الجزائر تتهم فرنسا ضمنيا بالوقوف خلف قرار الإدراج في اللائحة السوداء

تضمن تقرير حديث صدر عن الاتحاد الأوروبي إدراج الجزائر ضمن لائحته السوداء للدول عالية المخاطر، من حيث غسيل الأموال، في وقت تتصاعد فيه أصوات جزائرية متهمة فرنسا بوقوفها خلف هذا القرار للضغط عليها في إطار أوروبي.
الجزائر - ألمحت تقارير جزائرية إلى أياد فرنسية تقف وراء إدراجها من طرف الاتحاد الأوروبي في اللائحة السوداء المتعلقة بغسيل الأموال وتمويل الإرهاب، مستندة في ذلك إلى عدم مراعاة الجهود التي بذلتها الحكومة بعد إدراجها العام الماضي في اللائحة الرمادية، ولا حتى المهلة الزمنية، وهو ما يوحي برغبة جزائرية في تعليق الخطوة على الخلافات السياسية القائمة بين البلدين، وتوظيف باريس لورقة الاتحاد الأوروبي للضغط عليها، خاصة وأن القرار تزامن مع مشاورات مراجعة اتفاق الشراكة المبرم بين الطرفين العام 2005.
وتعالت في الجزائر الأصوات المشككة في فرضية دور فرنسي في القرار الصادر عن الاتحاد الأوروبي القاضي بإدراجها في اللائحة السوداء المعنية بغسيل الأموال وتمويل الإرهاب، خلال عملية التحديث الأخيرة، التي عرفت خروج دول، ودخول أخرى منها الجزائر ولبنان وموناكو.
خبراء في المجال المالي حذروا في وقت سابق من تبعات غياب الشفافية في بعض القرارات المالية وإدارة الموارد المحلية
وتم توجيه اتهامات ضمنية لباريس بالتأثير في القرار الأوروبي، على خلفية تصفية الحسابات بين البلدين، في إطار الأزمة المفتوحة بينهما منذ قرابة العام، وتم الاستناد في بناء تلك الاتهامات المذكورة على عدم مراعاة عامل الوقت بين المرور من اللائحة الرمادية التي أدرجت فيها العام الماضي، إلى اللائحة السوداء المعلن عنها مؤخرا، وهو ما اعتبر معيارا غير كاف لتنفيذ ما وصفته بـ”حزمة الإجراءات المتخذة من طرف الحكومة في هذا الشأن”.
وكان الاتحاد الأوروبي قد كشف عن تحديث قائمته للدول “عالية المخاطر” في مجال مكافحة غسيل الأموال، ليشمل الجزائر وبعض الدول الأخرى، وهو الأمر الذي يترتب عليه إلزام المؤسسات المالية الأوروبية باتخاذ تدابير رقابية مشددة على التعاملات المالية المرتبطة بالجزائر.
وأفادت تقارير أوردتها وسائل إعلام جزائرية خاصة ومعروفة بقربها من السلطة، بأنه “فيما يعتبر قرار بروكسل إجراء تقنيا يندرج ضمن سياسة الاتحاد الأوروبي لحماية نظامه المالي، فإن محللين سياسيين ومتابعين يرون أن التصنيف يتجاهل جهود الجزائر التشريعية والتنظيمية المتقدمة في مجال مكافحة الجرائم المالية، ويثير تساؤلات حول الخلفيات السياسية الكامنة وراءه”.
وقالت صحيفة الخبر إن “منذ العام 2020 أطلقت الجزائر حزمة من الإصلاحات القانونية لتعزيز الشفافية المالية ومكافحة الظواهر الاقتصادية غير المشروعة.
ومن بين أبرز هذه الإجراءات تعديل قانون الوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب (2021)، حيث تم توسيع صلاحيات خلية معالجة المعلومات المالية وتعزيز التعاون الدولي في تتبع الأموال المشبوهة، كما تم إنشاء هيئة وطنية مستقلة للرقابة المالية (2022) تراقب البنوك وشركات التأمين والتحويلات المالية وتلزم هذه الجهات بالإبلاغ عن أي نشاط مالي غير معتاد، واعتمدت في 2023 نظام التصريح الإلكتروني للممتلكات والتحويلات الخارجية، وهو إجراء يعزز الشفافية ويرصد تحركات رؤوس الأموال بدقة ويقلل من فرص التهرب المالي”.
