة بين الجمهورية الإسلامية والدولة العبرية المدعومة أميركيا، تتمثّل في تحقيق توازن صعب بين رغبة واشنطن في فك الارتباط بين بغداد وطهران ورفض عدد من القوى الشيعية المتنفّذة في الحكومة ذاتها الحياد إزاء الصراع الإيراني – الإسرائيلي وتهديداتها بالتدخل في الصراع مساندة لإيران حليفتها وقائدة محورها.
وما يضاعف من حرج حكومة رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني أنّ أجواء العراق باتت في الوقت نفسه ممرا للهجمات الإسرائيلية على إيران، وللهجمات الإيرانية على إسرائيل حيث تعبر المجال الجوي العراقي مسيّرات وصواريخ إيرانية وكذلك مقاتلات إسرائيلية، في مشهد يُرغم بغداد على مضاعفة جهودها للحفاظ على توازن دقيق وتجنيب البلاد الانزلاق إلى نزاع إقليمي جديد.
ويقول المحلل السياسي سجاد جياد لوكالة فرانس برس “يوجد خطر كبير جراء إمكانية امتداد التصعيد إلى العراق.” ولطالما شكّل العراق ساحة للصراعات الإقليمية، ما يضاعف المخاوف حاليا من احتمال انزلاقه في أتون الحرب بين إيران وإسرائيل.
وتتمركز في الأراضي العراقية قوات أميركية في إطار التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية. لكن تنتشر أيضا مجموعات عراقية مسلّحة منضوية ضمن “محور المقاومة” الذي تقوده إيران، سبق أن استهدفت القوات الأميركية.
وخلال الولاية الرئاسية الأولى للرئيس الأميركي دونالد ترامب في عام 2020، قتلت مسيّرة أميركية قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني في بغداد.
وفي خضمّ النزاع الدائر بين إيران وإسرائيل الدولة التي تحظى بأكبر قدر من المساعدات العسكرية الأميركية، تتجه الأنظار نحو هذه الفصائل العراقية المسلحة التي لم تتدخّل حتى الآن، دون وجود ما يضمن عدم تدخّلها لاحقا.
ويرى المحلل السياسي تامر بدوي أنه كلّما عانت إيران في الحفاظ على قوتها النارية في مواجهة إسرائيل، زاد احتمال تورّط المجموعات العراقية المسلحة الموالية لها. ويضيف “تحاول إيران تجنيب شبكتها الأضرار الجانبية، من خلال إبقاء حلفائها الإقليميين في وضع التأهب. إلا أن هذا الموقف يمكن أن يتغيّر.”
وأشار مسؤول عراقي أمني كبير إلى أن “الجميع” ضمن المعسكر العراقي الموالي لإيران “متعاون مع الحكومة لإبعاد العراق عن الصراع.”
وتعمل بغداد منذ سنوات على التوفيق بين تحالفها المتين مع جارتها إيران، وهي قوة إقليمية تشترك معها في حدود طويلة وروابط سياسية واقتصادية وثقافية، وشراكتها الإستراتيجية والعسكرية مع واشنطن المُعارضة لبرنامج إيران النووي.
وبدأت إسرائيل فجر الجمعة هجوما واسع النطاق طال خصوصا مواقع عسكرية ونووية في إيران التي ردّت بعد ساعات بضربات صاروخية ومسيّرات على الدولة العبرية. ويتواصل تبادل إطلاق النار بين البلدين ويتوسّع.
ودعت الحكومة العراقية واشنطن إلى منع الطائرات الإسرائيلية “من تكرار اختراق الأجواء العراقية وتنفيذ الاعتداءات” على إيران. وأغضب خرق المجال الجوي العراقي الفصائل العراقية الموالية لإيران، فاتهمت القوات الأميركية في العراق بالسماح به.
