مسقط مدار اتصالات إقليمية ودولية بحثا عن ثغرة في جدار الأزمة الإيرانية - الإسرائيلية

التعقيدات الشديدة التي طرأت على المواجهة بين إيران وإسرائيل والتي ألقت بظلالها على جهود حلحلة الملف النووي الإيراني بأسلوب تفاوضي لم تغيّر من التعاطي الإيجابي لسلطنة عمان مع الملف وما تفجّر بسببه من صراع دام حيث ظلتّ مسقط في أوج التصعيد وجهة ومدارا للاتصالات والمشاورات الإقليمية والدولية أملا في خفض التوتّر والحدّ من تداعياته.
مسقط- اتجهت الأنظار في غمرة التصعيد الخطير في الحرب بين إيران وإسرائيل، مجدّدا نحو سلطنة عمان التي أصبحت قيادتها ودبلوماسيتها وجهة لاتصالات إقليمية ودولية عاجلة ومكثفة أملا في الاستفادة من خبرة السلطنة ورصيدها في التوسّط في أعقد القضايا وتوظيف وضعها كطرف مقبول عادة من قبل جميع الفرقاء ومتمتّع بقدر عال من المصداقية لديهم لإيجاد مدخل للتهدئة ونزع فتيل الأزمة المهدّدة لاستقرار المنطقة وأمنها.
وتلقّى السلطان هيثم بن طارق اتصالين هاتفيين من كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والمستشار الألماني فريدريش ميرتس تمّ التطرق خلالهما للأزمة الإيرانية-الإسرائيلية، فيما واصل وزير الخارجية العماني اتصالاته ومشاوراته مع نظرائه في بلدان المنطقة وخارجها بحثا عن توحيد المواقف بشأن الأزمة
وسبل حلّها.
وجاء الهجوم الإسرائيلي على إيران في وقت كانت فيه الجهود العمانية منصبّة على معالجة الملف النووي الإيراني وحلحلته عن طريق مفاوضات غير مباشرة بين طهران وواشنطن، الأمر الذي أثار استياء السلطنة التي أدانت الهجوم مبينةً أنه جاء في توقيت بالغ الحساسية.
بدر بن حمد البوسعيدي: أهمية تكثيف الضغوط الدبلوماسيّة والسياسيّة الدوليّة لوقف العدوان الإسرائيلي غير القانوني
وقبل اندلاع الحرب كان مقرّرا أن تحتضن مسقط جولة جديدة من المباحثات الأميركية-الإيرانية بشأن النووي، لكن الجولة التي كانت مقررة ليوم الأحد ألغيت في خضم الضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل.
ورغم حالة الإحباط لم تقطع سلطنة عمان جهودها للتهدئة ولم تغلق باب الحل التفاوضي حيث كتب وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي في وقت سابق عبر منصّة إكس أنّ “المباحثات بين إيران والولايات المتحدة التي كانت مقررة في مسقط الأحد لن تحصل. لكن الدبلوماسية والحوار يبقيان السبيل الوحيد نحو سلام دائم.”
وفي نطاق هذا التعاطي الإيجابي الذي تطبقه عمان على الملف رغم ما طرأ عليه من تعقيدات كبيرة واصلت القيادة العمانية اتصالاتها من المجتمع الدولي سعيا لنزع فتيل التوتّر وتقليل وطأته على المنطقة.
وقال متحدث باسم الحكومة الألمانية، الأحد، إن المستشار فريدريش ميرتس أجرى اتصالا هاتفيا مع سلطان عُمان هيثم بن طارق آل سعيد تمّ التوافق خلاله على أهمية عدم تصاعد الصراع في الشرق الأوسط.
وأضاف المتحدث في بيان “قدم المستشار الشكر لسلطان عمان على جهود الوساطة التي تبذلها بلاده،” موضّحا أن الجانبين أكدا استعدادهما للمساعدة في إنهاء الصراع بالطرق الدبلوماسية.
ومن جهة أخرى بحث السلطان هيثم مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأحد، الوضع المستجّد بالمنطقة وذلك في اتصال هاتفي تناول الصراع بين إسرائيل وإيران وقضايا إقليمية ودولية، بحسب منشور لدائرة الاتصال بالرئاسة التركية على منصة إكس.
وأكد أردوغان خلال الاتصال أن الصراع الذي بدأ بهجمات إسرائيل على إيران يشكل خطرا كبيرا على الأمن الإقليمي، وأن المنطقة لا يمكن أن تحتمل أبدا حربا جديدة.
وشدد على أن إدارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باتت مشكلة للاستقرار والأمن العالميين. وقال إن وقوع الهجمات عشية الجولة السادسة من المفاوضات النووية أمر مثير للتفكير، وأن تركيا ترى في المفاوضات السبيل الوحيد لحل النزاع النووي.
