الإكراهات العالمية تضعف وتيرة تدفق الاستثمار إلى الأسواق النامية

آفاق نمو الأعمال تصطدم بالتوترات التجارية المتزايدة وعدم اليقين الاقتصادي.
الثلاثاء 2025/06/17
الإنتاج لا يسير على ما يرام

تشهد الأسواق النامية تراجعًا ملحوظًا في وتيرة تدفق الاستثمارات الأجنبية، نتيجة لجملة من الإكراهات العالمية التي أثرت بشكل مباشر على مناخ الأعمال والاستقرار الاقتصادي في تلك الدول، وهو ما أكدته أحدث المؤشرات التي تشي بالكثير من التحديات ما لم تتم معالجتها بشكل سريع ومحكم.

واشنطن - تقف التحديات الخارجية المتزايدة حجر عثرة أمام تحقيق أهداف النمو واستقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر في الاقتصادات النامية رغم الجهود التي تبذلها الحكومات لتحسين البنية التحتية وتقديم الحوافز، وتعزيز الإطار القانوني والمؤسسي.

وتتمثل أبرز التحديات في حالة عدم اليقين الاقتصادي العالمي، الناجمة عن التوترات الجيوسياسية المتصاعدة، والحروب التجارية، وصعود النزعة الحمائية لدى بعض الدول الكبرى، والتي ذكتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وأفاد البنك الدولي بأن تدفقات رؤوس الأموال إلى تلك الدول انخفضت إلى 435 مليار دولار في عام 2023، وهو أدنى مستوى منذ عام 2005، في حين تدفق 336 مليار دولار فقط إلى الاقتصادات المتقدمة، وهو أدنى مستوى له منذ عام 1996.

وأرجع خبراء البنك في تقرير نشر الاثنين ذلك إلى تزايد الحواجز الاستثمارية والتجارية، والتشرذم، والمخاطر الاقتصادية الكلية والجيوسياسية والتي “تُضعف آفاق تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الدول النامية، مما يُشكل تهديدًا لجهود التنمية.”

وساهمت تقلبات أسعار السلع الأساسية، خاصة النفط والمعادن، في تعميق الضغوط على الدول النامية التي تعتمد بشكل كبير على صادراتها من المواد الأولية.

وقد أدى ذلك إلى تراجع إيراداتها من العملة الصعبة، وهو ما أثر سلبًا على قدرتها في تمويل مشاريع البنية التحتية وتوفير بيئة جاذبة للاستثمار الأجنبي المباشر.

أيهان كوسي: الانخفاض الحاد في الاستثمار ينبغي أن يدق ناقوس الخطر
أيهان كوسي: الانخفاض الحاد في الاستثمار ينبغي أن يدق ناقوس الخطر

كما أن التقلبات المناخية والآثار المتفاقمة لتغير المناخ أصبحت تشكل عاملاً جديدًا ومعقدًا يزيد من المخاطر الاستثمارية، خاصة في دول أفريقيا وآسيا التي تفتقر إلى منظومات متقدمة لإدارة الكوارث والمخاطر البيئية.

من جهة أخرى، لا تزال العديد من الدول النامية تعاني من ضعف في الحوكمة، وانتشار البيروقراطية، وعدم كفاية الإصلاحات الهيكلية، ما يشكل عائقًا أمام تحسين ترتيبها في مؤشرات سهولة ممارسة الأعمال.

ورغم أن بعض الدول قطعت أشواطًا مهمة في هذا الصدد، لكن التفاوت في الأداء لا يزال كبيرًا، مما يجعل المستثمرين أكثر حذرًا في اختيار الوجهات التي يقصدونها. كما أن استمرار الصراعات والنزاعات الداخلية في بعض المناطق يضاعف من المخاطر السياسية ويقوض مناخ الاستثمار.

وقال أيهان كوسي، نائب كبير الاقتصاديين في البنك الدولي، في بيان صدر مع التقرير إن “الانخفاض الحاد في الاستثمار الأجنبي المباشر في الاقتصادات النامية ينبغي أن يدق ناقوس الخطر.”

وأضاف إن “عكس مسار هذا التباطؤ ليس مجرد ضرورة اقتصادية، بل هو أمر أساسي لتوليد فرص العمل، وتحقيق النمو المستدام، وتحقيق أهداف التنمية الأوسع نطاقًا.”