وأضافت “لقد قامت الجزائر بتفعيل اتفاقيات التعاون مع مجموعة العمل المالي وصندوق النقد الدولي، حيث خضعت الجزائر لعدة مراجعات تقنية وتقييمات إيجابية منذ 2022، شهدت بتحسن ملموس في قدرات الدولة على رصد وتفكيك شبكات غسيل الأموال”.
لكن خبراء في المجال المالي حذروا في وقت سابق من تبعات غياب الشفافية في بعض القرارات المالية، وإدارة الموارد المحلية، على غرار ما ورد في قانون الموازنة العامة الأخير، عن تخصيص مبلغ يقدر بـ14 مليار دولار، يتبع حسابات وزارة المالية، دون تدقيق وجهات أو أغراض استعمالاته، وهو أمر يثير شبهات الأطراف المتابعة سواء كانت في الداخل أو الخارج.
ورغم الطابع التقني للعملية وحرص المجموعة الأوروبية على حماية نفسها من المعاملات المشبوهة، إلا أن القرار لا يخلو من البعد السياسي، حيث يبرز الدور المحتمل لفرنسا في التأثير على الهيئة للمساس بمكانة وسمعة الجزائر لدى الاتحاد والمؤسسات الدولية، بحسب التقارير المذكورة.
الاتحاد الأوروبي يكشف عن تحديث قائمته للدول "عالية المخاطر" في مجال مكافحة غسيل الأموال، ليشمل الجزائر وبعض الدول الأخرى
ودخلت الجزائر منذ عدة أشهر في مشاورات سياسية واقتصادية مع الاتحاد الأوروبي، من أجل مراجعة اتفاق الشراكة المبرم بينهما العام 2005، إلا أن القرار سيعيق التفاؤل الذي ظل يخيم عليها منذ انطلاقتها، ويضع المفاوض الأوروبي في وضع حذر، بينما تجد الجزائر نفسها في وضع مقلق بسبب الإجراءات الاحترازية التي ستبطق على معاملاتها مع مؤسسات الاتحاد.
وذكر خبراء جزائريون أن “الجزائر الآن أمام خيارين لمواصلة المسار التقني بالاستمرار في التفاوض مع الهيئات المالية الأوروبية وتقديم الوثائق التي تثبت تحسن المنظومة الرقابية الوطنية أو التحرك الدبلوماسي، من خلال فتح قنوات حوار مباشر مع الاتحاد الأوروبي واستثمار التحالفات في البرلمان الأوروبي لتعديل هذا التصنيف”.
ويرى تقرير لموقع “تي.أس.آ” الناطق بالفرنسية أن “فرنسا باعتبارها أحد أبرز الفاعلين داخل الاتحاد الأوروبي، تستغل الفضاء الأوروبي إلى أبعد الحدود لممارسة نفوذها وتصفية حساباتها الخاصة مع الجزائر، وليست هذه المرة الأولى التي تلجأ فيها باريس إلى أدوات الاتحاد الأوروبي كوسيلة غير مباشرة للضغط على الجزائر، خاصة في فترات التوتر أو التباين في الرؤى حول قضايا إقليمية حساسة، مثل الملف الليبي أو الحضور الجزائري المتنامي في منطقة الساحل أو حتى مواقف الجزائر المستقلة من السياسات الغربية بصفة عامة”.
وأضاف “توقيت هذا القرار يحمل دلالات سياسية خطيرة ويكشف عن محاولة لإعادة تشكيل مسار العلاقة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي على أساس من الضغط والإملاء، وهو ما يتعارض بشكل صريح مع التوجه السيادي الذي تبنته الجزائر في سياستها الخارجية، خاصة خلال عهدتي الرئيس عبدالمجيد تبون والذي تميّز بإعادة رسم أولويات الجزائر الإقليمية والدولية بعيدا عن منطق التبعية”.