التمويل التشاركي فرصة الأردنيين لتنمية بيئة الاستثمار في الابتكار

يُجمع خبراء على أنه رغم حداثة نموذج التمويل التشاركي في الأردن، إلا أن ملامح هذه السوق بدأت تتبلور تدريجيًا، دون الحاجة إلى المرور بتعقيدات القنوات التمويلية التقليدية، مدعومة بتوجهات حكومية نحو دعم الابتكار المالي وتعزيز الشمول المالي، بما يسهم في تنمية الأعمال الجديدة وتوليد المزيد من فرص العمل.
عمان- أكد اقتصاديون أردنيون أن التمويل التشاركي (الجماعي) يشكل محركا يربط بين الأفكار الريادية وطموحات المستثمرين وخاصة الشباب، نحو مستقبل واعد كونه يعزز الابتكار ويضمن حماية الأطراف المعنية ضمن إطار تنظيمي وتشريعي مرن.
ومع أن التجربة بالبلد لا تزال في بداياتها، فإن بوادرها واعدة، لاسيما مع الاهتمام الحكومي المتزايد بريادة الأعمال والابتكار، وهو ما يجعل من السوق المحلية بيئة محفزة بشكل أكبر في المستقبل في ظل التنافس الإقليمي.
والتمويل التشاركي هو نظام تعاون بسيط للغاية يسمح لأي صاحب فكرة مشروع بجمع مبلغ من المال من عدة أفراد لدعم المبادرة في مقابل مشاركتهم في المشروع.

آلاء البشايرة: وجود عدد من الممولين يوزع المخاطر على المستثمرين
وغالبا ما يتلقى الأشخاص الذين يدعمون مثل هذه المشاريع مكافآت كأن يحصلوا على نموذج من المنتج قبل طرحه في الأسواق أو الخدمات بسعر أقل ممّا هو متاح في السوق.
وبحسب النظام الأردني الجديد الذي صدر العام الماضي والمعدل لنشاط شركات التمويل يعرّف هذا النوع من الديون القائم على الإقراض بأنه “جمع الأموال من المشاركين لمنح الائتمان المباشر للمقترضين من خلال منصة إلكترونية مخصصة لهذه الغاية.”
ووسط ذلك يواجه التمويل التشاركي تحديات تتعلق ببنية السوق والتنظيم، واحتمالات فشل المشاريع أو استخدام الأموال بشكل غير شفاف، ما يؤدي إلى تراجع الثقة بهذه الأداة، أو احتمال استغلال منصات التمويل في عمليات غير مشروعة أو أنشطة مشبوهة.
ويؤكد المستشار المصرفي والمالي مروان الخولي أن التمويل التشاركي يعد آلية مبتكرة لتمويل المشاريع والأفكار عبر جمع مبالغ صغيرة من عدد كبير من الأفراد، بدلا من الاعتماد على مصدر تمويل واحد مثل البنوك أو المستثمرين المؤسسين.
ونسبت وكالة الأنباء الأردنية الرسمية إلى الخولي قوله إن “هذه الآلية تتيح لرواد الأعمال الوصول إلى رأس مال أولي بسرعة نسبيا، وتوفر لهم منصة لاختبار فكرة المشروع في السوق من خلال جذب الممولين من الجمهور.”
وأوضح أن هذا الأسلوب في التمويل يعمل على تعزيز الشفافية في التعاملات ويشجع على بناء مجتمع داعم حول المشروع من بداياته.
ورغم تزايد الحديث عن التمويل التشاركي بين الأردنيين إلا أن الوعي به بين رواد الأعمال لا يزال في مراحله الأولى، إذ تسعى هيئة الأوراق المالية لنشر ثقافة الاستثمار وتعزيز الشفافية في السوق.
ويشير هذا الوضع، بحسب الخولي، إلى وجود فجوة معرفية تحتاج إلى مبادرات توعوية مكثفة من قبل الجهات الرسمية وحاضنات الأعمال.