وأشار التقرير إلى أن حالات الركود العالمية والوطنية ارتبطت بتدهور كبير في الاستثمار الأجنبي المباشر، حيث بدأ الاستثمار الأجنبي المباشر يضعف قبل أن يضرب الركود.

وتطرق إلى أن انخفاض الاستثمار الأجنبي قد ترك “فجوات هائلة في البنية التحتية” في البلدان النامية، مع تقويض الجهود المبذولة للقضاء على الفقر العالمي وتلبية الاحتياجات الملحة المتعلقة بتغير المناخ.

وأكد كوسي على ضرورة إجراء إصلاحات محلية جريئة لتحسين مناخ الأعمال وتوسيع التعاون العالمي، مما قد يحفز زيادة معدلات الاستثمار عبر الحدود.

وأشار التقرير، الذي يستند إلى بيانات عام 2023، وهي أحدث البيانات المتاحة، إلى أنه ينبغي على الاقتصادات النامية تخفيف القيود التي تراكمت في السنوات الأخيرة، وتعزيز التكامل التجاري، وتشجيع المزيد من الناس على المشاركة في الاقتصاد الرسمي.

وحثّ خبراء المؤسسة الدولية المانحة الدول على العمل معًا لضمان توجيه تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الاقتصادات النامية ذات الاحتياجات الاستثمارية الأكبر.

435

مليار دولار حجم التدفقات إلى الاقتصادات النامية في عام 2023، وهو أدنى مستوى منذ عام 2005

وأصدر البنك التقرير بعد أسبوع من خفض توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي لعام 2025 بنسبة أربعة أعشار نقطة مئوية إلى 2.3 في المئة، محذرًا من أن ارتفاع الرسوم الجمركية وتزايد حالة عدم اليقين يُشكلان “عقبة كبيرة” أمام جميع الاقتصادات تقريبًا.

وقال كبير الاقتصاديين في البنك الدولي، إندرميت جيل، إن “تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر، وهو محرك رئيسي للنمو الاقتصادي، هو النتيجة المباشرة للسياسة العامة التي شهدت انتشارًا للقيود على التجارة والاستثمار.”

وأضاف “في السنوات الأخيرة، انشغلت الحكومات بإقامة حواجز أمام الاستثمار والتجارة في حين كان ينبغي عليها إزالتها.” وتابع “سيتعين عليهم التخلي عن هذه العادة السيئة.”

وتشير التقديرات إلى متوسط الاستثمار الأجنبي المباشر بلغ حوالي تريليوني دولار سنويًا على مستوى العالم خلال العقد الماضي.

وتظهر البيانات أن زيادة بنسبة 10 في المئة في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر يمكن أن تعزز الناتج المحلي الإجمالي في اقتصاد نامٍ متوسط بنسبة 0.3 في المئة بعد ثلاث سنوات.

ويمكن أن يكون التأثير أكبر بكثير، أي بمقدار 0.8 في المئة، في البلدان ذات المؤسسات الأقوى، مع انخفاض النشاط غير الرسمي، وزيادة الانفتاح التجاري.

وكنسبة من ناتجها المحلي الإجمالي، بلغت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الاقتصادات النامية في عام 2023 ما نسبته 2.3 في المئة فقط، أي حوالي نصف الرقم خلال عام الذروة 2008.

ونمت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية بسرعة خلال العقد الأول من القرن الحالي، وبلغت ذروتها عند حوالي 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في الاقتصاد النموذجي في عام 2008، لكنها تراجعت منذ ذلك الحين.

كما ضعف نمو التجارة بشكل ملحوظ من عام 2020 إلى عام 2024، حيث انخفض إلى أبطأ وتيرة له منذ عام 2000، في حين تفاقم عدم اليقين الاقتصادي. إلى أعلى مستوى له منذ مطلع القرن، وفقًا للبنك.

واستقبلت أكبر ثلاث دول نامية، وهي الصين والهند والبرازيل، وهي دول مؤسسة لمنظمة بريكس مجتمعةً ما يقرب من نصف إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر خلال الفترة بين عامي 2012 و2024.

وشكّلت الاقتصادات المتقدمة ما يقرب من 90 في المئة من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في الاقتصادات النامية على مدار العقد الماضي، حيث جاء نصفها تقريبًا من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وفقًا للبنك.

11