وبدأت إسرائيل فجر الجمعة هجوما واسعا على إيران بعشرات المقاتلات، أسمته الأسد الصاعد، وقصفت خلاله منشآت نووية وقواعد صواريخ بمناطق مختلفة واغتالت قادة عسكريين بارزين وعلماء نوويين.
وفي مساء اليوم نفسه، بدأت إيران الرد على الهجوم بسلسلة من الضربات الصاروخية الباليستية والطائرات خلفت حتى صباح الأحد نحو ثلاثة عشر قتيلا وأكثر من ثلاثمئة مصاب فضلا عن أضرار مادية كبيرة طالت مباني ومركبات، وفق وزارة الصحة الإسرائيلية وإعلام عبري.

كريم بيطار: دول الخليج باتت تدرك أن هذه الهجمات قد تقوّض مصالحها الاقتصادية وتزعزع استقرار المنطقة بأكملها
واستشعرت مسقط ومختلف العواصم الإقليمية مدى خطورة التصعيد على المنطقة واستقرارها وعلى مصالحها الاقتصادية التي ترتبط بها أيضا مصالح حيوية لمختلف دول العالم باعتبار الصراع يدور قريبا من منطقة الخليج المصدر الرئيسي للنفط والغاز. وعلى هذه الخلفية أطلقت الدبلوماسية العمانية حراكا غير اعتيادي بحثا عن مخرج للأزمة شمل إجراء مشاورات واتصالات بين بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية العماني وعدد من نظرائه في دول الإقليم والعالم.
ونقلت وكالة الأنباء العمانية الرسمية عن البوسعيدي تأكيده على “أهمية تكثيف الضغوط الدبلوماسيّة والسياسيّة الدوليّة لوقف العدوان الإسرائيلي غير القانوني واللامسؤول وتطبيق قواعد القانون الدولي في استعادة الأمن والاستقرار والسلام.”
وكانت العملية العسكرية الإسرائيلية المفاجئة ضدّ إيران قد حالة استثنائية من القلق في منطقة الخليج نظرا للتماسّ الجغرافي والترابط المكاني بين البلدان العربية في تلك المنطقة والجمهورية الإسلامية التي حوّلها الهجوم الإسرائيلي المباغت إلى بؤرة توتّر ملتهبة في قلب منطقة عالية الأهمية الإستراتيجية للعالم بأسره يجتمع فيها ويتشابك كم هائل من المصالح الكبيرة لبلدانه يتأسس أغلبها على ما تنتجه تلك المنطقة وتصدّره من نفط وغاز.
وجاء تفجّر هذا الصراع الكبير بمثابة تجسيد عملي لما حذّرت منه بلدان خليجية، وعلى مدى سنوات طويلة، جارتها إيران من خطورة سياساتها الخارجية المثيرة للقلاقل والتوتّرات التي كانت تتركز من قبل في بلدان تتخذ منها طهران جبهات متقدمة لخوض صراعاتها بالوكالة عن طريق أذرع لها هناك على غرار لبنان وسوريا والعراق واليمن والأراضي الفلسطينية، قبل أن تقوم إسرائيل هذه المرّة بنقل الشرارة إلى داخل إيران نفسها.
كما جاء مضادّا بشكل كامل لما سعت إليه المملكة العربية السعودية من تهدئة شاملة في المنطقة بهدف تبريد الصراعات وخفض التوترات لإيجاد الأرضية المناسبة لتسريع التنمية وتنفيذ برامج الإصلاح والتطوير بالغة الطموح، وبذلت لأجله جهودا كبيرة وبادرت إلى التصالح مع إيران نفسها متجاوزة على أخطائها بحق بلدان جوارها العربي، وصولا إلى إتاحة فرصة للسلام مع جماعة الحوثي الذراع اليمنية للإيرانيين.
وقال كريم بيطار الباحث في معهد العلوم السياسية في باريس، إن “دول الخليج باتت تدرك أن هذه الهجمات قد تقوّض مصالحها الاقتصادية وتزعزع استقرار المنطقة بأكملها.”
وخالف التحرّك العسكري الإسرائيلي ضدّ طهران، أيضا، ما بذلته سلطنة عمان من جهود كبيرة لتفادي الحل العسكري لقضية النووي الإيراني بتأطيرها ورعايتها مفاوضات بين طهران وواشنطن أملا في تكرار الإنجاز الذي كانت مسقط بحدّ ذاتها قد وقفت وراءه والمتمثّل في التوصل سنة 2015 إلى اتّفاق بين طهران وعواصم غربية بشأن البرنامج النووي لإيران.