وفيما أكّد الأمين العام لكتائب حزب الله أبوحسين الحميداوي في بيان الأحد أن إيران “لا تحتاج إلى أي دعم عسكري من أحد لردع الكيان الصهيوني،” قال “إننا نراقب عن قرب تحركات جيش العدو الأميركي في المنطقة.” وأضاف “إذا أقدمت أميركا على التدخل في الحرب، فسنعمل بشكل مباشر على مصالحها وقواعدها المنتشرة في المنطقة دون تردد.”
وقال مسؤول أميركي “ندعو الحكومة العراقية مجددا إلى حماية البعثات الدبلوماسية والعسكريين الأميركيين المتواجدين في البلاد بطلب من الحكومة العراقية.”
وأضاف رافضا الكشف عن اسمه “سيكون العراق أكثر استقرارا وسيادة من خلال استقلاله في مجال الطاقة والنأي بنفسه عن النفوذ الإيراني المضر،” في إشارة إلى استيراد الغاز الإيراني لتشغيل محطات الطاقة في العراق. كما استنكر المسؤول الأنشطة “العنيفة والمزعزعة للاستقرار”، والتي تقف وراءها “الميليشيات الموالية لإيران”.
ويرى سجاد جياد أنه “في حال تأكدت إيران أن الولايات المتحدة تدعم إسرائيل في هجماتها ضد إيران، فقد يدفع ذلك بعناصر موالية لإيران داخل العراق، إلى استهداف السفارة الأميركية أو القنصلية في أربيل أو القوات الأميركية وقاعدة عين الأسد” حيث يتمركز التحالف الدولي في غرب العراق لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية.
كلّما عانت إيران في الحفاظ على قوتها النارية في مواجهة إسرائيل، زاد احتمال تورّط المجموعات العراقية المسلحة الموالية لها
وقد يؤدي ذلك إلى “ردّ من الولايات المتحدة داخل العراق، باستهداف هذه المجموعات الموالية لإيران، وكذلك إلى هجوم مباشر من إسرائيل.”
وتصاعدت وتيرة التوتر في العراق حين اندلعت الحرب في قطاع غزة جرّاء الهجوم غير المسبوق الذي شنته حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023. وتبنّت فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران إطلاق العشرات من الصواريخ والطائرات المسيّرة على مواقع في العراق وسوريا ينتشر فيها جنود أميركيون في إطار التحالف الدولي. وردّت واشنطن بقصف مواقع تابعة لهذه الفصائل.
وتبّنت هذه المجموعات نفسها المنضوية في ما يعرف بـ”المقاومة الإسلامية في العراق” إطلاق مسيّرات على أهداف في إسرائيل. واعترض الجيش الإسرائيلي معظم هذه الطائرات، قبل أن تقتل واحدة منها جنديَين إسرائيليين في الجولان السوري المحتلّ في أكتوبر 2024.
ويرى تامر بدوي أن الفصائل العراقية المسلحة الموالية لإيران “تحتفظ بالقدرة على استهداف إسرائيل من غرب العراق” أو حتى “استهداف المصالح الأميركية في الأردن.”
غير أن العراق يستعدّ لإجراء انتخابات نيابية في نهاية هذا العام، ما يحفّز الطبقة السياسية، بما فيها الفصائل المسلّحة الممثلة بنواب في البرلمان، على السعي إلى الحفاظ على الاستقرار.
وقال قيادي في الفصائل العراقية المسلحة لفرانس برس “لا ننكر أن بعض الجهات انخرطت في العمل السياسي مؤخرا، فمن طبيعة المعركة أحيانا أن يتم التحضير لها، وليس من الطبيعي أن يُحمل السيف طوال المعركة.”
وأضاف “هناك فترة يجب أن يكون فيها السيف في الغمد، لكن هذا لا يعني ترك السلاح أو الخوف من المواجهة.” وأشار إلى أن الفصائل العراقية تعتبر إيران “الأب الروحي”، مضيفا “لن نترك والدنا يخوض المعركة وحده.” وتابع “الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا تقف مع إسرائيل علانية فلماذا لا ندعم نحن الجمهورية الإسلامية.”