مروان الخولي: الوعي بهذه الأداة بين رواد الأعمال في مراحله الأولى
وأكد أن الهيئة تسعى إلى تنظيم الأنشطة المالية والاستثمارية تحت إشرافها بغرض حماية المستثمرين وتعزيز الثقة بالأعمال والسوق.
ويبدو أن تعزيز البرامج التوعوية والتدريب لرفع وعي رواد الأعمال والمستثمرين بفوائد التمويل التشاركي ومخاطره، ودعم البنية التحتية التقنية للمنصات المحلية وربطها بالسوق المالية الأوسع لتوفير سيولة أفضل، أمر مهم لتحقيق الهدف.
كما أن تشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص لإنشاء منصات ممولة حكوميا أو بشراكات مع بنوك ومؤسسات تمويل تنموي، ووضع إطار للرصد والمراجعة للأداء، عبر الحاضنة التنظيمية وتوسيع نطاقه ليشمل كافة نماذج التمويل الجماعي، يشكل ضرورة.
وهناك أربعة أنواع للتمويل التشاركي، الأول التمويل مقابل المكافآت أو الهدايا، حيث يقدم الممولون أموالاً للحصول على مكافآت أو منتجات بقدر حصصهم التي يساهمون بها.
أما الثاني فهو التمويل الاستثماري بالأسهم، حيث يتلقى الممولون أسهما كنسبة من ملكية المشروع وأرباحا على هذه الأسهم.
والنوع الثالث يتعلق بالتمويل التضامني بالإقراض، حيث يقدم الممولون ديونا بفوائد وفقا لما هو متفق عليه مسبقا، وأخيرا التمويل بالتبرعات، حيث يتم جمع الأموال دون توقع أي دخل أو عوائد وأرباح مالية.
وترى أستاذة الاقتصاد في الجامعة الهاشمية آلاء غالب البشايرة أن التمويل التشاركي مفهوم حديث وموسع لفكرة صناديق التمويل التكافلية لجمع الأموال من عدد كبير من الأشخاص عبر منصات رقمية مرخصة.
وقالت إن هذا التمويل “يسهم في توفير السيولة للمشاريع الناشئة أو المشاريع الصغيرة التي تحجم البنوك عادة عن تمويلها،” موضحة أن وجود عدد كبير من الممولين يساهم في تقليل وتوزيع المخاطر على المستثمرين.

وحتى الآن لا تتوفر إحصائيات محددة ومحدثة ودقيقة عن حجم التمويل التشاركي، ومع ذلك يُلاحظ أن هناك اهتمامًا متزايدًا بهذا النموذج، خاصة في ظل تطور قطاع التكنولوجيا المالية والشمول المالي في البلاد.
وتشير التقديرات إلى أن حجم سوق التمويل التشاركي عالميًا بلغ بنهاية العام الماضي قرابة 18.4 مليار دولار. ومن المتوقع أن يتجاوز 20.4 مليار دولار عام 2025، بمعدل نمو سنوي مركب يزيد على 15 في المئة.
وتعتقد أوساط اقتصادية أردنية أن التمويل التشاركي فكرة مطلوبة لتنويع التمويل في الاقتصاد الأردني، ففي ظل محدودية توليد فرص عمل في القطاع العام على وجه الخصوص، والقطاع الخاص على وجه العموم تنبع الحاجة لمصادر تمويل جديدة.
ولا يلبي التمويل التقليدي بالقدر الكافي التوجه الجديد لدى الشباب نحو المشاريع الناشئة والصغيرة بما يتواءم مع متطلبات المستقبل وتطلعات الشباب.
ويقول المحلل والخبير الاقتصادي عدلي قندح إن التمويل التشاركي يعد من الأدوات الحديثة والمبتكرة التي ظهرت كاستجابة طبيعية لحاجة المشاريع الريادية والأفكار الإبداعية إلى مصادر تمويل بديلة عن تلك التقليدية.
وأكد أن هذا النموذج يقوم على فكرة بسيطة لكنها ذات أثر كبير، وهي جمع مبالغ صغيرة من عدد كبير من الأفراد عبر منصات إلكترونية متخصصة لدعم مشروع أو منتج أو مبادرة مجتمعية أو استثمارية.
وبحسب قندح يمتاز التمويل التشاركي بعدة جوانب إيجابية، في مقدمتها تمكين الأفراد والمشاريع الناشئة من الحصول على التمويل اللازم دون الحاجة إلى المرور عبر القنوات المالية التقليدية التي كثيراً ما تكون معقدة أو مكلفة.
وأشار إلى أنه يسهم في تعزيز الشفافية والتفاعل مع السوق، إذ يحصل المشروع على اختبار واقعي للطلب عليه منذ لحظة طرحه.
وقال إن “التمويل التشاركي أداة ديمقراطية في التمويل، إذ يُمنح الأفراد العاديون فرصة للمشاركة في بناء المشاريع وتحقيق العوائد، سواء كانت مالية أو اجتماعية.”